تدهورت جودة مياه الأنهار في عدة مناطق عبر العالم: في المغرب، كندا، والبرازيل وروسيا، وانخفض صبيب أنهار أخرى وهذا راجع بشكل رئيسي إلى تغير المناخ وما ترتب عنه من جفاف وعدم التوازن في العديد من المنظومات الإيكولوجية، وإلى الأنشطة البشرية التي تقذف بالنفايات السائلة والمخلفات الصناعية ومياه الصرف الصحي في المجاري المائية والأنهار والبحيرات أو في البحر مباشرة.
في المغرب، ازدهرت مؤخرا الطحالب على ضفاف نهر أم الربيع على مستوى المصب بمدينة أزمور حيث تزايد عدد الأسماك الميتة، وأصبح للماء طعم سيء ولون غير طبيعي ورائحة معينة، مما سيكون له تأثيرا سلبيا على البيئة البحرية بالدرجة الأولى و على التنوع البيولوجي بدرجة أخرى، الشيء الذي يفرض على الفاعل الترابي الزيادة في الاستثمار في معالجة مياه الصرف الصحي وتصفية المياه العادمة قبل طرحها في الوسط الطبيعي مباشرة، وهذه العملية سوف توفر على الدولة ضياع أو فقدان أعداد كبيرة من التنوع البيولوجي خصوصا المصنف منه في اللائحة الحمراء.
حماية البحيرات والأنهار بكندا
يمتلك إقليم كيبيك حوالي 3٪ من احتياطات المياه العذبة المتجددة في العالم، ثروة مائية هائلة غير محمية بالشكل الجيد من قبل الدولة الكندية، هذا ما جاء به تقرير مفوضية التنمية المستدامة في عدده الأخير: “قد تبدو هذه الموارد لا تنضب مما يجعل من الصعب زيادة الوعي بضرورة العناية بها”.
ويتأسف مفوض التنمية المستدامة بول لانوي بشكل خاص على ضعف تعاون إقليم كيبيك مع وكالات الأحواض المائية المسؤولة عن حماية البحيرات والأنهار، وأبرز أن المسؤولين الكيبيكيين يتغاضون عن المشاركة في الموائد المستديرة التي تنظمها الوزارة المعنية بالقطاع، حيث لم تشارك أطر وزارة البيئة ومكافحة تغير المناخ التابعة لإقليم كيبيك سوى في 14٪ من هذه الاجتماعات في عام 2019، في حين كانت حاضرة في 40٪ منها قبل أربع سنوات مضت، تراجع سجله بقوة التقرير المذكور.
ويشير التقرير أنه “تم تسجيل الحضور الباهت لـوزارة البيئة ومكافحة تغير المناخ في الاجتماعات والموائد المستديرة المنظمة من قبل وكالات الأحواض المائية في إقليم كيبيك منذ شهر يناير 2016 خلال اجتماع للجنة المشتركة، وبعد مرور أربع سنوات ساء الوضع بكثير”. وأضاف بأن هذا الغياب “لا يظهر رغبة حقيقية في تطبيق إدارة متكاملة لموارد المياه”.
وتأخرت الحكومة الكيبيكية في إصدار تقريرها عن وضعية الموارد المائية المتوقعة في عام 2019، حيث لا تتوفر لحد الان على العديد من المؤشرات المهمة التي تخص الحالة الراهنة للبحيرات والأنهار: “يمكن أن يشوه الصورة العامة لوضعية المياه، على سبيل المثال يمكن أن تكون صحة البحيرات أسوأ مما كان متوقعا”، يضيف التقرير.
“وخلصت وزارة البيئة ومكافحة تغير المناخ بعد أخذ عينات من 665 بحيرة بإقليم كيبيك أن 76٪ منها أظهرت القليل من الأدلة على انتشار الطحالب المسببة لظاهرة التخثث، ومع ذلك فقد استندت هذه النتيجة إلى بيانات محدودة، وأشارت الوزارة إلى أنها استندت فقط إلى أعمق جزء من البحيرات في حين أن البيانات المتعلقة بحالة البحيرات يمكن أن تعطي نتيجة مختلفة عن حالة البحيرات”.
ويلاحظ المفوض أيضا في تقريره كيف أن الوزارات بطيئة في اعتماد مبادئ توجيهية بشأن الضرائب البيئية المتعلقة بتلويث الموارد المائية.
وتضم كندا لوحدها حوالي ثلثي بحيرات العالم بما فيها 31752 بحيرة مساحتها أكبر من 3 كيلومترات مربعة و561 بحيرة تبلغ مساحتها أكبر من 100 كيلومتر مربع، وتغطي المياه العذبة حوالي عشر مساحة الأراضي الكندية.
المخزون المائي العالمي
وحدد الباحثون في جامعة ميغيل الكندية الدول ذات البحيرات التي تفوق مساحتها 10 هكتارات في: كندا، روسيا، الولايات المتحدة، الصين، السويد، البرازيل، النرويج، الأرجنتين، كازاخستان وأستراليا. بينما تبقى أكبر بحيرات العالم هي بحر قزوين وبحيرة بايكال وبحيرة تانجانيكا في إفريقيا وبحيرة الدب الكبير الكندية.
وأراد الجغرافيون من جامعة ماكجيل معرفة كل شيء عن بحيرات العالم، مسلحين ببيانات الأقمار الصناعية والخرائط ونماذج الكمبيوتر لتحديد المخزون المائي لهذه البحيرات من المياه العذبة.
وتختفي البحيرات وتتشكل باستمرار، ولكن بحسب البروفيسور لينر: “ليس من الواضح ما إذا كان هناك اتجاه بطريقة أو بأخرى”، و”لمعرفة ذلك نحن بحاجة إلى نقطة للمقارنة، وهذا ما أنشأناه للتو”.
وحسب باحثي جامعة ميغيل الكندية، فإنه من الصعب تصور ما سيكون مصير كوكب الأرض إذا انسكبت كل هذه المياه على سطح الكوكب بأكمله، حيث ستشكل طبقة مائية بعمق حوالي 1.3 متر مع العلم أن 900 181 كيلومتر مكعب هو إجمالي حجم المياه في البحيرات ذات المساحة 10 هكتار أو أكثر على هذا الكوكب.
إن معرفة حجم المياه في البحيرات يمثل تحديا لسبب بسيط: إذا كان من السهل حساب مساحة البحيرة من صور الأقمار الاصطناعية، فإن معرفة عمق كل منها أمر صعب جدا، ولتحقيق ذلك طور فريق العلماء لجامعة ميغيل الكندية نموذجا حاسوبيا قادرا على تقدير عمق البحيرة بالإضافة الى منحدرات التضاريس المحيطة بها.
يقول البروفيسور لينر لتبرير كل هذا: “أنظر في كمية المياه الموجودة على الكوكب وكيف سيؤثر تغير المناخ على هذه الاحتياطات والبحيرات جزء مهم جدا من المعادلة”.
لا تبقى المياه في البحيرة إلى أجل غير مسمى، فهي تصب فيه وتتركها في النهاية وعادة ما تتدفق إلى الأنهار و من تم إلى البحار والمحيطات، وحدد الباحثون أن متوسط”البقاء” للمياه في البحيرات حوالي خمس سنوات (1834 يوما)، لكنهم لاحظوا اختلافات كبيرة في ذلك: فمياه بحيرة بايكال ما زالت هناك لمدة 375 عاما تقريبا بينما تبقى مياه البحيرات الأخرى هناك لبضع ساعات فقط.
يقول البروفيسور لينر: “تجري العديد من العمليات الكيميائية والبيولوجية في البحيرات، وهي تعتمد على الوقت الذي تبقى فيه المياه هناك”، بعض هذه العمليات مهمة للغاية لكوكب الأرض بأكمله، وهذا هو الحال مع كمية الغازات الدفيئة المنبعثة من بحيرة ما عندما تنضب من المياه أو على العكس فهي تمتصها”.
جامعة كونكورديا الكندية في دراسة حديثة لها أكدت أن تغير المناخ سيزيد من استهلاك المياه في المناطق الحضرية بكندا ولو أنها دولة غنية بالمياه فإن الطلب سيضغط على المخططين الحضريين وعلى الموارد الطبيعية.
تكافح الحكومات في عصر العولمة بصفة مستمرة لتقديم الخدمات المائية لجميع سكانها، ويعيق تغير المناخ هذه الخدمات وخاصة أن العديد من المدن والمناطق تعاني بالفعل من نقص حاد في المياه.
وقام ثلاثة باحثين في جامعة كونكورديا الكندية بفحص استهلاك المياه في المجتمع الحضري في مدينة بروسارد-وهي ضاحية نائية في جزيرة مونتريال، كيبيك -وتقلباتها الموسمية.
ويقول الباحثون إن نتائجهم يمكن أن توفر للمخططين وسلطات المياه فكرة عن أنماط استهلاك المياه في وقت يستمر فيه تغير المناخ في دفع درجات الحرارة العالمية.
وربط الباحثون البيانات حول الاستهلاك اليومي للمياه في بلدية لونغوي -التي تدير بروسارد -مع قراءات درجة حرارة الهواء اليومية في مطار بيير إليوت ترودو الدولي، وباستخدام التقنيات الإحصائية أثبت الباحثون أن استهلاك المياه في الهواء الطلق كان أعلى عندما كانت درجات الحرارة مرتفعة، ومع ذلك لم يجد الباحثون أي صلة بين درجة الحرارة واستهلاك المياه داخل المنزل على الرغم من أنهم لاحظوا زيادة طفيفة في عطلات نهاية الأسبوع مقارنة بأيام الأسبوع.
“حسب ملاحظاتنا، عندما ترتفع درجة حرارة الهواء فوق عتبة معينة يزداد استهلاك المياه”، كما صمويل لي رئيس قسم البناء والهندسة المدنية والبيئية بمدرسة جينا كودي للهندسة والمعلوميات، وصاحب التقرير المتعلق بالدراسة الذي أعده بتعاون مع نيوشا رايسي فغيهي طالبة الماستر ووفاريبورز هاغيغات البروفيسور في علوم الطاقة والبيئة بجامعة كونكورديا.
ولاحظ الباحثون أن متوسط استهلاك المياه للفرد في مدينة بروسارد بلغ حوالي 300 لتر في اليوم: “لكن في أشهر الصيف عندما يسقي الناس حدائقهم ومروجهم وزهورهم يمكن أن يزيد الاستهلاك بنسبة 65 بالمائة”.
وبمجرد تحديد العلاقة بين درجة الحرارة واستهلاك المياه قام الباحثون بتقييم ما قد يبدو عليه استهلاك المياه في عام 2050، حيث يقول صموئيل لي: “عمر البنية التحتية للمياه يبلغ حوالي 30 عاما وبعد ذلك يجب تحديثها، لذا ما الذي يمكن أن نتوقعه في هذا الصدد خلال الثلاثين عاما المقبلة”، وكل هذا يتوقف على النماذج المناخية المعتمدة لتحديد التوقعات.
ونظر الباحثون في 21 نموذجا مناخيا مختلفا بالإضافة إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون: الأول دون تغيير كبير في الانبعاثات، والثاني طرح تدابير متواضعة إلى حد ما للحد من الانبعاثات، والثالث يدعو إلى وسائل أكثر قسوة، و”في جميع الحالات لاحظنا وجود اتجاه تصاعدي في درجات الحرارة واستهلاك المياه لكن حجم هذه الزيادة لوحده يمكن أن يختلف”، يقول التقرير.
وتعتبر هذه الحسابات جد مهمة بشكل خاص للمدن التي ليس لديها وصول فوري إلى الإمدادات الكبيرة من المياه العذبة، حيث تشير نيشا راسي فغيهي: “نشهد حاليا نقصا في المياه في أماكن متعددة عبر العالم مثل سنغافورة ولوس أنجلوس وجنوب إفريقيا والشرق الأوسط”.
ويؤكد الباحثان “دلي” و “هاغيغات” أن هذه الدراسة التي تم تمويلها من قبل مجلس العلوم الطبيعية والبحوث الهندسية الكندي هي واحدة من أوائل الدراسات في العالم التي اعتبرت تغير المناخ عاملا مهما في تقدير استهلاك المياه في المستقبل في المراكز الحضرية بينما ركزت الدراسات السابقة على النمو السكاني.
ويؤكد “صامويل لي” إلى أنه “من خلال إجراء هذا النوع من الأبحاث في جامعة كونكورديا، نأمل في تثقيف صانعي القرار والسياسيين وحتى الأطفال في سن التمدرس حتى لا يظلوا غير مبالين بالوضع الذي ينتظرهم خلال 30 عاما”.
و مما لا شك فيه سيرتفع استهلاك المياه في المناطق الحضرية مع تغير المناخ وسيهدد لا محالة الحياة الحضرية، حتى في كندا بلد البحيرات، وفقًا لباحثين من جامعة كونكورديا في مونتريال، ويضيف الباحثون أنه: “بغض النظر عن سيناريو المناخ الذي تم بحثه في دراستهم – زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو الحفاظ عليها أو خفضها – فإن استهلاك المياه سيزيد حتما”.
كندا بلد غني بالمياه، ولكن ما مدى استعدادها للتخطيط الحضري، فالكنديون مدعوون ومطالبون بالزيادة في خلق المساحات الخضراء لمكافحة التغير المناخي، ويبقى السؤال المطروح إلى أي حد ستسمح شبكة الأنابيب الحالية بضخ المياه التي يحتاجها الكنديون بالمدن والمراكز الحضرية خلال الثلاثين عاما المقبلة.
نذرة الماء بأوروبا
أما في فرنسا وبولونيا وجمهورية التشيك فتشهد هذه الدول بداية موجة جفاف حادة حيث تتعرض التربة لضغوط شديدة خاصة وأن نوبات الجفاف قد زادت في السنوات الأخيرة.
تم الترحيب في شرق فرنسا بأمطار أواخر شهر أبريل الماضي، يقول دينيس بيرياو، مزارع في شمال غرب إقليم كوت دور: “لم نشهد تساقط للأمطار منذ بداية الحجر الصحي، نحن نشهد جفافا ربيعيا استثنائيا، لقد أصبح الوضع أكثر من حرج”.
تؤكد ميشيل بلانشارد عالمة المناخ في وكالة الأرصاد الجوية الفرنسية أن “عجز تساقط الأمطار مثير للإعجاب حيث بلغ العجز في بعض الاقاليم الفرنسية إلى أكثر من 90٪” وهذا يعني أنها أمطرت أقل من 10٪ مما يجب أن تسقط بشكل طبيعي، وفي أقاليم اخرى انحبس المطر لأكثر من 40 يوما متتابعة.
وتضيف بلانشارد: “إلى جانب نقص المياه كان شهر أبريل حارا بشكل خاص”، حيث لوحظت زيادة 3 درجات مائوية خل 27 يوما الأولى من شهر أبريل عن المعدل الموسمي، وهي درجة حرارية مرتفعة نسبيا، وفي المناطق الشرقية ، كانت درجات الحرارة أعلى بنحو 4 درجات مئوية، وتخلص عالمة المناخ إلى أنه “إذا كان المحرار قد وصل لأعلى مستوياته فإن الممطار قد وصل إلى أدنى درجة حيث لم تكن النتيجة طويلة”، و هاتان الظاهرتان مجتمعتان تسببان تجفيف التربة وبالتالي الجفاف الزراعي، ولاحظ خبير الأرصاد الجوية فرانسوا جوبارد أن الأراضي أصبحت جافة في بعض المناطق حيث وصل مؤشر رطوبة التربة يوم 22 أبريل الى 0.58 و هو معدل أقل بقليل من القيمة المتوسطة، وأضاف “نحن نعلم أن الأراضي التي يميزها جفاف الربيع ستظل هشة هذا العام”.
في أماكن أخرى من فرنسا والجزر التابعة لها يؤثر الجفاف بشكل خاص على جزر الأنتيل (غوادلوب ومارتينيك) حيث يؤثر نقص المياه على توزيع مياه الشرب ويؤدي إلى فرض قيود شديدة على توزيع واستهلاك المياه.
الوضع وراء الحدود الشرقية لفرنسا ليس بالأفضل، ففي ألمانيا تم تسجيل انخفاض بنسبة 5٪ من الأمطار المتوقعة بشكل طبيعي في شهر أبريل الماضي، ووفقا لوكالة الأرصاد الجوية الفيدرالية الألمانية فإن شهر أبريل هو الأكثر جفافا منذ بدء التسجيلات الأولى في عام 1881، حيث تتأثر التربة التي لا تزال تعاني من عواقب الجفاف الشديد الذي شهدته ألمانيا عام 2018، كما أدى نقص أمطار فصل الربيع إلى خفض مستويات المياه في نهر الراين، القناة الرئيسية للمراكب التي تنقل كل شيء من الفولاذ إلى البترول والفحم إلى المصانع.
وتستعد بولونيا الجارة الألمانية، “لواحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ أكثر من مائة عام”، فقد أدى نقص المياه إلى حرائق كبيرة في منتزه بيبربزا الوطني منها 6000 هكتار من الغابات؛ وعادة ما تظهر الضفاف الرملية البيضاء المخفية مترين تحت الماء في وسط نهر فيستولا أكبر نهر بولوني الذي انخفض عمقه رسميًا إلى 60 سنتميتر.
وتأثرت روسيا أيضا بالحرائق: ففي سيبيريا في منطقة كيميروفو، وصلت حرائق المراعي إلى المنازل، بالإضافة إلى مشاكل الملاحة النهرية، يثير هذا الجفاف في وسط أوروبا مخاوف من انخفاض محاصيل الحبوب إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.
المخزون المائي بالمغرب
في زمن كورونا تشهد العديد من البلدان حاليا واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ عقود، وهو ما يفاقم الوضع، على العكس من ذلك بالمغرب ارتفعت نسبة ملأ السدود إلى 50.2% يوم 22 ماي الماضي و لأول مرة هذه السنة حيث مكنت التساقطات المطرية التي شهدتها المملكة خلال أشهر مارس وأبريل وماي 2020، من تحسين الحالة الهيدرولوجية على مستوى معظم التراب الوطني ونتجت عن هذه التساقطات المطرية واردات مائية مهمة بحقينات السدود، تقدر إجمالا بحوالي 7.830 مليار متر مكعب كمخزون إجمالي سيساهم في تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب خاصة في زمن كورونا حيث الطلب المتزايد على الماء بسبب التدابير الصحية.
فيروس كورونا ومياه الصرف الصحي
في باريس تم العثور على آثار صغيرة لفيروس كورونا في المياه غير الصالحة للشرب، ووفقا للباحثين فإن كمية الجينوم الفيروسي في مياه الصرف الصحي هي مؤشر جيد لوجود الفيروس في الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض الفيروس.
وسلط المختبر البلدي لباريس بالتعاون مع مختبر الفيروسات بجامعة السوربون الضوء على آثار الفيروس التاجي في شبكة المياه غير الصالحة للشرب، وتم الكشف عن هذه الآثار في أربع من نقاط سحب المياه السبعة والعشرين في نهر السين بباريس والتي تستخدم فقط لتنظيف الشوارع وسقي الحدائق، نشاط قررت مدينة باريس مع ذلك تعليقه احترازا من انتشار موجة ثانية للفيروس، ولتطهير المدينة سيتم تنظيف الشوارع بمياه الشرب الممزوجة بالكلور، إلا أن هذه العملية قد تثير انتباه النشطاء البيئيين لأن المياه الجارية تنتهي في محطات التصفية ثم في الأنهار والمحيطات.
حماية شلالات إغوازو
وفي زمن كورونا تعرضت شلالات إغوازو ، إحدى عجائب الدنيا السبع الطبيعية في العالم، لموجة شديدة من الجفاف الاستثنائي، وأصبحت المناظر الطبيعية الخلابة للشلالات تفتقد للمياه، حيث كان على المنطقة في الأشهر الأخيرة مواجهة جفاف شديد للغاية حول المشهد بالكامل.
وكما يوضح ذلك كلاوديو مينينديز، الأستاذ في جامعة بوينس آيرس والباحث في مركز أبحاث البحار والغلاف الجوي، “تتميز منطقة غابة بارانا المطيرة باختلافات طبيعية قوية في المناخ على نطاقات زمنية مختلفة ولكنها حساسة أيضا لتغير المناخ”. ويضيف: “لدينا حاليا جفاف قوي في إغوازو ولكن منذ بضع سنوات كانت لدينا فيضانات لكن الفترة الحالية هي إحدى أصعب فترات الجفاف مقارنة بالسجلات التاريخية”.
في زمن كورونا حيث عدسات كاميرات الإعلام العالمي كلها موجهة نحو إحصاء عدد الضحايا و عدد المصابين بالفيروس التاجي، لم يبق أحد مكترثا لا بتغير المناخ و لا بانكماش ثقب الأوزون ولا بظاهرة الجفاف التي تضرب بأطنابها جل الأرجاء. إلا أن لويس لوسيفورا له رأي آخر في الموضوع، حيث يؤكد الباحث المستقل في المجلس الوطني للبحث العلمي والتقني – وهي وكالة حكومية أرجنتينية تدير وتنسق معظم البحوث العلمية والتقنية التي تجري في الجامعات والمعاهد، تم إنشاؤها في 5 فبراير 1958- أنه “في الستينيات والسبعينيات كان هناك بالفعل العديد من حالات الجفاف من نفس الحجم الذي نواجهه بالإضافة إلى ذلك في عام 1944 أدى الجفاف إلى انخفاض منسوب مياه النهر إلى أقل مما هو عليه اليوم”، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذا الجفاف الذي تعرفه شلالات إغوازو بالحدث “التاريخي” .
و وفقا لما قاله لويس تونيتي مدير المرصد الإقليمي لتغير المناخ في جامعة فيلا ماريا الوطنية بالارجنتين: “كان العامل الرئيسي هو الحرائق في منطقة الأمازون العام الماضي، مما أثار تساؤلات من جانب العديد من القطاعات فيما يتعلق بدور الدولة البرازيلية في هذه الأزمة، ولحرائق الغابات هذه تأثير على الدورة الهيدروجيولوجية للمياه “.
والواقع أن ارتفاع مستويات إزالة الغابات في هذه المناطق هو المسؤول بشكل خاص عن الجفاف، و تشرح نانسي أريزبي الأستاذة في المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا المكلفة بـاللجنة الوطنية للاستخدام: “إن توسع الثقافات الأحادية ولا سيما فول الصويا والماشية هم الجناة الرئيسيون”، ومعرفة التنوع البيولوجي، و تضيف نانسي أن: “أحد العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على منطقة ميسيونيس في الأرجنتين هي مزارع الغابات، وتتطلب هذه مدخلات مهمة من المواد الكيميائية، بالإضافة إلى التلوث الذي تحدثه هذه الزراعات حيث تفقد المنطقة الغطاء الحرجي الأصلي”، أضف إلى ذلك التمدن السريع الذي “يعني زيادة درجات الحرارة في المناطق الصغرى خاصة عن طريق الأسفلت”.
ليس بالأمر الغريب أن نعود دائما إلى نفس الملاحظة، فالأنشطة البشرية هي مصدر العديد من التغييرات ذات التأثيرات الطويلة الأمد المشددة، “إن الدورة الهيدرولوجية في أمريكا الجنوبية شديدة للغاية كما يمكن ملاحظتها في شلالات إغوازو بطريقة غزيرة حيث يعتمد تدفق نهر إغوازو على الأمطار والفيضانات في هذه المنطقة الكبيرة التي تشمل غابة بارانا المطيرة ويتم تغيير كل واحد من هذه المتغيرات بفعل الإنسان: “أولا يتم تعديل هطول الأمطار بسبب تغير المناخ، ثانيا، يتم تعديل التبخر ونضح المياه المتدفقة عن طريق إزالة الغابات لتغيير استخدام الأراضي” كما يقول كلاوديو مينينديز .
وعندما تكون هناك أحداث مناخية شديدة بشكل عام نفكر على الفور في عواقب تغير المناخ، ومع ذلك فإن الوضع المناخي لشلالات إغوازو خاص ومعقد، إن الحدود بين عواقب الظاهرة الطبيعية وآثار الاحترار العالمي ضيقة، دون نسيان التأثير الضار للنباتات الكهرومائية، وفقا لما ذكره لويس لوسيفورا: “من الصعب جدا إنشاء صلة مباشرة بين حدث معين وظاهرة تغير المناخ، فقد شهدت المنطقة بين القرنين العشرين والحادي والعشرين فترات جافة و متعددة السنوات، وبدون شك سيكون لتغير المناخ تأثير على ا لمنطقة على الرغم من أن النماذج المناخية تتوقع زيادة في هطول الأمطار في العقود الأخيرة “.
بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الجفاف الشديد هو نتيجة لعدة سنوات من الأمطار الغزيرة، يبدو هذا متناقضا تماما ولكن يجب ألا ننسى عواقب ظاهرة “النينيو”.
في الواقع، ووفقا لما ذكره لويس تونيتي “كان تيار النينو حتى وقت معين في مرحلة محايدة ولكنه ظل يقترب بقوة من مرحلة الخطورة. يمكننا الحديث عن ظاهرة الجفاف الطبيعي التي بالتأكيد عززها التغير مناخي “.
ولكون هذه الظاهرة حديثة وفريدة في هذا المجال يوضح لويس تونينيتي أن هذا النهج نظري فقط لأنه “لا توجد دراسة محددة حول هذا الموضوع، ومع ذلك يمكن إعادة إنتاج هذه الظواهر في الظواهر المتطرفة الأخرى مثل دورات الإعصار في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، إنها طبيعية تماما لكنها معززة بتغير المناخ “.
ونتيجة لذلك يلعب تغير المناخ دورا هاما في التغيرات الشديدة لهذه المنطقة وله عواقب مباشرة على شلالات إغوازو ولكن: “ينعكس تغير المناخ على التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار على سبيل المثال الجفاف، وفي هذه الحالة يشير تغير المناخ الذي يمكننا ملاحظته كذلك إلى جفاف النهر الذي يغذي منطقة سقوط الشلالات ولكن أيضا إلى المناطق المجاورة”. وقالت نانسي أريزبي: “إن النهر ضرب بشدة في المناطق المستخدمة للمحاصيل”.
ويضيف كلاوديو مينينديز “قامت مجموعتنا بفحص بعض هذه الأسئلة في بعض المقالات المنشورة مؤخرا وتحليل المحاكاة العددية التي تم إجراؤها باستخدام النماذج المناخية الإقليمية، وتشير التوقعات إلى أن المناخ في معظم أنحاء البرازيل سيكون أقل رطوبة مع تأثير سلبي على مخزون المياه والمحاصيل”، موضحا سبب قضية حالة الجريان السطحي للمياه على العكس من ذلك في شمال شرق الأرجنتين وفي أجزاء من باراغواي وجنوب البرازيل فإن الاتجاه عكس ذلك تماما، و يضيف: “بما أن شلالات إغوازو تقع بين هاتين المنطقتين الرئيسيتين فإن الإسقاط المناخي للسقوط غير مؤكد، وهناك عامل آخر يزيد من عدم اليقين هو الجهل بتطور الغطاء النباتي واستخدام الأراضي خلال للعقود القليلة المقبلة”.
شلالات إغوازو، كما يوحي اسمها، تحظى بإعجاب العديد من السياح لمياهها التي تتدفق في قلب المناظر الطبيعية الخضراء، لكن إذا زادت فترات الجفاف فسوف تفقد جاذبيتها الرئيسية مع مرور الوقت، على الرغم من أن “اكتشاف الشلالات في وضع استثنائي مثل هذا أمر مثير للاهتمام أيضا بالنسبة للسياح لاكتشاف النظام البيئي لإغوازو”، ويضيف لويس لوسيفورا: “هذه الثروة الفريدة لا ينبغي أن تؤثر على السياحة”.
شلالات فكتوريا الشهيرة
وفي الوقت الذي تعاني فيه شلالات إغوازو من ضربات الجفاف القوية، تتعرض منطقة شلالات فيكتوريا- واحدة من أعظم الشلالات في العالم ومن بين أكثر مناطق الجذب السياحي في أفريقيا- لأسوأ موجة جفاف منذ قرن، الأمر الذي يزيد من مخاوف التغير المناخي.
وتعليقا على هذا التغير في الشلالات، قال عالم الهيدرولوجيا في شركة الهندسة بويري وخبير في نهر زامبيزي هارالد كلينغ إن علوم المناخ تعاملت على مدار عقود، وليس لسنوات معينة، “لذلك يصعب أحيانا قول ذلك بسبب التغير المناخي لأن الجفاف دائما ما يحدث، إذا أصبحت هذه الحالة أكثر تواترا، فيمكن البدء في قول إن السبب يكون التغير المناخي”.
ويعتقد ريتشارد بيلفوس، رئيس مؤسسة طيور الكركي الدولية، الذي درس زامبيزي على مدار العقود الثلاثة الماضية، أن تغير المناخ يؤخر الرياح الموسمية، الأمر الذي يؤدي إلى تساقط الأمطار بغزارة في أوقات معينة، بحيث يصعب تخزينها، وينجم عن ذلك بالتالي موسم جفاف أطول بكثير من المواسم الأخرى.
هذه الظواهر المتطرفة تجعلنا نفكر في مستقبل الثروة المائية عبر العالم وفي مياه نهر أم الربيع كما في شلالات إغوازو، هذا التراث الطبيعي الغني بالتنوع البيولوجي المتنوع. ونطرح السؤال: كيف سيتعين على دولتي البرازيل والأرجنتين التعامل مع فترات الجفاف الشديدة والمتكررة بشكل متزايد؟ وكيف سيتفاعل الفاعل الترابي بالمغرب مع توالي ظواهر الجفاف والتلويث المستمر للمجاري المائية عبر ربوع الوطن؟
> محمد بن عبو (*)
(*) خبير وناشط بيئي.