بعد أن كان في حالة فوران دائم على مدار العام تم تعليق الفن والخلق والإبداع، بمختلف تعبيراته ومكوناته الجمالية، منذ مارس الماضي في جزر الكناري المعروفة بتقاليدها الفنية والثقافية التي رسخت مكانتها كمنطقة جذب سياحي بامتياز.
فقد أضحى القطاع الثقافي والفني الذي تعرض لضربة قوية جراء الأزمة الصحية الناتجة عن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد والتي تسببت في تعليق أو إلغاء كامل لمختلف الأنشطة والعروض والخدمات الثقافية والفنية لمدة سبعة أشهر يختنق ويعاني من اختلالات خطيرة في مختلف مكوناته ما يدعو السلطات العمومية إلى اتخاذ تدابير وإجراءات دعم خاصة لهذا القطاع الحيوي.
وتقدر الخسائر التي تكبدها القطاع الثقافي والفني بجزر الكناري والذي يمثل نسبة 2 ر 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للأرخبيل بنحو 5 ر 2 مليون يورو خلال السبعة أشهر الأخيرة وذلك جراء تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد على مختلف مكونات القطاع.
فمنذ بداية الأزمة الصحية تم إلغاء أو تعليق أو تأجيل أكثر من 208 فعالية ثقافية وتظاهرة أو نشاط فني كانت مبرمجة من قبل 79 مؤسسة ثقافية وفنية تشتغل في القطاع بمعدل حوالي أربعة أنشطة وتظاهرة لكل مؤسسة شهريا وبالمثل تم إلغاء أو تعليق أو تأجيل 101 تظاهرة وفعالية ثقافية خارجية.
وبلغت خسائر مجموعات الإنتاج والعروض الثقافية والفنية والموسيقية أكثر من 30 ألف يورو لكل مؤسسة متخصصة ما بين شهري مارس ويوليوز عدا المصاريف الشهرية وتكاليف التشغيل والعمل ولا تشمل هذه البيانات أية عقود قصيرة الأجل لتنظيم المعارض مما يزيد من عجز القطاع.
ولمواجهة هذا الوضع المقلق دق المحترفون في المجال ناقوس الخطر ورسموا صورة قاتمة لقطاع يحتضر وغارق في أزمة غير مسبوقة مستعرضين مختلف تجليات وتداعيات الأزمة الصحية على القطاع ” وكذا التدبير السياسي السيئ للشؤون الثقافية والفنية الذي نهجته الحكومة المحلية للأرخبيل”.
وحسب المعطيات التي قدمتها كل من ( ريبليكا ) و(بيي دي باس) وهما جمعيتان ثقافيتان من بين الأهم في المجال بجزر الكناري إذ تضمان معا 79 شركة ومؤسسة تنشط في القطاع بالأرخبيل فإن هذه الأزمة الصحية تهدد دخل أكثر من 27 ألف شخص يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على هذا القطاع الذي يشمل المسرح والرقص والموسيقى والفنون.
لقد استنفد هذا الوضع صبر المتخصصين في الثقافة والفنون ” بعد ستة أشهر من عدم اليقين وضبابية الرؤيا والبروتوكولات الصحية المتغيرة وكذا القيود غير المفهومة والدعم والمساعدات التي لا تصل أبدا وقبل كل شيء السلبية وانعدام الإحساس بخطورة الوضع لدى الحكومة المحلية لجزر الكناري ” كما تقول هاتان الجمعيتان منددة في نفس الوقت ب ” عدم وضوح رؤية المصالح والجهات المختصة من أجل تقديم الدعم والمساعدة لقطاع يحتضر”.
وبالمثل يدرك العاملون والمدبرون للشأن الثقافي والفني وكذا المشرفون على برمجة وتوزيع العروض المسرحية والتظاهرات الثقافية والفنية والموسيقية أن هذه الأشهر كانت صعبة للغاية بالنسبة لجميع مكونات القطاع حيث يؤكد ميكال رودريغيز مارتان أحد الخبراء المتخصصين في البرمجة الثقافية والفنية أن الخلق والإبداع والإنتاج في القطاع الثقافي والفني ” يجتاز فترة عصيبة مرة أخرى ولسوء الحظ هي أسوأ من تلك التي كانت في عام 2008 ” .
يقول رودريغيز مارتان في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام المحلية “منذ بضعة أشهر ونحن نسبح ضد التيار فالمساعدات التي تم الإعلان عنها وسط ضجة إعلامية كبيرة لم تصل كما أن الآجال التي كان يمكننا استخدامها للتعامل مع هذا الوضع الصعب وغير المسبوق تقترب من نهايتها بينما الإدارة ورغم أنها على ما يبدو ترغب في التحرك فإنها لا تفعل شيئا لما يحتاجه القطاع وكثيرون هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في حالة من عدم اليقين والضبابية بشأن إعادة اكتشاف أنفسهم أو الانخراط في الخلق والإبداع والإنتاج أو حتى مجرد البقاء على قيد الحياة “.
وأمام هذه الاتهامات قررت الإدارة المسؤولة عن القطاع الثقافي في الحكومة المحلية للأرخبيل وضع مجموعة من التدابير والإجراءات الفورية خصصت لها غلاف مالي يقدر ب 6 ر2 مليون يورو لدعم القطاع وتقوية ومساعدة مختلف مكوناته من أجل مواجهة تداعيات الأزمة الناتجة عن تفشي وباء ( كوفيد ـ 19).
وفي هذا الإطار سيتم إطلاق دعوة من أجل إنجاز مشاريع إبداعية وفنية في كافة مجالات الثقافة، ودعوة أخرى خاصة بالفنون التشكيلية والبصرية الموازية فضلا عن خط دعم موجه للمساعدة في مجال تكاليف التشغيل وأضرار إلغاء التظاهرات والأنشطة الثقافية والفنية.
وتؤكد الجهة المشرفة على القطاع الثقافي بجزر الكناري أن المسؤولين اضطروا إلى تعديل بعض الإجراءات التي كانت مبرمجة من أجل الحصول على هذه المساعدة من الميزانية الخاصة للقطاع ” لكن هذا لا يعني أننا سنتخلى عن الاستمرار في دعم وتشجيع الثقافة والفنون وتقوية حضورهما بمجرد التغلب على الأزمة الصحية فلن نسمح بارتكاب نفس الأخطاء التي حدثت في عام 2008 “.
■ عمر المرابط (و.م.ع)