لقد سبق وشارك العرب في الكاميرا الخفية التي أعدها وأخرجها مهندسو العالم الأقوياء الذين يسعون إلى إعادة تقسيم التراب العربي، والاستيلاء على ثروات البلدان العربية واقتسامها فيما بينهم. شاركنا بدمائنا ودموعنا وعرقنا وكل سوائلنا الجسدية في إمتاع عالمهم وروادهم، وتسهيل مهامهم في تنفيذ مخططاتهم. التي في سبيلها لا يهمهم قتل الأطفال والنساء والشيوخ. ولا يهمهم هدم المعامل والمعاهد والكليات والمستشفيات. حيث تم التغاضي عن كل القوانين الدولية. تلك الكاميرا التي انتبه إليها المغاربة ولم يقعوا ضحيتها. بفضل استقامة واستماتة وفطنة رواد حركة 20 فبراير ومدعميها، وبفضل حكمة وتجاوب وتبصر ملك البلاد. أنقذوا المغرب من السقوط في مصير مظلم. نفس الكاميرا تصوب الآن من بعض دول القارة العجوز نحو المغرب والمغاربة. بسيناريو جديد، وممثلين جدد. من هواة الركوب على هموم ومشاغل الشعوب. وتوظيفها من أجل ابتزاز أنظمتها واستنزاف ثروات بلدانها.
أينهم رواد الاحتجاجات بالمغرب ونحن على أبواب انتخابات جديدة كفيلة بإعادة تأثيث كل المجالس المنتخبة بالطاقات والكفاءات، وفرز حكومة جديدة وجادة. أين كان الرواد عندما كان المفسدون يستولون بدون وجه حق على مجالس الجماعات المحلية والإقليمية والجهوية. وعندما كان هؤلاء يشترون ذمم الناخبين. آخرها الانتخابات الجماعية للرابع من شتنبر 2015. وعندما كانوا يحصدون في المقاعد البرلمانية بمجلسي النواب والمستشارين، آخرها الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016 ؟؟.. لماذا لم ينظم حينها وقبلها حراك شعبي لمنع ترشح الفاسدين والتجارة في الذمم. وترشيح من لهم الكفاءة العلمية والأخلاقية والمستوى الثقافي والتعليمي اللازم لتدبير شؤون المواطنين والبلاد؟؟؟.. ولما لا يبادرون الآن لذلك؟.
إن كل حراك شعبي يزيغ عن أهدافه المتمثلة في المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية. هو حراك مفبرك يدار بأجهزة التحكم عن بعد من طرف خصوم ذلك الوطن.. فهو حراك يتلقى نصائح ورسائل من أعداء الدين والوطن. حيث يتم توظيف سماسرة الإعلام والسياسة والاقتصاد. قد يصل إلى حد اعتماد التحفيزات والإغراءات المالية، وقد يمتد إلى أساليب التحذيرات والتهديدات. وقد سقطت ضحيتها شعوب غاضبة ومحبطة من أنظمتها، وأخرى مهزوزة الفكر والعقل والكرامة. سواء تلك التي انتفضت ضد أنظمتها، وظنت أن انتفاضتها هي من قادت ثورات إسقاط الأنظمة بتونس ومصر وليبيا و.. وأن احتجاجاتها هي التي مكنتها من تغيير ظنت أنه سيوفر لها أنظمة بديلة تعيد نسج مجتمعاتها وهيكلة إداراتها، وتطهيرها من الفساد والاستبداد. أو تلك الشعوب التي سارت على نفس الطريق وتعثرت باليمن وسوريا و.. ، ظنت أنها ماضية من أجل فرض التغيير للأحسن… رسائل ونصائح غربية قاتلة، حملت شعار القتل والتنكيل بالجنس العربي والإسلامي.. لتتحول مصر (أم الدنيا) مثلا إلى امرأة متشردة داخل الأدغال، مملوءة بأنواع مختلفة من الوحوش. وتحول المواطن المصري والتونسي والليبي إلى فريسة في يد رواد الفساد والإرهاب… سقطت مصر… وقامت لكي تسقط من جديد… وستستمر في الوقوف والسقوط إلى أن يستفيق شعبها من غفوته، وأن يسحب أسلحته الفتاكة المادية والمعنوية من ساحة المعارك الدائرة بين المصريين بعضهم البعض، وأن يصوبوها نحو من يديرون شؤون مصر بجهاز التحكم عن بعد (التيليكوموند)… وسقطت ليبيا وفاقت من غيبوبتها لتصاب بمرض الإرهاب المزمن.. وسقطت تونس لتنهض باستعمال العكاكيز… وسقطت سوريا في موجة من الإرهاب أدت إلى تشريد الشعب السوري الشقيق. واضطرار الآلاف منهم إلى طلب اللجوء بدول الجوار عربية وغربية.. وامتهان بعضهم مهن التسول من أجل إطعام أطفالهم بعد ما كانوا يعيشون داخل بيوت محصنة وآمنة.. ولم يسقط نظامها لأن بشار الأسد استطاع حينها أن يوفق في طاعته للشرق والغرب. وأن يجد من يدعم نظامه ويبعد عنه شبح السقوط..
إنها الكاميرا الخفية يا سادة في أوجه تطورها، أعدت أقمارها الاصطناعية لتبث في كل القنوات التلفزيونية الفضائية والأرضية، وعلى جميع المواقع الالكترونية والصفحات الاجتماعية للعالم الافتراضي الذي لعب دور البطولة في كل مشاهدها… إنها الكاميرا الخفية الوحيدة التي لم يستأذن فيها الضحايا عند نشر مشاهدهم المؤلمة والمروعة، ولم يراع فيها نوعية المشاهدين وفئاتهم… حيث بثت مشاهد القتل والتنكيل والاستخفاف بمطالب الشعوب، ولم تفرض عليها أية رقابة إعلامية. إنهم الأقوياء الذين يكشرون على أنيابهم حين يرون بعدساتهم وعيونهم الاستخباراتية أنهم باتوا مهددين من قوافل عربية سائرة في النمو. أو أن شعوبهم باتت في حاجة إلى دعم وموارد يفتقدونها داخل بلدانهم. ينادون بالديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل تلميع صور أنظمتهم، ويتحولون إلى وحوش كلما تعلق الأمر بالبحث عن ثروات وفرض مخططات تخمد ثورات شعوبهم، وتضمن حماية حدودهم. يطئون بأرجلهم وأحذيتهم على كل المواثيق الدولية والشعارات التي ما فتئوا يهللون بها عندما يتعلق الأمر بملفات وقضايا عربية. من أجل تحقيق أهدافهم في كسب المزيد من المال والجاه والإلهاء لشعوبهم التي نجحوا في إبعاد معظمها عن عالم السياسة. وبعد كل هذا أفلا تتعظون؟؟ …
بقلم: بوشعيب حمراوي