قلتم التعديل؟؟

سجل معظم المتابعين أن «الخيبة» عمت كل الأوساط في بلادنا عند الإعلان عن التعديل الوزاري الأخير، وتأكد أن الحكومة عمدت إلى تبديل الوزراء وإرضاء خواطر الأشخاص ومكونات الأغلبية دون أن تفكر لا في تغيير التوجهات وتجاوز جوانب القصور والفشل أو في استثمار التعديل لضخ نفس جديد في العمل الحكومي وكسب ثقة المغربيات والمغاربة وطمأنتهم على المستقبل.
ليس في الأمر هنا أي مبالغة أو أي استصغار للأشخاص لذواتهم، وليس فيه أيضا أي مبالغة في التعويل على الشخص، ولكن في الأمر تفكير في العمق، أي في معنى وأدوار الوزير والبروفايلات والاستحقاق…
ما معنى إذن أن ترفع الحكومة شعار(الدولة الاجتماعية)، ولو أنها ترفعه بلا أي قناعة أو ترسيخ في التوجه، وتضع على رأس وزارتي التعليم والصحة بروفايلات جيئ بها من عالم المقاولة والاقتصاد هل في الأمر إشارة ما للخطط الفعلية والمستقبلية بالنسبة لهذين القطاعين الاجتماعيين بامتياز؟
ما هي الأدوار المراد القيام بها من لدن كتاب الدولة المعينين؟ ولماذا أحس المغاربة بأن معظم هؤلاء وضعوا في مناصبهم الجديدة فقط لاكتساب الصفة وامتيازاتها؟
ولماذا لم تجتهد الحكومة في تطوير هندسة التشكيلة الحكومية نفسها، والسعي، عبر ذلك، من أجل نجاعة أكبر في الأداء؟ وأيضا السماح لبعض كتاب الدولة بإظهار مهاراتهم المعرفية والتدبيرية؟
إن التعديل الحكومي، في المعنى وفي المنطق، يكون بناء على تقييم المنجز السابق ومعرفة النقائص، ومن ثم السعي لتجاوز ذلك عبر تعديل الهندسة أو تغيير الأشخاص، وأساسا من أجل تسريع مسلسل إنجاز الإصلاحات والبرامج والسياسات.
وانطلاقا من هذا، ما معنى مثلا أن ترد الحكومة على الاحتقان المتنامي في قطاعي التعليم والصحة بتعيين شخصين بلا معرفة عميقة لمشكلات المجالين معا، ويفتقران للتجربة السياسية اللازمة من أجل حل الأزمات المتفشية وإيجاد المخارج وإنجاح التفاوضات؟ ولا أحد في القطاعين معا يعرفهما أصلا؟
يدرك الجميع اليوم أن البلاد تعيش احتقانا اجتماعيا وقلقا شعبيا متفاقما لأسباب عديدة، ويتحدث الكل عن الغلاء وتدهور القدرة الشرائية وارتفاع مستويات البطالة وتداعيات الجفاف وندرة الماء وتنامي معدل التضخم، علاوة على المضاربات والفساد، ثم الاحتجاجات المتواصلة في أكثر من قطاع(طلبة كليات الطب، مهنيو التعليم، العدل…)، وفئات أخرى، وحراكات احتجاجية في عدد من جهات المملكة، وكل هذا كان يجب، من باب المسؤولية السياسية، استحضاره وبلورة اشتراطاته ضمن التخريجة المعلن عنها للتعديل الوزاري، ولكن حكومتنا اختارت الجواب عن أوضاع شعبنا بالمزيد من العناد و«تخراج لعينين»، وأن تقدم له تعديلا خلف الكثير من الخيبة، وعجت مواقع التواصل الإجتماعي بشأنه بالسخرية والانتقاد، وانتشر إحساس شعبي عام بأن هذا التعديل بلا هدف، وتنعدم فيه أي رؤية، وبالتالي لم تنجح الحكومة ورئيسها في كسب ثقة المغاربة بعد إحداث هذا التعديل.
وبالرغم مما سبق، فإن كل غيور على البلاد ومستقبلها يأمل أن تنجح الحكومة فعلا في عملها، وأن ينجح الوزراء الجدد أيضا في مهامهم، والبعض القليل منهم يستحقون فعلا تحمل المسؤولية ونتمنى لهم التوفيق، ولكن الحكومة ككل مطالبة أن تتمثل «الدولة الاجتماعية» فعليا في برامجها وقراراتها وسلوكها وليس فقط في الشعارات المفترى عليها، وبالتالي أن تنكب على التصدي فعلا للغلاء والتضخم وارتفاع أسعار المحروقات والفساد والمضاربات، وأن تحرص على الارتقاء بالتعليم العمومي والصحة العمومية، وبقطاعات التشغيل والإسكان، وأن توقف تدهور القدرة الشرائية للأسر المـغربية، وتساعد الفلاحين الصغار والمتوسطين، وتعمل على إنجاح برامج الدعم الاجتماعي وجعل آثارها الإيجابية ملموسة على حياة المواطنين.
الحكومة مطالبة بتسريع إيجاد الحلول الناجعة للإحتقان المتفشي وسط طلبة كليات الطب والصيدلة، وفي قطاعات التعليم والصحة والعدل وغيرها، وذلك بغاية تمتين الاستقرار المجتمعي العام.
وللنجاح في مثل هذه التحديات، البلاد في حاجة إلى نفس سياسي وديموقراطي انفراجي عام ينتصر للانفتاح والتعددية والحوار، وهو ما لا تبالي به مطلقا الحكومة الحالية، ولا تضعه في جدول أعمالها أصلا.
نقطة ضعف هذه الحكومة، علاوة على انعدام الكفاءة، أنها بلا رؤية إصلاحية، وليست لها أي قناعة بأهمية وضرورة تقوية النفس السياسي الديموقراطي والحقوقي العام في البلاد، وهي لا تقبل الإنصات لأحد ولا تسمع إلا لنفسها، وتواصل… العناد.
وحتى في عالم الإقتصاد والمال والأعمال، فالمقاولات تعاني من كثير مشكلات وعراقيل وغموض الأفق وتفشي القلق.
الكثيرون يتحدثون في المجال الاقتصادي عن تضارب المصالح والفساد وضعف مقتضيات دولة القانون وسيادة الزبونية، ويستشهدون بملفات الفساد المعروضة أمام القضاء، وأيضا بالأشخاص الذين وضعوا رهن الإعتقال، والذين تجري محاكمتهم، والعديدون منهم»تفرخوا»من محيط بعض أحزاب الأغلبية الحالية أو من أفضال القرب من الحكومة ومسؤوليها.
التعديل الحكومي حدث ضمن منطق الاستمرارية إذن، بل وفي بعض تجلياته كان أكثر إحباطا من الاختيارات السابقة، ومن ثم فهو مثل فشلا آخر للأغلبية الحالية، وكان يمكن أن يكون فرصة، لكن الحكومة أضاعتها على نفسها.
وعندما نربط التعديل بمضمون مشروع قانون المالية المعروض أمام البرلمان، وأيضا بالخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة في الأيام الأخيرة، فالواقع أن الخيط الرابط بين كل هذا هو الاستمرار في ذات التوجهات الحكومية، وغياب أي قرارات شجاعة بشأن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لشعبنا، وضعف التواصل، وأيضا استمرار الحكومة وأغلبيتها في إنكار الواقع، وعدم الاعتراف بالأزمات وبالاحتقان الاجتماعي.
إنها تواصل «تخراج لعينين» فينا كلنا…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top