كرس خطاب جلالة الملك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء أسلوبا أكثر حزما ووضوحا في المقاربة المغربية لملف وحدته الترابية، ووضع النقاط على الحروف بشأن كل الحيثيات ذات الصلة، وجسد خطوة جديدة إلى الأمام في التعبير عن الإصرار المغربي من أجل الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل.
لقد استحضر الخطاب الملكي في المنطلقات وفي الخلفية العامة القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي ومؤشرات التصويت عليه وتحولات مواقف الدول والدينامية المستجدة لصالح الموقف المغربي عبر العالم، ثم توجه مباشرة إلى الأمم المتحدة مطالبا إياها بالوضوح.
وشدد جلالة الملك على أنه «لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته».
يفيد ما سبق، أن المغرب لم يعد يقبل استمرار الأمم المتحدة في لوك ذات الكلام كل عام، وترك الملف يدور في حلقة مفرغة من الكلام الديبلوماسي، وذلك من دون استحضار التطورات العملية والواقعية والميدانية أو تنامي الإقرار الدولي بعدالة ومشروعية الموقف الوطني المغربي، وأن المرحلة القادمة تحتم أن تباشر الأمم المتحدة نفسها خطوة أخرى إلى الأمام، وأن تتحلى بالشجاعة والوضوح.
من جهة ثانية، عرض خطاب جلالة الملك تحديا جديدا أمام جنرالات النظام العسكري الجزائري الواقفين وراء كامل هذه المناورة ضد الوحدة الترابية المـغربية، ولفت، جلالته، إلى أن هناك من يستغل قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، (والمعني بذلك واضح هنا للجميع)، وأعلن بأننا «نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة»، وبذلك تكون المملكة مبادرة لمنح البلد المعني فرصة للخروج المشرف من الورطة وإنقاذ نفسه، والمساهمة في بناء مستقبل المنطقة برمتها، والكف عن استغلال قضية الصحراء، للتغطية على المشاكل الداخلية الكثيرة.
اليوم أمام النظام العسكري الجزائري فرصة يعرضها المغرب، ومن جديد تمد المملكة يدها للبلد الجار، لكن الراجح أن العسكر هناك لن يلتقطوا الإشارة مع الأسف.
وفي كل الأحوال، لقد أوضح جلالة الملك للجيران ولكل العالم في الخطاب نفسه أن»الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية، وسيادته الوطنية»، معلنا بذلك الرفض الواضح والصارم لأي لعبة غموض أو التباس من لدن أي كان تجاه سيادة المغرب على صحرائه.
خطاب جلالة الملك المؤسس لمرحلة جديدة شدد على أهمية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية، على غرار باقي أقاليم وجهات المملكة، كما حيا وطنية وصمود سكان الأقاليم الصحراوية، وحث على ضرورة الاستمرار في التعبئة الوطنية دفاعا عن الوحدة الترابية وعن الحق الوطني المغربي، منوها بأدوار مغاربة العالم على هذا المستوى، وكل هذا أطره جلالة الملك ضمن مقومات الوضع الشرعي الطبيعي، وذلك في مقابل وضع آخر معاكس، أي عالم آخر منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن.
الخطاب الملكي يؤشر إذن على عزم المغرب الانتقال إلى سرعة أخرى بشأن مقاربته الديبلوماسية والسياسية والميدانية لملف وحدته الترابية، وأن المملكة لم تعد تقبل استمرار تعطيل ديناميتها التنموية بسبب أطراف متكلسة لا علاقة لها بالواقع، ولا تسعى لأي حل يخدم مصلحة المنطقة وشعوبها.
<محتات الرقاص