المهرجان الوطني للمسرح بتطوان

 شهدت قاعة مسرح اسبانيول بتطوان مساء الأربعاء الماضي حفلا فنيا استثنائيا لإعطاء الانطلاقة لفعاليات الدورة 18 للمهرجان الوطني للمسرح بحضور نخبة وازنة من نساء ورجال فن الخشبة وجمهور غفير من ساكنة الحمامة البيضاء والفرق المشاركة وممثلي السلطات العمومية والهيئات المنتخبة وبعض من مكونات المجتمع المدني والنسيج الجمعوي بالجهة… كانت اللحظة باذخة وبهية تأثثت فضاءاتها في أجواء إنسانية وعاطفية محاطة بكثير من الأريحية والجماليات وأيقونات ترسيخ القيم النبيلة التي ينتصر لها الفن الرابع.. كانت فقرات احتفائية نسج خيوطها بهدوء وتلقائية الفنان فريد الركراكي والإعلامية إيمان قادة، وكان الاستهلال لحظة اقشعرت لها الأبدان حين وقف جميع الحاضرين لتحية العلم على نغمات النشيد الوطني، ثم جاءت كلمة سياسية عميقة ومتفائلة للوزير المواطن محمد أمين الصبيحي، عقبتها تحية طيبة لممثل عن المنتخبين، فشهادات المحبة والتقدير والعرفان في حق رواد أسدوا خدمات جليلة للمسرح طيلة مسارهم الفني، فاستحقوا التفاتة تكريمية تليق بهم، عبد السلام بوحديد أحد قيدومي الحركة المسرحية بمدينة طنجة ومنطقة الشمال، خديجة أسد الممثلة ذات الحضور المتميز في المشهد المسرحي الوطني والدراما التلفزيونية والسينمائية، جمال الدين الدخيسي المخرج والمكون والمدبر الذي بصم جيل الشباب المسرحي المتعلم في ليزاداك بميسم الجدية والمهنية والطموح… بعد هذا صعد إلى الخشبة أعضاء لجنة التحكيم يتقدمهخم المايسترو الفنان لحسن زينون الذي ألقى كلمة كلها حب وعشق للمسرح، واختتم هذا المحفل المسرحي الوطني بتقديم عرض فرجوي رائع موسوم بـ “ترنيمات..” من توقيع الفنان مسعود بوحسين كتابة وإخراجا، وبمشاركة عدد من فناني الأداء من العيار الوازن من ممثلين وموسيقيين وراقصين، كعبد الحق الزروالي، وفاطمة الزهراء بناصر، سعيد أيت باجا، أمين ناسور، وفناني المجموعة الكورالية الوطنية بالرباط.. وعدد هائل من فناني ومهنيي الخشبة  كالسينوغراف يوسف العرقوبي، ومساعد المخرج عبد السلام البوحسيني، والحسين بوحسين، وآخرين..
كانت إذن أمسية الأربعاء لحظة فنية راقية بامتياز، مزجت بين الحفل والاحتفاء، وبين التذكير والاستشراف، وبين العرض والإمتاع.. كانت أمسية شوهد وقيل فيها الشيء الكثير عن أبي الفنون، بالمباشر وبالمرموز.. وهكذا قال وزير الثقافة، الذي حظي بتكريم خاص خلال حفل الافتتاح، كلاما جميلا عن المسرح والمسرحيين، عن المنجزات والمكتسبات، عن الآفاق والانتظارات، كما قال أيضا بوحا شاعريا معبرا وصادقا أشبه ما يكون بخطبة العاشق المودع والشاكر الممتن..
فبعد أن ذكر بأهمية المهرجان الوطني للمسرح كتظاهرة تلتئم سنويا ويلتقي فيها مبدعو المسرح من أجل التبادل، والتي تعد فرصة لاستقراء منجزات الموسم المسرحي والتنويه بأفضل الإنتاجات التي ميزت الساحة الفنية، وأيضا فرصة للحوار والتفاعل بين مهنيي القطاع، أكد  الصبيحي على أهمية تكريس هذا المهرجان باعتباره حدثا ثقافيا وفنيا متميزا يحتفي بالإبداع المسرحي، ومحطة لتشجيع المواهب الفنية من خلال تسليم جائزة وطنية مكافأة للإبداع المسرحي في جميع أبعاده. ثم عرج المتحدث على أهم المنجزات التي حققتها وزارته منذ توليه المسؤولية، مركزا بالأساس على ما تم إنجازه في مجال تجديد وتحديث آليات الدعم المسرحي، ووضع منظومة تشريعية جديدة تصون للفنان كرامته وتنظم بوضوح علاقاته الشغلية، وكذا ما تم في مجال تعزيز البنيات التحتية.. قائلا في هذا الصدد: “يمكننا القول، من الناحية الموضوعية، إننا تمكنا من وضع الأسس لإرساء مبادئ ممارسة مهنية للمسرح، من خلال تعزيز شبكة البنية التحتية المسرحية، وإنشاء نموذج متكامل لدعم المسرح وخلق نظام قانوني أكثر مهنية”.
 وفي ختام كلمته، تحدث الوزير باعتزاز عن علاقات الشراكة التي نسجها مع مهنيي المسرح والفنانين عموما ومع هيئاتهم التمثيلية  قائلا: “كان لي الشرف طيلة هذه السنوات الخمس الأخيرة بالاشتغال، من موقعي في وزارة الثقافة، مع نساء ورجال المسرح المغربي ومع الجمعيات المهنية والنقابات، حيث تشاركنا سويا انشغالات وتطلعات النهوض بالمسرح المغربي الذي أثرى الساحة الثقافية الوطنية منذ عقود”.
وهذا الاشتغال الجماعي، يقول الصبيحي، أفضى، وبنفس تشاركي في جو إيجابي وبناء، “إلى بلورة ووضع أنجع السبل للارتقاء بمسرحنا أخذا بعين الاعتبار المتغيرات المجتمعية والممارسات الثقافية والفنية”.
ويمكن القول بكل موضوعية، يؤكد الوزير، إن وزارة الثقافة، وإن تمكنت بفضل هذه الشراكة من الاستجابة للانتظارات، وتحقيق بعض الأهداف الكبرى المرجوة، إلا أنه مع ذلك، “فإن المسرح المغربي يستحق الكثير لما يتوفر عليه من طاقات هائلة من الشباب والرواد ومن مؤهلات إبداعية، وذلك حتى يتمكن من أداء أدواره التربوية والترفيهية والمجتمعية والتنموية”.
لكن اللحظة التي أثارت الحضور وتأثرت لها المسامع كانت أقوى لحظة عاطفية وتواصلية انطوت على كثير من المودة والتقدير والتفاؤل، حين قال محمد الأمين الصبيحي متوجها إلى عموم المسرحيين المغاربة: “وأنا أودعكم من مسؤوليتي هاته، يقيني كبير بأنكم ستبرهنون بالحجة والدليل، لكل من ادعى باطلا خفوت المسرح المغربي، أن أب الفنون لازال حيا معطاء يستشرف المستقبل بكل عزم وإرادة وطاقات نسائه ورجاله”. (ننشر النص الكامل للكلمة الافتتاحية لوزير الثقافة ضمن مواد هذا الملحق).
وعرف اليوم الثاني للمهرجان الشروع في تقديم العروض المسرحية المبرمجة في إطار المسابقة الرسمية للتباري على الجائزة الوطنية للمسرح بكل أصنافها، في كل من مسرح إسبانيول، والمركز الثقافي لتطوان.. كما شرعت الفرق المسرحية المشاركة خارج المسابقة في تقديم عروضها ابتداء من مساء يوم الخميس الماضي في كل من المركز الثقافي بالفنيدق، ومسرح لالة عائشة بالمضيق، وسينما الريف بمارتيل.
كما شهد اليوم الثاني حفلي توقيع كتابي “الناس والحجارة” لعبد الكريم برشيد، “موت وحياة المسرح ليوسف الريحاني.
وتتواصل فعاليات الدورة 18 للمهرجان الوطني للمسرح التي تنظمها وزارة الثقافة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، وبتعاون مع عدد من الشركاء، بتنظيم مساؤ يومه السبت الندوة الأولى للمهرجان في موضوع “مسرح الشارع” بمشاركة كل من حسن المنيعي، حسن بحراوي، طارق الربح، أمين غوادة ورضوان حدادو. وتواصل الفرق المسرحية المبرمجة تقديم عروضها بالفضاءات الخمس للمهرجان.
 ويشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان 12 عرضا مسرحيا، هي “أمناي” لجمعية المحترف من أكادير، و”القلب عالقلب” (فرقة أنكور، طنجة)، و”بيريكولا” (جمعية تفسوين للمسرح الأمازيغي، الحسيمة)، و”ترحال” (محترف الجوهرة السوداء للمسرح والسينما، جرادة)، و”الرحيق الأخير” (مسرح المدينة الصغيرة، شفشاون)، و”خريف” (جمعية أنفاس للثقافة والفن، الرباط)، و”كل شيء عن أبي” (مسرح الشامات، مكناس) ، و”من أحرق الشمس” (جمعية أريف للثقافة والتراث، الحسيمة)، و”اللعب” (جمعية ستيلكوم، الرباط)، و”بلا سمية” (جمعية داهاواسا، الرباط)، و”جون لينون لم يمت” (جمعية زنقة آرت، الدار البيضاء)، و”ليام أليام” (جمعية نادي المرآة للمسرح والسينما والموسيقى، فاس).
  وتضم لجنة تحكيم هذه الدورة، التي يرأسها مصمم الرقصات والمخرج لحسن زينون، كلا من خديجة أسد، وعزيز سعد الله، وادريس سنوني، ورشيد فكاك، وحسناء تمتومي، ورشيد منتصر.
  كما تم اختيار 18 عرضا مسرحيا تقدم بموازاة مع فعاليات المهرجان، وهي مسرحية “شجرة لرنج” لفرقة محترف المسرح الحر، و”أوفيليا لم تمت” لفرقة مسرح نبيل لحلو، و”الباب ألحباب” لفرقة مؤسسة المسرح الأدبي، و”غربة” لفرقة كوميدراما للمسرح والثقافة، و”الساكن” لفرقة مسرح تانسيفت – مراكش، و”طيكوك” لعبد الحق الزروالي، و”المقامة البهلوانية” لفرقة مسرح أبعاد، و”المشقوف” لفرقة الشهاب المسرحية، و”مولات السر” لفرقة محترف فاس لفنون العرض، و”جرب تشوف” لفرقة ورشة الإبداع دراما، و”الزكروم” لفرقة مسرح الثلاثة، و”الشيب والهبال” لفرقة الوفاء المراكشية، و”الموسم” لفرقة مسرح البيضاء، ومسرحية “لحمام لي فالشبيك” لفرقة مسرح الشمس، و”سور المهابيل” لفرقة مسرح أطلنتيس، و”فكها يا من وحلتيها” لفرقة مسرح الحال، و”التعري قطعة قطعة” لفرقة الريف للمسرح الأمازيغي، و”عمل صغير لبهلوان مسن” لفرقة أوديسا.
  وسيتوج المهرجان الوطني للمسرح بتوزيع جوائز مادية وأخرى رمزية للفائزين، وهي الجائزة الكبرى، وجائزة التأليف، وجائزة الإخراج، وجائزة السينوغرافيا، وجائزة الملابس، وجائزة التشخيص ذكور، وجائزة التشخيص إناث، وجائزة الأمل.

> مبعوث بيان اليوم إلى تطوان: الحسين الشعبي

Related posts

Top