لجأت عدة قطاعات حكومية منذ سنوات إلى تفويت قطاعي النظافة والحراسة إلى شركات المناولة، وفق المساطر المتعلقة بالصفقات العمومية. أسلوب سلكته للتخلص من الموظفين العموميين أصحاب السلاليم الدنيا. لكن ما يلاحظ أن بعض الإدارات العمومية، باتت تستغل عمال شركات المناولة «رويضة سوكور» لسد الخصاص لديها في الموارد البشرية. والسماح لهم بممارسة مهام تتطلب مستويات تعليمية محددة وتكوين مهني. فيما يستغل آخرون أبشع استغلال في الأعمال الشاقة، وفي خدمة المصالح الشخصية للمسؤولين.
يعهد لكل شركة فائزة بتدبير قطاعي النظافة أو الحراسة، إلى وضع مجموعة من حراس الأمن الخاص والمنظفات رهن إشارة تلك المرافق العمومية. يتم التعاقد معهم بطرق لا تمت بصلة لقانون الشغل، وبأجور هزيلة. أكثر من هذا فحراس الأمن الخاص يشتغلون بالتناوب ليلا نهار، لمدة 12 ساعة في اليوم «من 7 صباحا إلى 7 مساء، أو من 7 مساء إلى 7 صباحا». حتى أن معظمهم يشتغلون أيام العطل ونهاية الأسبوع. يجهلون ما يعرف بعيد الشغل. بعد أن تحولوا إلى عبيد، يتم استغلالهم لسد كل حاجيات المرفق والمسؤولين داخله. الحارس الأمثل والجاد في نظر هؤلاء هو الذي بإمكانه شغل كل المهن والحرف التي باتت تفتقدها تلك المرافق. عليه أن يكون بارعا في العمل ك «كهربائي، صباغ، بستاني، نجار، حداد، بناء، سمكري، ..». يجسدون المفهوم الحقيقي للمثل الشعبي.. سبع صنايع والرزق ضايع.. لم يتوقف استغلال حراس الأمن الخاص فقط عند إصلاح كل الأعطاب التي تتعرض لها تجهيزات شبكات التزود بالماء والكهرباء والصرف الصحي والبنايات والصيانة والتهيئة.. بل إن الخصاص المهول في الموارد البشرية التربوية وخصوصا على مستوى الإدارات. جعل معظم المسؤولين يعتمدون عليهم في تأدية أدوارا مهنية صرفة.
فبقطاع الصحة، تجد المراكز الصحية والمستشفيات تعتمد على بعض حراس الأمن الخاص، من أجل أداء وظائف إدارية وتمريضية. حارس الأمن الخاص لا يتردد في فحص وثائق المريض وتحديد مدى خطورة المرض وهل يتطلب فحصه من طرف طبيب المداومة والمستعجلات أم المرور عبر دوائر الحجز والانتظار. وتوجيهه. وحتى استفساره عن الأعراض المرضية، وإبداء رأيه وترشيده.
وبقطاع التعليم، يفرض مدير المؤسسة التعليمية على حارس الأمن، أن يدعم عمليات خروج ودخول التلاميذ ومراقبة سلوكياتهم وسط ساحات المدارس. والتدخل لفظ النزاعات بينهم وتأديبهم. وكذا في توزيع الوثائق الإدارية على الأطر التربوية ومساعدة بعض الإداريين داخل مكاتبهم. أو التكفل بمراقبة التلاميذ في حال غياب الأستاذ عن حصة دراسية وما خفي كان أعظم. الأكيد أن هؤلاء متعددي المهن والمهام، يجتهدون قدر الإمكان من أجل إرضاء مشغليهم، وضمان الاستمرار في العمل. والأكيد أن معظم المديرين والمديرات لا ينتبهون إلى أنهم يخرقون قانون الشغل، بفرض مهام وأعباء زائدة على عمال مهمتهم الأولى والأخيرة متمثلة في الأمن والحراسة.
الأهم من كل هذا أن لا أحد من داخل أو خارج منظومة التربية والتكوين ومنظومة الصحة، يدرك خطورة توظيف حراس الأمن الخاص لسد خصاص يلزمه ذوي الاختصاص. ولا أحد يشعر بذنب فرض الأعمال الشاقة على فئة من العمال يعيشون أوضاعا مهنية غير مستقرة. وأن معظم هؤلاء يتألمون نفسيا وعضويا، ويشعرون بالذل والمهانة. ولا شك أن ذلك يؤثر على مهامهم في الحراسة والأمن، وحتى في الأشغال المختلفة التي يرغمون على تأديتها..وضمنها المهام التربوية والصحية التي فرضت عليهم انتحال مهام الإداري والأستاذ والممرض، وتقديم النصح والإرشاد والتوعية.. وهي صفات يرون أن مسؤولي الوزارات لا يمتلكونها. بدليل صمتهم وتجاهلهم تجاه معاناتهم اليومية.
التخلص من الوظائف ذات السلم الدنيوية، إجراء غير صائب. بدليل أن المرافق العمومية، تعرف هدرا للمال والزمن، وتعاني من غياب الصيانة والإصلاح اليومي لما تتعرض له بعض مرافقها وأجهزتها من أعطاب وتلف. أخطأت الوزارات حيت تخلت عن توظيف مهنيين متخصصين في إصلاح شبكتي الماء والكهرباء والصرف الصحي. فكيف يعقل أن يتم استقدام شركة خاصة لإصلاح عطب صغير قد لا يكلف درهم أو درهمان. والتوقيع على فاتورة تفرض مبالغ مالية كبيرة… وهذا ما يجعل بعض المسؤولين يكلفون بها حراس الأمن الخاص الذين يؤدونها مجانا حتى لا يتم طردهم.
بقلم: بوشعيب حمراوي