يوما بعد يوم تتجدد الأصوات المطالبة بتحويل المعتقل السري السابق “دار ايت الشعير” الواقع بقلب واحة سكورة إقليم ورزازات إلى مركز لحفظ الذاكرة، وجعله سببا لنقل التنمية لقلب الواحة ومحيطها على السواء، فبعد المذكرات التي رفعها أحد المراكز الحقوقية المحلية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 2010 بخصوص تحويل هاته الدار إلى مركز متعدد الوظائف للتنمية، هاهي الأصوات اليوم تتعالى من جديد للمطالبة بتحويلها لمركز لحفظ الذاكرة أو متحف حقوقي محلي. ” دار ايت الشعير” تاريخ لا ينسى
” دار ايت الشعير” كما يحلو لأهل سكورة أن يسموها، هي قصبة بعلو شاهق مبنية بالطريقة التقليدية وسط الحقول والبساتين، كانت في الأصل في ملكية عائلة أيت الشعير وهي عائلة من أعيان المنطقة، وسميت أيضا بدار الشعب، لأنها كانت تحتضن اجتماعات سكان القبائل المجاورة للتداول في أمورهم، غير أن ملكيتها تحولت للباشا الكلاوي الموالي للاستعمار الفرنسي بفعل استبداده وسطوه عليها فيما بعد، وذلك في إطار سطوه على العديد من الممتلكات الأخرى بالمنطقة منها حقول وآراضي شاسعة، بعد الاستقلال جرى تحويل العديد من قصور الكلاوي بمنطقة الجنوب إلى مدارس للتعليم العتيق فتحولت “دار ايت الشعير” بدورها إلى مدرسة للتعليم الأصيل وذلك لمدة سنتين كاملتين، بعدها توقفت حلقات التعليم بها وأقفلت إلى حدود بداية السبعينيات، وبدءا من السنوات الأولى لسبعينيات القرن الماضي استعملت كمركز سري لسجن المعتقلين السياسيين أسابيع وشهور قبل ترحيلهم نحو وجهات أخرى، أشهرهم المجموعة الأولى والتي كانت تضم معتقلي قلعة مكونة أبريل 1982 (مجموعة بنو هاشم)، ثم توالت عمليات الاحتجاز بها لفترات أطول ابتداء من 1986 إلى متم الثمانينيات.
“دار ايت الشعير” إذن هي مسار لعقدين من الاحتجاز والاعتقال السري للمعارضين السياسيين لكنها – و هذا هو الأهم ألان – مسار لاحتجاز أمال وطموحات ساكنة تقدر بالمئات لعدة عقود .. تركت في ذاكرتهم اثأرا نفسية و اجتماعية واقتصادية لا تقل أهمية عن تلك التي تركتها في نفوس نزلائها (تم جبر ضررهم نفسيا وماديا)، وليس منها فقط ما ارتبـــط بمعــاناة الساكنة آنذاك مع عمليات مصادرة الأراضي المجاورة واحتكار مياه السقي ومنع المرور من الطريق المحاذية لها وغيره من إشاعة التخويف والترهيب لساكنة المنطقة، مما يمكن أن يحدث لهم إن هم تحدثوا عن الأمر من قريب أو بعيد، رغم جهلهم أصلا بما كان يقع بالداخل .
مشروع ” دار ايت الشعير” كمركز لحفظ الذاكرة
المشروع الجديد الذي يروج له الفاعلون الجمعويون و الحقوقيون بالمنطقة اليوم يروم تحويل ” دار ايت الشعير ” لمركز لحفظ الذاكرة، وهو استجابة للإرادة الجماعية لساكنة المنطقة تمت بلورتها في هكذا مشروع، بهدف محو آثار انتهاكات الماضي والحفاظ على الذاكرة الجماعية، كما يأتي كفرصة لبدء التنمية بالمنطقة و فك عزلتها وهو مشروع يهدف لخلق مركز للبحث والدراسة يعنى بجمع وتوثيق وأرشفة الوقائع والأحداث ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، عبر القيام بتدوين الروايات والشهادات الشفوية المرتبطة بهذه الفترة و إنجاز التقارير المكتوبة والأشرطة الوثائقية حول الموضوع، وتكمن أهمية هذا المشروع في كونه سيعرف الأجيال الصاعدة بما جرى خلال سنوات الرصاص من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كما يشكل هذا المشروع رهانا أساسيا بالنسبة لإعادة كتابة التاريخ. وسيتم فيه تنظيم مجموعة من الأنشطة و الموائد الدراسية والندوات العلمية والإصدارات ’سيعمل المركز من خلالها على إطلاق ديناميات للنقاش والحوار المفتوح، مساهمة منه في إعادة بناء و حفظ الذاكرة الجماعية لترسيخ عناصر المصالحة في بعدها الوطني .
المشروع كوسيلة لتحقيق التنمية المحلية
المأمول من مشروع تحويل “دار ايت الشعير” ليس هو التباكي على الماضي ولا سرد الروايات وتكرارها فقط، ولكن جعل هذا وذاك وسيلة ومطية لتدشين الحلقة الأولى من مسلسل تنموي مفقود بالمنطقة، خصوصا وأن المنطقة الواقعة بنفوذها هذا المشروع المفترض تقع جغرافيا بين اثنين من الأودية الموسمية الخطيرة، وهو ما جعل منها جزيرة واحية معزولة لا تملك من التنمية سوى بعض من أعمدة الكهرباء المتهالكة، ويعول الكثير من الفاعلين بالمنطقة على هذا المشروع كثيرا لخلق دينامية تنموية قوية ومتدفقة بها، ولو من زاوية مقاربة الحق الجماعي للمناطق المتضررة في التعويض بشكل عام، فالرهانات التي يتوق لها هؤلاء الفاعلون تكمن في جعل انجاز مشروع كهذا فاتحة و سببا لشق الطريق نحو مركز سكورة وتعبيدها، وإنجاز قنطرة على وادي الحجاج،
ولما لا خلق مركز محلي للتكوين في الأنشطة النسوية والشبابية والمعلوماتية والتفكير الجماعي في توفير آليات جديدة تضمن استدامة برامج التنمية بالمنطقة التي لحقها الضرر لتلتحق بالمستوى التنموي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الوطني على غرار باقي المناطق الأخرى التي تم استهدافها فيما قبل .
جدير بالذكر بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي رعى برنامج جبر الضرر الجماعي والفردي لضحايا سنوات الرصاص بعد هيئة المصالحة والإنصاف، لعب دورا كبيرا في إخراج عدد مهم من المشاريع المماثلة إلى حيز الوجود، وهو ما أسهم بشكل بارز في تطوير المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان و النهوض بها، وغير خاف على أحد أيضا التأثير الايجابي للجمعيات والمراكز الحقوقية المستقلة في عملية إنتاج الآراء و المشاريع والمذكرات الاقتراحية والتي وجب رعايتها لتصبح حقيقة ملموسة و تحقق أهدافها.