لعبت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي دورا مهما في نشر الفكر التحرري، من خلال تكسير حواجز المجتمع التقليداني الذي كانت ولا زالت تشهده الدول العربية، من حيث الهيمنة الذكورية، وتركيز السلطة في يد أيديولوجيات فكرية واقتصادية معينة..
ومن هذا المنطلق، ظلت الأحزاب الشيوعية العربية وإلى اليوم، تدافع عن الشعوب العربية وتناضل إلى جانبها، من خلال تأطير الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بالاستقلال، الحرية، العدالة الاجتماعية، والكرامة.. أو العمل على إحداث تغييرات تكتونية من داخل المؤسسات الدستورية للدول، التي توجد بها بعض الأحزاب التقليدية.
واهتماما من بيان اليوم بالموضوع، ارتأت الجريدة أن تسلط الضوء على تجربة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، من خلال هذه الزاوية الرمضانية، التي سنقف من خلالها عند شذرات من تاريخ، ومنجزات وتجربة هذه الأحزاب، بالإضافة إلى الأهداف والمشاريع النضالية والفكرية والاقتصادية التي لا زالت تناضل لأجلها حاليا.
لبنان 2/2
حزب جماهيري
تصلب عود الحزب في النصف الأول من الثلاثينات وبرزت فيه عناصر قيادية جديدة شابة أضحى معها الحزب مكونا أساسا في الحياة السياسية، وإلى ازدياد نفوذ الحزب في الوسط العمالي وفي الحركة النقابية وبروز قادة نقابيين شيوعيين كبار، تعاظم تحلق المثقفين حول الحزب ولم يبق كاتب أو شاعر أو رجل علم، تقريبا، إلا وأقام علاقة ما مع الحزب الشيوعي بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، من خلال المؤسسات الصحفية والمنابر الفكرية التي أقامها وامتلكها أو شارك فيها.
منذ بداية الأربعينات وحتى احتلال إسرائيل لفلسطين تعاظم دور الحزب وتحول إلى حزب جماهيري كبير يضم عشرات الآلاف من الأعضاء وترسخ وضعه التنظيمي، واستقر وضعه القيادي، وأصبح عند الشيوعيين زعماء سياسيون وزعماء عماليون، معترف بهم ولهم شعبيتهم، ليس في وسط الشيوعيين وأصدقائهم وحسب، بل على الصعيد الوطني العام.
وخلال الحرب الأهلية مع إسرائيل استعاد الحزب دوره بقوة في التصدي للغزو الإسرائيلي والصمود في وجهه وفي إطلاقه جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وذلك بعد مغادرة المقاومة الفلسطينية المسلحة لبنان، ولدى دخول القوات الإسرائيلية الغازية إلى مدينة بيروت.
وأظهر الحزب مثانته وقوته في هذه المقاومة مع قوى مقاومة أخرى، الأمر الذي أجبر القوات الإسرائيلية على الانكفاء عن بيروت، ثم الجلاء عن كل المناطق اللبنانية باستثناء الشريط الحدودي الذي احتل عام 1978.
وكانت السنوات الممتدة منذ عام 1982 وحتى السنوات الأولى من التسعينات، سنوات المقاومة الباسلة التي أعطاها الحزب كل جهده وبذل فيها الغالي من التضحيات. وفي حين كانت الحرب الأهلية تتحول إلى حرب بين الطوائف والمذاهب، وفي داخل هذه الطوائف والمذاهب بين عصابات أمراء حرب، كان جهد الحزب الشيوعي منصبا على مقاومة العدو وقتاله مركزا النار باتجاهه.
وعقد الحزب مجموعة من المؤتمرات، من بينها المؤتمر الثامن، وذلك في أوائل عام 1999. وقد كان على جدول أعماله البحث في وثيقة بعنوان “المرتكزات الفكرية والاستهدافات المستقبلية”، ومشروع بعنوان: “برنامج البديل الديمقراطي للنظام اللبناني”، وتقييم نشاط الحزب وعمل هيئاته القيادية منذ المؤتمر السابع، وبحث التعديلات على النظام الداخلي، وانتخاب الهيئات القيادية الوطنية للحزب.
وقد أقر المؤتمر المشاريع موضوع البحث بعد نقاش مستفيض وديمقراطي وحر، كما أصدر جملة من القرارات والتوصيات السياسية والتنظيمية. وقد أثبت المؤتمر بما شهده من تنوع بالآراء والاجتهادات والمواقف، تقدم الحالة الديمقراطية في العلاقة بين الشيوعيين والتعود على القبول بالرأي الآخر والاستماع إليه ومحاورته، عند الضرورة، بروح من الرفاقية والرغبة في الوصول إلى الأفضل.
وقد أكد المندوبون، بعددهم وبالمناطق التي جاؤوا منها والمنظمات التي مثلوها، أن الحزب الشيوعي اللبناني كان طوال تاريخه، يتمتع بفرادة الانتشار في كل المناطق وبين كل المنتمين إلى الطوائف والمذاهب المتعددة في لبنان والأقليات المقيمة فيه. كان المؤتمر، إذن، ممثلا لكل الشيوعيين ولكل لبنان في آن معا.
وركز المؤتمر البحث في الشؤون اللبنانية الوطنية والاقتصادية الاجتماعية. فالمؤتمر انعقد، على مفترق عهدين رئاسيين: عهد ذهب مخلفا تركة ثقيلة من الدمار الاقتصادي، والمديونية المرتفعة، والفساد، وسلب الأموال العامة، وعهد اطل بوعود وإعلان نوايا تثير الكثير من الأوهام مع شكوك مبررة عن القدرة على تحقيقها أو الرغبة الأكيدة في توفير الظروف لإنجازها.
> إعداد: يوسف الخيدر