لعبت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي دورا مهما في نشر الفكر التحرري، من خلال تكسير حواجز المجتمع التقليداني الذي كانت ولا زالت تشهده الدول العربية، من حيث الهيمنة الذكورية، وتركيز السلطة في يد أيديولوجيات فكرية واقتصادية معينة..
ومن هذا المنطلق، ظلت الأحزاب الشيوعية العربية وإلى اليوم، تدافع عن الشعوب العربية وتناضل إلى جانبها، من خلال تأطير الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بالاستقلال، الحرية، العدالة الاجتماعية، والكرامة.. أو العمل على إحداث تغييرات تكتونية من داخل المؤسسات الدستورية للدول، التي توجد بها بعض الأحزاب التقليدية.
واهتماما من بيان اليوم بالموضوع، ارتأت الجريدة أن تسلط الضوء على تجربة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، من خلال هذه الزاوية الرمضانية، التي سنقف من خلالها عند شذرات من تاريخ، ومنجزات وتجربة هذه الأحزاب، بالإضافة إلى الأهداف والمشاريع النضالية والفكرية والاقتصادية التي لا زالت تناضل لأجلها حاليا.
موريتانيا 1/2
المنفيون
ناضل الحزب الشيوعي الموريتاني، بشكل كبير من أجل التعريب، من خلال مساهمته بحملة ثقافية عبر مجلة “موريتانيا الفتاة”، إلى جانب قيادته لإضراب ضد حركة رفض تدريس اللغة العربية في المدارس، التي كانت ترعاها وتوجهها السفارة الفرنسية في موريتانيا، وذلك في شهري يناير وفبراير من سنة 1966 حيث رفع قادة طلاب الثانوية الوطنية (جامعة الأمس) لواء الدفاع عن اللغة العربية، من خلال خوض إضراب 9 فبراير، احتجاجا على بيان الـ19 وتحريض السفارة الفرنسية ضد العربية.
ونتيجة لهذا الإضراب، اعتقلت السلطات محمد ولد سميدع حيث نفي إلى معتقل واحة انبيكة مع عشرات المثقفين والتلاميذ الذين اعتبروا ظلما مسؤولين عن تلك الأحداث الأليمة التي كان وراءها صراع الأجنحة داخل السلطة ومحاولة كل منها القضاء على غريمه.
وساهم الحزب الشيوعي الموريتاني أيضا، في قيادة حركة التنديد بالعدوان الإسرائيلي الأمريكي البريطاني على العرب سنة 1967، وقطع العلاقات الموريتانية الأمريكية والبريطانية.
علاوة على ذلك، وضع الحزب اللبنات الأولى للحركة الوطنية الديمقراطية، حيث جعل حركة القوميين العرب تنبذ العنصرية والقومية الشوفينية وتتبنى الفكر الوطني الديمقراطي، وذلك خلال مؤتمري تاكوماجي 1968 وكيفه 1969، فضلا عن دعوته إلى توحيد مختلف مكونات الطيف الطلابي العربي في المشرق وباريس ودكار، في اتحاد واحد هو “اتحاد الطلاب والمتدربين الموريتانيين” الذي تأسس في دمشق بمبادرة من الطالب محمد محمود ولد اماه، والمصطفى ولد اعبيد الرحمن، وعبد الله بن إسماعيل، والسالك ولد اباه، وإسلمو ولد محمد الهادي، والعتيق ولد احبيب، والشيخ ولد جبه، والمحجوب بن بيه الذي انتخب رئيسا للاتحاد.. وغيرهم.
وسيصبح هذا الاتحاد فيما بعد، شاملا وجامعا لكافة الطيف الطلابي والمكونات الوطنية، حيث ارتبط بالحركة العمالية في الشمال، وقاد عملية التنديد بمذبحة عمال ازويرات (عام 1968) على مستوى الشبيبة المدرسية والطلابية، كما ساهم أيضا، في إصدار نشرة “الكفاح” التي صدرت في دكار.
تعرض الوطنيون بتاريخ 1973 إلى القمع الشامل، الأمر الذي أدى إلى ظهور سياستين: الأولى؛ سياسة رفض الإصلاحات والهروب إلى الأمام حيث تمت الدعوة إلى الكفاح المسلح في ظروف غير ملائمة له، وقد تبنوا تلك السياسة الخاسرة تحت ضغط شبابهم المتحمس ثلاثة أشهر.
والسياسة الثانية، تبنت الإصلاحات بصفتها تقدمية وثمرة نضال قوى الشعب الحية، حيث قامت جبهة وطنية مع النواة الوطنية الإصلاحية في النظام، بهدف حماية الإصلاحات والعمل على تحقيق برنامج وطني يتكون من عدة نقاط من أهمها تطبيق اللغة العربية، وإجراء تأميم لمؤسسات اقتصادية كبيرة وإطلاق الحريات الديمقراطية، وتصفية العبودية، وتحسين أحوال الشعب، وتحرير المعتقلين، وإصدار عفو شامل عن المطلوبين، وتسوية أوضاع المفصولين.. الخ.
وبفعل هذه التحركات، تعرضت الحركة التقدمية الموريتانية إلى شتى أنواع المطاردات، مما تسبب في الحد من حركتها وانتشارها، وفي هذا الإطار، حاولت بعض العناصر التقدمية واليسارية إعادة الحياة إلى حزب الكادحين، لكنها لم تكن بمستوى ما كان عليه الحزب في بدايات تأسيسه.
اعداد: يوسف الخيدر