الأحزاب الشيوعية في العالم العربي

لعبت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي دورا مهما في نشر الفكر التحرري، من خلال تكسير حواجز المجتمع التقليداني الذي كانت ولا زالت تشهده الدول العربية، من حيث الهيمنة الذكورية، وتركيز السلطة في يد أيديولوجيات فكرية واقتصادية معينة..
ومن هذا المنطلق، ظلت الأحزاب الشيوعية العربية وإلى اليوم، تدافع عن الشعوب العربية وتناضل إلى جانبها، من خلال تأطير الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بالاستقلال، الحرية، العدالة الاجتماعية، والكرامة.. أو العمل على إحداث تغييرات تكتونية من داخل المؤسسات الدستورية للدول، التي توجد بها بعض الأحزاب التقليدية.
واهتماما من بيان اليوم بالموضوع، ارتأت الجريدة أن تسلط الضوء على تجربة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، من خلال هذه الزاوية الرمضانية، التي سنقف من خلالها عند شذرات من تاريخ، ومنجزات وتجربة هذه الأحزاب، بالإضافة إلى الأهداف والمشاريع النضالية والفكرية والاقتصادية التي لا زالت تناضل لأجلها حاليا.

ليبيا 

مصاعب

كشف إبراهيم عميش في مقال له حول “نشأة التيارات والأحزاب السياسية فى ليبيا”، أن التسلل الشيوعي إلى ليبيا بدأ بجهود فردية على أيدي بعض الطلبة الليبيين الذين كانوا يدرسون بالخارج، حيث تأثروا بالشيوعية وآمنوا بها كمبدأ في الحياة الخاصة والعامة.
وارتبطت الشيوعية في البداية بعبد الله القويري وقاسم القويري الذين عادوا إلى ليبيا عام 1955م من القاهرة حيث كانا يدرسان بها.
وعملا عبد الله وقاسم، فور رجوعهما، على تأطير مجموعة من الشباب المثقفين والمدرسين، إلى جانب انتشارهم في التجمعات الشعبية ونقابات العمال والمدارس من أجل ترويج مبادئ الشيوعية، التي جاءت لرفض سوء توزيع الثروات وفساد الحكم وسيطرة الأجهزة البريطانية والأمريكية على ليبيا.
وكان الشيوعيون الليبيون يمارسون السياسية بمفاتيح الفكر الماركسي، من خلال حضور الندوات والحوارات النقابية، والدفاع على القضايا العربية والدولية، من قبيل؛ مسألة الصراع العربي الصهيوني بما يتفق ونظرية الصراع الطبقي الذي تقوده بالحتمية الماركسية قوى البروليتلريا ضد الرأسمالية المستغلة لثروات الشعوب.
وناضل الشيوعيون على المستوى المحلي، من أجل تحسين الوضع المعيشي للناس كافة، ومطالبة الحكومة بإصدار قوانين العمل، والضمان الاجتماعي وإفساح المجال للتمثيل العمالي في المجالس البلدية والتشريعية .. وكان “الشيوعي” هو الاسم الذي أًطلق على عدد قليل من المثقفين الماركسيين ونشطاء النقابات العمالية في خمسينيات القرن الفائت.
ومع توالي السنوات، نجحت بعض العناصر الشيوعية في الوصول إلى مراكز حساسة في المجال الإعلامي من أمثال، فاضل المسعودي الذي ترأس تحرير جريدة الميدان، وطالب الرويعي وأحمد أبو هدمه وعبد الله القويري وعلى أبو زقيه وغيرهم، ممن كتبوا لعدد من الصحف الليبية ونشرت لهم أبحاثا ومقالات وقصصا متنوعة، ذات طبيعة شيوعية.
غير أن الشيوعية في ليبيا، ظلت نخبوية، حيث لم يفلح الحزب الشيوعي الليبي في خلق قاعدة شعبية له نظرا لقوة النزعة الدينية لدى الشعب الليبي، الأمر الذي أدى إلى حصر نشاطه في نطاق ضيق وليس به وزن مؤثر بين القوى السياسية في البلاد، خاصة ذات التوجه الأيديولوجي الديني.
من هنا، وجد الشيوعيون الليبيون صعوبات تمثلت أولا في مواجهة الإسلاميين المسيطرين على المجتمع الليبي المحافظ، مثل ما هي قوية في أي بلد آخر في العالم العربي.
واتهمت الشيوعية الليبية أيضا، بنفس الاتهامات التي وجهت للأحزاب الأخرى في المغرب العربي، وهي اتهمها بصلتها بالقوى الاستعمارية السابقة، خصوصا بعد سنوات الحرب بليبيا، وبقاء الحزب الشيوعي الليبي متصلا بالحزب الشيوعي الإيطالي، إذ تمكن من جذب عدد من الأعضاء المحدودين من الجالية الايطالية في طرابلس فقط. ومن هذا المنطلق، حدث للحزب الشيوعي الليبي كما حدث لباقي الشيوعيين الجزائريين الذين لم يتمكنوا أيضا، من تجاوز هذه الشبه السيئة.

> إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top