المهاجرون الأفارقة في الدار البيضاء: بين الاندماج والتسول في انتظار تحقيق الحلم الأوروبي

نجدهم في العديد من أحياء الدار البيضاء، منهم من وجد وضعا اجتماعيا مكنه من الاندماج سريعا، ومنهم من لازالوا يتسكعون بحثا عن لقمة العيش. لكل منهم حلم صغير، لكن حلمهم الجماعي هو تجاوز الـ 14 كيلومترا التي تفصل المغرب عن أوروبا.
المحظوظون من بين هؤلاء المهاجرين يأخذون حافلات على شمال المغرب، وأما الباقون فيمتطون الطّريق بأقدام مصمّمة على المشي مهما كانت هذه الطريق وعرة أو محفوفة بالمخاطر أو مجهولة النهاية.
هناك المصرّون على العبور بأي ثمن، مأخوذون بالمسار الشاق الذي قطعوه، وقربهم من خط الوصول، والآخرون الذين اختاروا البقاء ولو لبعض الوقت، لأن بطاقة الإقامة – إن حصلوا عليها – ستوفر عليهم مشقات كثيرة في حال اكتشاف أمرهم في بلد أوروبي، إذ ستتم حينها إعادتهم إلى المغرب وليس إلى بلدانهم الأصلية.
اوضعية المهاجرين الأفارقة بالدار البيضاء كما في باقي مدن المغرب تثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الذين لم يوفقوا في العبور، وهم أغلبية قابلة للتزايد. كيف سيندمجون في المجتمع المغربي الذي لم يتعود على استقبال أجانب في وضعية صعبة؟ وكيف ستتعامل الدولة المغربية بمؤسساتها الاجتماعية والإدارية والأمنية معهم؟
فالمجتمع المغربي، رغم انفتاحه إلا أن الأجانب الذين استقبلهم في العقود الأخيرة هم أوروبيين ميسوري الحال، أو عرباً في وضع جيد، باستثناء اللاجئين السوريين الذين، على الرغم من صعوبة وضعهم، إلا أنهم لا يواجهون نظرات الرّيبة، لأنهم يشبهون المغاربة في الدين والعرق.


يحب الأفارقة كثيرا التّعايش الذي يتميز به المجتمع المغربي. استطاعت فئة محظوظة منهم إيجاد عملٍ بسيط يكفيهم للحاجات الدنيا، وهو يتراوح غالباً بين “بيع المجوهرات المزوّرة بالتقسيط”، وبعض الأعمال اليدوية إذا وجدوا من يقبل تشغيلهم. أصحاب الشهادات، أو المهاجرين بشكل قانوني يستطيعون إيجاد عمل حقيقي في المدن الكبرى، حيث المجتمع أكثر استعداداً لتقبّل الأجانب.
Mon ami هو الاسم الذي يطلقه المغاربة على المهاجرين الأفارقة عندما يتحدثون معهم. وهؤلاء بالمقابل ينادون كل رجل مغربي بمحمد، والنساء بفاطمة، أو حاجّة. والذين يحترفون التسوّل منهم، تكون جملتهم الأثيرة: “السلام عليكم حاجة – أو فاطمة أو محمد – درهم عافاك في سبيل الله”. هذا كل ما يعرفونه من العربية.
معظم النساء المهاجرات مع اطفالهن يفترشن أماكن “إستراتيجية”، ويتسوّلن هكذا وهن ممسكات أطفالهن في حضنهن ويتبادلن الحديث بينهن. يطلبن حسنة بأصوات خفيضة، ولا تكاد تسمع أصواتهن وكأنّ كونهن نساء غريبات في بلد بعيد، كاف ليدل على حاجتهن للصّدقة. منهم من حاول شق طريق للكسب، إما لأنّ المقام طال ولم يعد التسوّل يجدي لبناء حياة جديدة، أو لأنّ عزة النفس لم تسمح به. هكذا اخترعوا مهناً جديدة مثل تنظيف الأزقة والأحياء، مقابل مبالغ رمزية يطلبونها من سكنتها بعد عملية التّنظيف. أو بيع الملابس الإفريقية في الشارع. أو وضع دكّة صغيرة في سوق شعبي، وبيع إكسسوارات مزيفة في شبكة خاصة بالأفارقة. أو تسريح الشعر بالطريقة الإفريقية، في صالونات نسائية تقع في أحياء يكثر فيها الأفارقة المقيمون بشكل قانوني، أو في زوايا الأسواق للراغبات، أو القيام بكل الخدمات التجميلية الممكنة في الشارع، من تركيب الأظافر الاصطناعية بثمن قليل (50 درهم مثلاً مقابل ما ثمنه ا يفوق 150 درهم في الصالونات). وبدأ بعضهم يشتغل كحراس سيارات في الشوارع، بعد أن استطاعوا الاندماج تدريجياً في المجتمع المغربي.


لصعوبة الاندماج مع المجتمع المغربي، يتكتّل المهاجرون الأفارقة في جماعات، وينتقلون في جماعات. وهذا باستثناء من جاؤوا المغرب للدّراسة والعمل، الذين يتمكنون من الاندماج بشكل أفضل ويتقبّلهم المغاربة بشكل أكبر.
وهؤلاء أيضاً يفتحون أبوابهم للمهاجرين السّريين من بلدانهم، ويسمحون لهم بالإقامة معهم مستفيدين من وضعهم المستقر، لكن في أحياء هامشية معينة، حيث يتساهل أصحاب الشقق معهم. أما في وسط المدينة فذلك غير ممكن على الإطلاق، بل يصل الأمر ببعض أصحاب الشّقق إلى منع مستأجريهم الأفارقة من استقبال زوار، تفادياً لتحوّل الضّيوف إلى مقيمين خلسة عنهم.
لذا يجد المهاجرون الأفارقة (القانونين والسريين) في التّجمع في أحياء معينة وسيلة لخلق حياة ممكنة، وتعويض صعوبة الاندماج بخلق مجتمع إفريقي مصغر.

< يوسف الخيدر < تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top