شراع خالد مشبال

حين تناهى إلي خبر وفاة الإعلامي خالد مشبال، لم يتبادر إلى ذهني لأول وهلة مساره الإذاعي، بل استحضرت على التو إدارته لوكالة شراع التي كانت تصدر عنها سلسلة كتاب الجيب، عددان في كل شهر، إضافة إلى سلسلات أخرى تهم الإبداع الأدبي والثقافة الشعبية وغير ذلك.
لقد كانت هذه المبادرة جريئة وفريدة في تاريخ النشر ببلادنا، وهذا ليس بغريب، على اعتبار أن من كان يقودها هو رجل مثقف قبل كل شيء وعاشق للكتابة، له عدة مقالات منشورة، لم يكن هدفه الاغتناء، بقدر ما كان يسعى إلى خدمة الحياة الثقافية وتكريس تقاليد القراءة، حيث كان الشعار الذي داومت وكالته على رفعة، هو: من أجل مجتمع قارئ.
صمدت وكالة شراع بضع سنوات، استطاعت خلالها أن تراكم عددا لا يستهان به من الإصدارات في مجالات فكرية وإبداعية مختلفة، كما استطاعت أن تحفز الكثير من الأسماء الوازنة على جمع إنتاجاتها وطبعه ضمن سلسلة كتاب الجيب، عن طريق هذه السلسلة أمكن جمع كتابات كانت متفرقة في الصحف والمجلات، كتابات المهدي المنجرة وعبد الجبار السحيمي ومحمد سبيلا ومحمد الدغمومي وأبو يوسف طه وعز الدين التازي وغيرهم، كما قرأنا عن طريقها كذلك للأجيال التالية من المبدعين والباحثين. ولا شك أن الثمن الذي كانت تقترحه كان مشجعا على اقتناء منشوراتها، حيث كان يتراوح بين خمسة دراهم وعشرة دراهم، وهو سعر قد لا يسعفك في تناول فنجان قهوة.
هذا السعر يؤكد على أن إدارة الوكالة لم يكن هدفها الاغتناء، لقد كان بالكاد يغطي تكاليف النشر وأجور الموظفين.
وكان من الطبيعي أن لا تصمد هذه الوكالة طويلا، على اعتبار أن الواقع شيء والطموح شيء آخر.
ربما أن الطموح إلى ترسيخ عادة القراءة في نفوس المواطنين على اختلاف شرائحهم كان مثاليا أكثر مما يمكن تصوره، حتى لو تم الحرص على الحفاظ على سعر زهيد في متناول الجميع.
لقد كان توقف وكالة شراع وصمة عار على جبين حياتنا الثقافية، أحيانا يخيل إلي أننا كلنا مسؤولون عن فشل هذه التجربة وأننا يجب أن نخجل من أنفسنا.
كتاب الجيب، كانت فكرة جيدة، وكان يجب أن تستمر، وفي اعتقادي أن العصر الحالي لم يعد يتلاءم سوى مع هذا الحجم من المنشورات، ومع ذلك فإنه لحد الساعة، لم تصمد كل المبادرات التي سلكت هذا السبيل في ساحة النشر ببلادنا، على خلاف التجارب الأجنبية.
من بين الأشياء التي تحسب لمدير وكالة شراع المرحوم خالد مشبال، أنه كان حريصا على التواصل مع وسائل الإعلام ، حيث كان يبعث إليها بكل عدد جديد من منشورات الوكالة، ونحن في بيان اليوم، كانت هذه الأعداد، منذ الإصدار الأول، تصلنا بانتظام، ومع ذلك، مساندة منا لهذا المشروع، كنا نذهب لشراء نسخ أخرى من العدد نفسه.
مع رحيل ثلة من الأسماء الكبيرة في مجالات مختلفة: الإبداع، الفكر، النشر، الإعلام.. بتنا نتساءل بقلق كبير:
هل حقا، هناك من الأجيال الجديدة من يمكن أن يخلف هؤلاء ويكون في مستوى قاماتهم، خصوصا في ظل ما صار يعكسه الواقع من اختلالات في التربية والتعليم ، ومن شذوذ وجهل ووو..؟
سؤال مقلق، أتمنى أن يلوح في الأفق ما يبدد هذا القلق ويجعلنا نطمئن على مستقبل البلاد.

عبد العالي بركات

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top