في الحاجة إلى الثقافة…

بعض السجالات الكلامية و(المواجهات) الفايسبوكية التي استعرت في الأيام الأخيرة، إما صلة بمسلسل تلفزيوني يتم عرضه خلال رمضان أو بالدراما الرمضانية بشكل عام، أو علاقة ببعض قضايا الحريات الفردية، تطرح أمامنا صورتنا المجتمعية الحقيقية، وتكشف لنا الدرك الذي نزلنا إليه في الأذواق، وفي مستويات الإدراك والفهم والتلقي.
ليس الأمر تهويلا أو تجنيا، ولكن هو علامة على تراجع الوعي والتنوير حوالينا، ويكشف ضعف الحس النقدي، وتراجع العقلانية…
هذا الواقع لا يمكن علاجه بالقانون والأمن والقضاء، ولكن عبر الثقافة، أي أن مجتمعنا في حاجة إلى الثقافة، ونحن مطالبين بالإنكباب على السؤال الثقافي والفكري، والاهتمام بالعلوم الإنسانية والآداب والفنون، وبمختلف آليات التنشئة في المجتمع، وذلك بغاية التوعية والتنوير.
الثقافة ليست ترفا أو بلا قيمة إنتاجية، كما يفهم ذلك بعض الاقتصاديين والبيروقراطيين محدودي النظر، ولكن دورها يكمن، أساسا، في تشكيل رؤية المجتمع ووعيه بتحولات العصر الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية…
عندما يرتبط الناس بالقراءة وتلقي الإبداع، وتنجح الثقافة في تقوية مستويات التلقي الجمالي لديهم، وفي تقريبهم من كل أشكال التعبير الحديثة، ومن الفنون والأفكار، فإنهم، بذلك، يكتسبون الوعي والمعرفة والمناعة لرفض السطحية والابتذال، ومناهضة التخلف والدجل والرجعية.
وتبعا لذلك، تساهم الثقافة في تعزيز قيم الإحساس بالمواطنة، وتدفع الناس للانخراط في قضايا الوطن والمجتمع، وفي غياب دور الثقافة يسود الفراغ والخواء، وتعم السلبية والعدمية واللامبالاة، وحينها تلفنا كلنا المخاطر.
ما يطفو أحيانا عبر المنصات الرقمية أو داخل الجامعات بين الطلبة أو في ساحات مجتمعية أخرى، يتأسس على كون بعض فئات شعبنا تصر على تفسير واقعها وحاضر الناس أجمعين من خلال وقائع الماضي، والحال أن الثقافة تقدر على أن تمنح لكل الناس الوعي والمعارف وقدرة النقد والفهم، وهو ما سيتيح لهم، عكس ما سبق، فهم الماضي من خلال الحاضر، أي استثمار العلم والتقنيات والقيم الحديثة وتجليات الحياة المعاصرة لتفسير الماضي وفهمه والتعامل معه، والأهم الإنكباب على العيش هنا والآن، وإشعاع التواصل والانفتاح، والانخراط في بناء مستقبل أفضل.
ترتيبا على ما سبق، تعتبر الثقافة اليوم أولوية مجتمعية، وبلادنا في حاجة إلى سياسة عمومية استراتيجية للارتقاء بالثقافة والفكر والفنون والإعلام، وذلك لتقوية وعي شعبنا وحسه النقدي والجمالي والحضاري، كما أن إصلاح المدرسة والتعليم من شأنهما الإسهام الفعال في هذا النهوض الفكري المجتمعي.
لقد تسبب ضعف الثقافة وتراجع الوعي والتنوير في تعرض شعبنا لعدد من الأمراض والظواهر السلبية المجتمعية، وهذا الواقع له تداعيات سلبية على أكثر من صعيد، بما في ذلك في السياسة والوعي الوطني، وفي الاقتصاد، وفي العلاقات الاجتماعية…
لنفكر إذن في الأجراس التي دقتها مؤخرا بعض (الحروب) التافهة حول دراما تلفزيونية أو صلة بالحريات الفردية أو من خلال ما تحياه الجامعات وعلاقات الطلبة بداخلها، ولنفكر، تبعا لذلك، في الثقافة وأدوارها التنويرية…

<محتات‭ ‬الرقاص
[email protected]

Related posts

Top