مشكلة منع الصحفيين من حضور اجتماع لجنة برلمانية مع وزير الصحة وأعضاء اللجنة العلمية، والحيلولة دون قيامهم بعملهم لتغطية اللقاء ونقل معطياته للرأي العام الوطني، هي حادثة أكبر من أن تكون متصلة باجتماع برلماني واحد، أو مختزلة فقط في موضوع الحالة الوبائية والتدابير الحكومية لمواجهتها، ذلك أن هذا المنع نفسه تكرر أكثر من مرة، وهو ناجم عن مقتضيات قانونية وتنظيمية يعمل بها البرلمان، وهي التي يجب أن تطرح للنقاش، وأن يجري السعي لحل مشكلاتها، وذلك بما يضمن حق المجتمع في المعلومة والأخبار من خلال وسائل الإعلام، وأيضا بما يتيح للبرلمان أن يعمل وفق مقتضيات طبيعته كمؤسسة تشريعية وطنية.
هذه العلاقة المرتبكة ليست محصورة في البرلمان، وفي التغطية الإعلامية للأنشطة البرلمانية، ولكنها في السنوات الأخيرة صارت ملحوظة في علاقة عدد من المؤسسات الوطنية الأخرى بالصحافة الوطنية..
يمكن أن نستحضر هنا طريقة التواصل الحكومي في زمن الجائحة مثلا، واعتبار الوزارة البلاغات الإحصائية والتصريحات اليومية كافية لإلغاء كل تفاعل مباشر مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، كما يمكن أن نثير ضعف التواصل والانفتاح على الصحافة الوطنية بخصوص تطورات قضية الوحدة الترابية، وذلك عكس ما كان يجري العمل به قبل بضع سنوات.
ربما هذه الأمثلة تطرح مشكلة ضعف الثقة في صحافتنا الوطنية، وقد تكون سلوكات سلبية أو تجاوزات صدرت عن بعض منابرنا الإعلامية أو بعض المحسوبين على مهنتنا هي التي أنتجت هذا البرود والجفاء في علاقة المسؤولين بالإعلام الوطني، خصوصا بشأن قضايا وطنية جوهرية تفرض التعبئة الإعلامية المغربية، ولكن، مع ذلك، يبقى هذا الواقع سلبيا، ولا يخدم مصلحة بلادنا ورهاناتها الدبلوماسية والسياسية والإستراتيجية والمجتمعية، ومن ثم يجب التفكير في حلول ناجعة لهذه السلبية.
العديد من البلدان عبر العالم تنظم خطط وتدابير اعتماد صحفيين لديها، وتضع منظومات عمل لتقوية علاقتها المهنية والتواصلية مع الصحافة، وعبرها مع المجتمع، كما أن الدول تحرص، في لحظاتها التعبوية الكبرى، على التواصل مع صحافة بلدانها وإشراكها، وكل هذا بإمكان بلادنا أيضا تفعيله والنجاح فيه.
اليوم، لدينا في المغرب منظمات لتمثيل المهنة والمهنيين، ولدينا مؤسسة وطنية للتنظيم الذاتي للصحافة، لم تكن موجودة من قبل، وعبر هذا يمكن الوصول الى صياغة آليات عمل، وإبداع المخارج المناسبة للمشكلات التي قد تبرز في الطريق.
لقد شرع مجلس النواب مؤخرا في تفكير مشترك مع نقابة الصحافة، وكانت المديرية العامة للأمن الوطني، بدورها، قد بدأت التفكير نفسه من قبل، وهذه المبادرات الإيجابية يمكن تشجيعها والتعاون لإنجاحها، ثم تعميمها لاحقا، وبالتالي تأطيرها ضمن سعي مؤسساتي عام لتمتين علاقة مؤسسات الدولة مع الصحافة الوطنية المهنية والجادة.
هناك، من دون شك، مسؤولية ملقاة على عاتق بعض أبناء قبيلتنا المهنية، ومن الضروري تعزيز وعي الجميع بأهمية التعامل المهني المسؤول والتقيد بميثاق الأخلاقيات والضوابط المتعارف عليها في العالم كله، ويمكن لمؤسسة التنظيم الذاتي تولي تأطير كامل هذا المسلسل ومواكبته.
القضايا الكبرى التي تواجهها بلادنا، والرهانات المطروحة عليها اليوم، تفرض التعجيل بتقوية الثقة بين مؤسسات البلاد وصحافتنا الوطنية، وتصحيح كل الاختلالات ذات الصلة، وبالتالي الارتقاء بهذه العلاقة لتندرج ضمن تطلع بلادنا وشعبنا لكسب التحديات الوطنية والتنموية والديمقراطية، في احترام للأدوار، وحرص على المسؤولية المهنية والحقوق الوطنية لبلادنا.
ولكل ما سبق، يجب أولا أن نثق في صحافتنا الوطنية الجادة، وأن تحضر حسن النوايا من لدن كل الأطراف، وأن يبدأ العمل…
محتات الرقاص