فوبيا التغيير

من يصنع ذوقنا وثقافتنا، كائنات من أزمنة وأمكنة مختلفة. من الماضي البعيد، حيث الشعر القديم من كافة أنحاء العالم، وتهويدات المهد في الطفولة والأغاني والحكايات البدائية الأولى، ثم ما يتراكم عبر سنيّ العمر من هنا وهناك. ولكن متى نشعر أننا بتنا ننتمي إلى العالم القديم بعد أن كنا ضيوفا جددا عليه؟
يبدأ ذلك حين يتتالى رحيل النجوم الذين عاصرناهم وخلقوا اهتماماتنا، هؤلاء كنا ننتظر منهم الجديد ونشعر بحرارة انتمائنا إلى عصرهم. لكنهم يرحلون واحدا بعد الآخر، إلى أن يختفي ذلك النمط من المؤثرين بنا، ونصبح نحن جزءا من ثقافة رحلت، ولا يبقى حينها سوى أن نلحق بها بأنفسنا وينتهي الأمر.
غير أن للقصة بقية في هذه الحدوتة القصيرة قصر عمر الإنسان. كيف يمكنك أن تمنع نجومك من الرحيل؟ الأمر غير معقد. جدّدهم. وتابع الأجيال الأكثر حداثة من أولئك الذين صنعوك. ليس عيبا. ولا قلة قيمة أن يطوّر الإنسان ذائقته كما يطوّر جهازه الخاص الذي يعمل عليه أو يتصل به.
التجدّد هو الطريقة الوحيدة للنجاة. ودرس الأفعى التي تبدّل جلدها منذ رآه ”سيّدنا“ گلگامش أول مرة، لا يزال يشغل بال الإنسان حتى لحظة كتابة هذه السطور.
دعونا نفكّر أبعد قليلا. الخوف من الجديد مصيبة، علّة فردية قبل أن تكون ظاهرة مجتمعية عامة. وفوبيا التغيير لا يصح القفز عليها في مشروع التقدم إلى الغد. وتلك الفوبيا تمتد من النظر والسمع إلى الفكر والتقدم الإنساني كله.
والتقدم الإنساني يضرب جورج طرابيشي مثلا على الارتباط الكبير بينه وبين الإصلاح الديني، على سبيل المثال، فيقول ”إن قانون الترابط بين حركة الإصلاح الديني والتقدم الثقافي دلل على فاعلية نموذجية في الدول صغيرة الحجم في المقام الأول. وتلك هي حالة السويد التي كانت أول بلد في العالم يطور برنامجا شاملا لمحو الأمية. وانطلاقا من فكرة لوثر البسيطة القائلة إن جميع المسيحيين بلا استثناء كهنة، وبما أن الكاهن هو بالتعريف في تصوّر بشر ما قبل الحداثة من يعرف القراءة، بات واجبا على البشر، كي يكونوا كهنة أي محض مسيحيين، أن يتعلموا القراءة. وعلى العكس من الكنيسة الكاثوليكية التي عارضت وصول العامّة إلى النصوص المقدسة، شجعت الكنائس البروتستانتية أهالي المدن والأرياف على السواء على تعلم القراءة. ومنذ مطلع القرن السابع عشر أطلقت كنيسة السويد اللوثرية حملات واسعة النطاق لمحو الأمية. وفي أقل من قرن، كان 80 في المئة من السكان، في ذلك البلد القروي، قد أضحوا من المتعلمين“.
ما الذي حدث؟ زال الخوف من الجديد ومما لا نعلم. فانفتح الأفق في كل اتجاه.

< ابراهيم الجبين

الوسوم ,

Related posts

Top