مناظرة الدواء

المناظرة الوطنية الأولى حول الدواء والمواد الطبية التي شهدتها الصخيرات منذ أيام مثلت بالفعل لحظة رفيعة للتناظر العلمي والمهني والسياسي، ومنصة حوار ناجع ومنتج بين أطراف القطاع بشأن واحد من المفاصل الرئيسية ضمن المنظومة الصحية، أي الدواء والسياسة الدوائية، وبالتالي سبل تيسير ولوج المواطنات والمواطنين إلى الدواء والعلاج، ولكن هذه التظاهرة كانت كذلك مناسبة لاستعراض المنجز الحقيقي والفعلي الذي تحقق في السنوات الأخيرة على هذا الصعيد.
ليس الأمر مطية فقط للاحتفاء بوزير الصحة البروفيسور الحسين الوردي، أو لاجترار خطاب وسط أبناء القبيلة، ولكن للقول بأن الموضوعية تفرض الإقرار بوجود منجزات ملموسة وغير مسبوقة، ولعل أبرزها تخفيض سعر حوالي ألفي دواء، ثم تخفيض أثمنة أزيد من ألف مستلزم طبي، بالإضافة إلى التصنيع المحلي لأدوية تتعلق بالأمراض المزمنة، حيث كانت البداية مع دواء الكبد ثم جرى الإعلان عن الشروع في تصنيع عشرة أدوية مضادة للسرطان، وهذا كله له أثر فعلي وحقيقي وملموس على نفقات الأسر والمرضى بخصوص اقتناء الأدوية.
هي إذن مرحلة هامة عنوانها تقوية سير بلادنا في ميدان البحث العلمي والابتكار في الأدوية الجنيسة وفي مجالات الطب والصيدلة والصناعة الدوائية، وذلك بغاية تسهيل وصول المواطنين إلى الدواء وإلى مختلف المواد الصحية بكلفة أقل.
لو اختصرنا الحديث في هذه النقطة بالذات وحدها لكان من واجب الجميع التنويه بحصيلة وزارة الصحة والحكومة، وأيضا التنويه بدينامية الوزير الوردي تقديرا لكفاءته ومعرفته بالقطاع ولجديته وتفانيه وحرصه على الإبداع المستمر للأفكار والبرامج والحلول وصدق دفاعه عنها ونضاله من أجل الإقناع بتنزيلها على أرض الواقع، فضلا عن نزاهته ومصداقيته السياسية والأخلاقية.
اليوم هناك تحدي جوهري يفرض نفسه، ويتعلق بديمومة هذه الدينامية على مستوى قطاع الصحة والسير المتنامي ضمن هذه التوجهات الابتكارية مع تأمين كامل شروط النجاح والإنجاز لمختلف امتداداتها، وفي هذا الإطار يجب مواصلة الشراكة مع القطاع الخصوصي، أي الفاعلون في صناعة الأدوية ومهنيو القطاع، ذلك أن الشركات  والمختبرات المغربية يجب أن تحفز على البحث العلمي وعلى عرض منتجات ذات نجاعة علاجية وبأسعار في متناول المغاربة، بالإضافة إلى ضرورة تقوية حضورها التجاري والاستثماري على صعيد بلدان القارة الإفريقية مثلا، وذلك بما يساهم في تنمية هذا القطاع الصناعي الصاعد وإشعاعه، ويطور مهارات وخبرات أطره ومهنييه.
وعندما نحتفي اليوم بمنجزات فعلية ملموسة تحققت لفائدة شعبنا في مجال الدواء وتيسير الولوج إليه، فإن التفكير يذهب أيضا إلى ملفات أخرى تستدعي اليوم مضاعفة جهود الدولة بشأنها وإنماء وعي وتفاعل مختلف الأطراف المهنية والنقابية المرتبطة بها، ويتعلق الأمر بواقع مستشفياتنا العمومية ومراكزنا الصحية ومستوصفاتنا، وخصوصا في المناطق النائية والقروية والجبلية والفقيرة، وأيضا بمختلف البنيات الصحية والاستشفائية الأساسية، بالإضافة إلى الأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية لمختلف فئات العاملين في القطاع، خصوصا صغار الموظفين، علاوة بالطبع على تعزيز تجويد حكامة القطاع ومواصلة سياسة التخليق ومحاربة الفساد وكل الاختلالات الأخرى التي يدرك الجميع وجودها.
هنا، لا بد من انخراط الجميع في الحوار، والاتفاق على أفق واقعي ومحدد لذلك، وأيضا تقاسم المسؤوليات والالتزامات بين كل الأطراف ذات الصلة، بالإضافة إلى ضرورة انخراط كل القطاعات والمؤسسات في دعم قوي وملموس من أجل كسب رهانات هذا القطاع الحيوي والمرتبط بصحة شعبنا ومستقبل بلادنا.
[email protected]

Top