أثارت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان عقب الانفجار المأساوي الذي وقع في مرفأ بيروت، الكثير من الجدل والتعاليق…
وبغض النظر عن التحركات الدولية الجارية لتعبئة دعم مالي لمساعدة لبنان، والحاجة الفعلية إلى ضرورة ذلك في السياق الإنساني والاقتصادي الصعب الذي يعانيه الشعب اللبناني، فإن زيارة ماكرون وما جرى حواليها تستحق القراءة.
طريقة الزيارة، وأجواء وصول الرئيس الفرنسي إلى المطار، حيث تسرب وسط الناس في بيروت، وخاض في الأحاديث وعبارات التضامن والتعاطف، ومن دون إخفاء الكثير من الاستعلاء والأنانية، أمور لم تكن عادية أو مجرد شكليات في زيارة رئيس دولة أجنبي.
في الظرفية العامرة بالحزن والدموع والمأساة، بدا ماكرون للبعض كما لو أنه المنقذ، وتقاطرت عليه الشكايات والمطالب، ولكن، مع ذلك، عبر بعض العقلاء في لبنان وخارجه عن استهجانهم لسلوك الرئيس الفرنسي وإغفاله لوجود دولة وشعب ومؤسسات، وبأن الزمن الماضي لم يعد حاضرا في عالم اليوم.
القياس ليس هو أن ماكرون فعل ما لم يفعله كل زعماء لبنان وسياسييه، ولكن الأساسي هو مسؤولية فرنسا ذاتها في هذا النظام السياسي الطائفي المتكلس الذي كبل لبنان طيلة عقود، وأنتج تخلفا وعبثا سياسيين بلا أي أفق.
ماكرون في بيروت أحاط به الناس وهتفوا باسمه وعرضوا أمامه الطلبات المختلفة، ثم رتبت له سفارة بلاده لقاء مع الأحزاب وممثلين من المجتمع المدني تولت هي انتقاءهم، ثم عاد كما لو أنه انتصر في حرب، أو مثل قائد إمبراطورية قديمة يحل بإحدى محمياتها.
فرنسا، وقوى دولية أخرى، لها مسؤولية حقيقية في الواقع السياسي والمجتمعي الذي يلف لبنان، وكل بلاغة اللغة في كلام الرئيس ماكرون هي بلا معنى، في غياب الإقرار بهذه المسؤولية التاريخية.
وغير هذا، يبقى الشعب اللبناني صاحب القرار في مستقبله أو في الموقف من زعمائه وطبقته السياسية ونخبته وأشكال تدبير الدولة والمجتمع، بلا إملاءات أو وصفات معدة من خارجه.
المأساة اللبنانية الحالية قد تشكل بداية طي صفحة والشروع في كتابة أخرى في التاريخ السياسي للبلاد، ومن المؤكد ستكون لها امتدادات وتداعيات مختلفة، ولكن بقدر ما أن ذلك يرتبط بشجاعة الطبقة السياسية اللبنانية وإرادة وصمود الشعب اللبناني، فهو يتصل أيضا بأدوار القوى الإقليمية والدولية الحاضرة والمتدخلة منذ عقود في الشأن اللبناني.
وبداية كامل هذه الدينامية، يجب أن تكون من خلال احترام القرار اللبناني المستقل وإرادة الشعب.
سلاما للبنان، ولشعب لبنان…
<محتات الرقاص