بنفس القدر الذي استبشرت فيه ساكنة الجنوب الشرقي وتحديدا ساكنة الجرف بإقليم الرشيدية، خيرا بالتساقطات المطرية الأخيرة، وبالحمولة المائية لواد اغريس وروافده، عبرت فعن أسفها وامتعاضها لحجم الهدر المائي الذي تسبب فيه ضعف، إن لم نقل، غياب منشآت مائية من شأنها عقلنة تدبير مياه الفيض التي لا تأتي إلا نادرا، خاصة في هذه المنطقة الواحية التي أصبح فيها الجفاف معطى هيكليا، زاد من حدته عملية ضح المياه الجوفية بشكل جائر وبكيفية لا تراعي البعد القانوني والتدبيري للعملية.
خلال الأسبوع الماضي، تعرض حائط السد التحويلي “سيدي مجبر” الواقع على واد غريس على مستوى الجماعة الترابية فزنا إقليم الرشيدية، للانهيار بسبب حمولة الواد، لكن السبب الرئيسي هو تقادم واهتراء هذه المنشأة المائية التي يعود تاريخ إنشائها إلى ستينيات القرن الماضي، قبل أن يتم إضافة حائط واق بها في التسعينيات من القرن ذاته.
إن انهيار حائط السد التحويلي “سيدي مجبر” بسبب التقادم، يعتبر كارثة بيئية واقتصادية واجتماعية، على اعتبار أن هذه المنشأة المائية الحيوية، التي ظلت تقاوم العوامل الطبيعية والبشرية في ظل غياب المراقبة والصيانة القبيلة من طرف الجهات الحكومية الوصية، تساهم بشكل كبير، في سقي واحة الجرف من خلال الساقية المسماة “ساگية الواد” إلى جانب سواقي أخرى ك”جمجامة” و “العكريشية” و “الحنوبية” و ” الگارية” عبر مجوعة من العتبات التحويلية التي هي الآن في حاجة ماسة إلى إعادة التأهيل.
لقد حاول شباب ورجال المنطقة الذين هبوا إلى عين المكان، بشكل تضامني وتطوعي، سد الجزء المنهار من حائط السد بواسطة الأكياس الرملية، في حل مرحلي وترقيعي لتدارك بعض من المياه الضائعة والتي حرمت منها واحة الجرف التي تعاني منذ سنوات من الجفاف المزمن، وتعاني في الوقت ذاته من الانعكاسات السلبية لما يسمى ب”المخطط الأخضر” الذي جاء لدعم الفلاحين الكبار في إطار ما يسمى ب “الواحات العصرية” على حساب الواحة التقليدية التي بات يتهددها الزوال.
إن المطلوب، اليوم، وبشكل استعجالي هو تدخل السلطات الحكومية المكلفة بمراقبة الملك المائي العمومي، خاصة وكالة الحوض المائي لكير زيز وغريس، والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالرشيدية، بالإضافة إلى صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية، الذي تدبره وزارة الداخلية، وذلك من أجل إعادة بناء الحائط المنهار بسد “سيدي مجبر” وأيضا من أجل إعادة تأهيل كل المنشآت المائية الواقعة على واد اغريس على مستوى واحة الجرف، للحد من استفحال الوضعية الحالية ومن انعكاساتها السلبية على التوازنات الطبيعية والأنشطة السوسيو اقتصادية بالمنطقة.
إن الحكامة الرشيدية في تدبير الموارد المائية في المنطقة، والحد من الهدر المائي خلال فترات الفيض، يتطلب مقاربة شمولية تقوم على نهج استباقي للتعاطي مع كل السيناريوهات المحتملة لمواجهة الحالات الاستعجالية، مع اعتماد آليات تنسيق محكمة وناجعة بين مختلف المتدخلين المؤسساتيين، بالإضافة إلى تفعيل المخطط الوطني لمكافحة الفيضانات، في كل مناطق المغرب، على حد سواء، وكذا مخطط محاربة المخاطر الفلاحية، والتي تبقى، إلى حدود اليوم، مخططات عالقة، لم تجد طريقها إلى التفعيل.
محمد حجيوي