أكد عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن حزب الكتاب أبان، طيلة مساره التاريخي، عن قدرة عالية على الصمود والتحدي، سواء في عهد الاستعمار الفرنسي أو في مرحلة الاستقلال، وذلك بفضل قناعاته ومبادئه المبنية على الدفاع عن مصالح الوطن والشعب، وعلى ضرورة مواصلة النضالات والتضحيات من أجل غد أفضل للوطن والشعب.
وأضاف عبد الواحد سهيل، في جلسة حوارية مفتوحة، يوم الجمعة الماضي، بمقر الحزب بالدار البيضاء، أن حزب التقدم والاشتراكية لازال على عهده رافضا للدوغمائية والجمود، متمسكا بهويته ومرجعيته الفكرية والسياسية وبطبيعته كحزب وطني.
هذه المرجعية، يقول سهيل، في الجلسة التي نظمت في إطار سلسة اللقاءات المفتوحة التي تنظمها مؤسسة علي يعتة، لم تأت من فراغ، بل تمتد في عمق حزب التقدم والاشتراكية الوطني الذي يعتبر أول قوة سياسية تنطق بالاشتراكية في المغرب، وأبرز مدرسة سياسية تؤرخ لمرحلة من أدق الفترات السياسية ببلادنا.
وعاد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في هذا اللقاء الذي أداره مصطفى السالكي صحفي بجريدة بيان اليوم و الصحفي مهدي ديوان، وانطلق بكلمة ترحيبية لرشيد روكبان رئيس مؤسسة علي يعتة، إلى بدايات التحاقه بالحزب الشيوعي المغربي رغم تأثير وسطه الأسري الذي كان في الغالب استقلاليا وشوريا واتحاديا(الاتحاد الوطني للقوات الشعبية).
فبالمدينة القديمة، المعقل الانتخابي للراحل علي يعتة، بدأت معالم الفكر التقدمي تتراءى للمراهق عبد الواحد سهيل، وبثانوية محمد الخامس بالدارالبيضاء تأكدت القناعات السياسية، أثناء فترة السرية التي كان تميز نشاط الحزب الشيوعي المغربي في وسط تلاميذي تعرف فيه، وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، على عبدالله الغربي ومحمد أنيق وعبد اللطيف مؤمل، ولحسن الحسناوي القادم من ثانوية مولاي عبدالله، وحميد لخصاصي الذي تعرف عليه خلال حلقة ماركسية.
وبفضل هذه القناعات الصادقة وما رافقها من حيوية الشباب، بدأ عبد الواحد سهيل يخطو خطواته الأولى في الحزب. فقد شارك في البيع النضالي لجريدة “المكافح” والتحق بهيئة تحرير صحيفة “الكفاح الوطني، وسار على درب النضال إلى أن حضي بشرف التحاق كعضو قيادي بمكتب ناحية الدار البيضاء الذي كان يرأسه آنذاك لفقيه القوقجي، وبشرف الحضور للمؤتمر السري الذي جرى سنة 1966 بمنزل عبد المجيد الذويب.
باعتزاز كبير يتحدث عبد الواحد سهيل، في هذه الجلسة الحوارية التي تميزت بكلمة ترحيبية لرشيد روكبان رئيس مؤسسة علي يعتة، وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وبحضور وازن لأعضاء من مجلس رئاسة الحزب والديوان السياسي واللجنة المركزية، عن مشاركته في أول مؤتمر للحزب بعد انقشاع سحب المنع، سنة 1975، وهو لا يزال في ريعان الشباب..
كان شعار المؤتمر، يقول عبد الواحد سهيل، هو” الثورة الوطنية الديمقراطية: مرحلة تاريخية نحو الاشتراكية” والذي شكل، بحسبه، حدثا سياسيا واحتفاليا في نفس الوقت، على اعتبار أنه تم في وضح النهار وفي مكان عام، وتم خلاله تداول أفكار ومبادئ حزب لا يرضى بديلا عن بلوغ مجتمع تقدمي يخدم مصالح الوطن وحقوق الشعب، ويسعى إلى مغرب المؤسسات والعدالة الاجتماعية، بل ويصرح بذلك علنا لا يخاف في ذلك لومة لائم.
وبمنهجية المحنك، استعرض عبدالواحد سهيل النضالات التي خاضتها الأجيال المتعاقبة سواء داخل الحزب الشيوعب المغربي أو حزب التحرر والاشتراكية، ثم داخل حزب التقدم والاشتراكية، عبر مؤتمراته الإحدى عشر، بدءا بمؤتمر 1975، مؤكدا أنه رغم الاختلافات، ظل الحزب ظل محافظا على مواقفه ومبادئه وتوجهاته الإيديولوجية كحزب يساري متشبث على الدوام بهويته الإيديولوجية الاشتراكية.
فقد ساهم الحزب من خلال هذه المراحل التاريخيو، بجانب القوى الوطنية التقدمية الأخرى، يقول سهيل، في نشره والدفاع عن مبادئه، انطلاقا من الوعي بالمساواة بين بني البشر وإحساسا بالتناقض بين ترف أقلية في مواجهة حرمان أغلبية من المواطنين، وفرضت الاشتراكية رؤية مختلفة لمجتمع أكثر عدلا وإنصافا من أجل بناء مجتمع متكافئ تنعدم فيه الفوارق ويتسع الرخاء بالقضاء فيه على استغلال الإنسان للإنسان بشتى الأشكال المهينة للكرامة الإنسانية.
وهذه المثل العليا لازالت ذات آنية اليوم، يقول عضو المكتب السياسي لحزل التقدم والاشتراكية،، بل ما زالت الاشتراكية والتقدمية والحداثة تغذي شرايين المجتمعات، لأن فكر اليسار لا يزال يمثل أملا ووسيلة للدفاع عن المكتسبات التي تحاول الليبرالية المتوحشة والامبريالية إجهاضها، وما زال حزب التقدم والاشتراكية يناضل دفاعا عن الطبقة الكادحة ومن أجل التكافئ والمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، وتمكين عموم المواطنين من الرعاية الاجتماعية وتقوية نظام الحماية الاجتماعية في مواجهة مخاطر الخوصصة واعتماد سياسة تشغيل إرادية، وتعزيز ميكانيزمات المواطنة الحقة بجعل ديمقراطيتنا أكثر تشاركية والنضال من أجل المساواة ومحاربة العنصرية والاقصاء الاجتماعي والعرقي، وحماية الطبقة العاملة من خلال ضمان اجتماعي قوي ومهني ومحاربة الهشاشة وانعدام أو ضعف الحماية، بجانب اعتماد التنمية المستدامة وضمان حق الأجيال القادمة في التنمية…
طبعا لكل شيء إذا مات نقصان..وقد عانى حزب التقدم والاشتراكية من رجات داخلية، خاصة منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وما لحقها من تبعات تواصلت إلى غاية مشاركته في الحكومة الأولى ثم في حكومة بنكيران.
ورفعا لكل لبس، أصر عبد الواحد سهيل على التوضيح أن دخول حزب التقدم والاشتراكية إلى الحكومة، جاء بنا على برنامج مضبوط يعطي الأولوية لاستمرارية أوراش الإصلاح ويخدم مصلحة البلاد أولا حتى لا يتم التراجع عن المكتسبات المحققة.
كما أن المشاركة في حكومة بنكيران جاء ثمرة نقاش ديمقراطي مسؤول، بل وفق شروط وضوابط حزب تقدمي كلما وجد نفسه أمام الاختيار بين مصلحته كحزب وبين مصلحة الوطن ككل إلا واختار، دائما وأبدا، الوطن، كما أن هذه المشاركة تمت في إطار تصريح مبدئي يؤسس لتعاقد حكومي يضع، بما يلزم من وضوح الأهداف المتوخاة من هذه التجربة، ويحدد المبادئ الأساسية والمؤسسة التي ستعمل الحكومة اعلى احترامها، بل التقيد بها، والحرص على صيانتها.
إن حزب التقدم والاشتراكية، يقول عبد الواحد سهيل، ظل مستمدا مصداقيته من تراكم نضالاته وإشعاعه عبر تاريخ المغرب، ومن وضعه مصلحة البلاد فوق كل اعتبار ومن دفاعه عن الطبقة الكادحة، ويتطلع دوما نحو هذه المستقبل اعتمادا على قوة الشباب القوي بتكوينه السياسي، دون التفريط في الأجيال السابقة التي تشكل معين مدرسة نضالية قوية وراسخة.
وقد اعتبر عبد الواحد سهيل الشد والجدب الذي شهده حزب التقدم والاشتراكية أمرا طبيعيا أخذا بعين الاعتبار أن الحزب لا ينشط وحيدا بل داخل محيط يعج بالمتغيرات، وبالتالي كان عليه التفاعل معها، لكن دون التفريط في المبادئ، وهو ما يجعله بحق رقما أساسيا لا يمكن تجاوزه في المعادلة السياسية الوطنية، وكيانا أكثر متانة، متصدرا الدفاع عن المصالح والمطالب والحقوق المشروعة للكادحين، ممارسا السياسة بنبل وشجاعة ومسؤولية، وبصدق والتزامٍ واستقلالية. ف
ففي فترةِ المنع والسرية، كما في مرحلة العلنية، يقول سهيل، ظل حزب الكتاب، من موقع المعارضة الوطنية، كما من موقع المساهمة الحكومية، صارما في تحليل الواقع، عقلانيا في السعي نحو تغييره، منصهرا مع آمال وآلام الشعب، مدافعا دوما حوزة الوطن الترابية وعن انعتاق المواطن وتحرره، وكرامته.
< مصطفى السالكي
< طه ياسين شامي