يبدو الفيلم الأذيري ”نبات” للمخرج ألشين موسى أوغلو، الذي عرض، صباح يوم الأحد، في إطار المسابقة الرسمية للدورة 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، أشبه بمتوالية من اللوحات التي ترسم مشاعر الوحدة القاسية والعزلة وويلات الحرب دون الإثقال بتفاصيل عنفها على عين المشاهد.
هذا العمل الفني المتميز قصة، إخراجا وأداء، حاول إلقاء الضوء على مشاعر كل إنسان يعاني من الوحدة والعزلة ومن أسى الحرب، ليجعل المشاهد يختبر عن كثب هذه المشاعر خاصة معنى فقدان شخص عزيز، ويدفعه للتساؤل عما تخلفه هذه الحروب من دمار وحزن وألم.
يحكي الفيلم قصة بسيطة لكنها مؤثرة في نفس الوقت لسيدة تدعى ”نبات” تهتم بتفان بزوجها المريض في منزل صغير وسط جبال معزولة عن أقرب قرية.
وتعيش ”نبات” رفقة زوجها المسن ”إسكندر”، حارس الغابات السابق بعد أن خطفت الحرب إبنهما، وبات مورد رزقهما الوحيد هو ما تجود به بقرة من حليب تحمله ”نبات” كل يوم لتبيعه في القرية.
وباقتراب شبح الحرب تدريجيا من أقرب قرية لمنزلها وبعد وفاة زوجها ”إسكندر”، ستجد ”نبات” نفسها تعيش وحيدة في مكان مهجور، خال تماما إلا من صوت أفكارها الشاردة وأنين عزلتها وذكرياتها الهاربة.
في هذا المكان النائي والمعزول الذي تنعدم فيه مقومات العيش المريح يبدأ الصراع مع ظروف الحياة القاسية والوحدة والعزلة، ويطغى الصمت على الحوار لتعوضه زوايا التصوير التي تفوق المخرج ألشين موسى أوغلو في اختيارها باحترافية عالية، تدفع المشاهد للتفاعل مع أحداث الفيلم.
في هذا الفيلم يختفي الحوار في أغلب المشاهد لتعوضه لغة أخرى هي لحظات الصمت التي تكتب حوارا من نوع خاص يعتمد على تعبيرات الوجوه التي تعكس عواطفا قوية ومشاعر الحزن والأسى.
وطوال مشاهد هذا الفيلم يتردد في قلب “نبات” صدى الحرب التي وضعت حدا لحياة إبنها الوحيد، لتقف وجها لوجه أمام وحدة وحزن مطلق فتجد نفسها وكأنها تعيش في عالم آخر، وحيدة ومحاصرة بالمشاعر المؤلمة والمربكة.
وقد بدت العزلة في هذا الشريط كشخصية خفية تتقاسم دور البطولة مع ”نبات”، فهي تيمة مشتركة بين كل الشخصيات التي تعاني بدورها من ويلات الحرب.
ونجحت الفنانة الإيرانية المعروفة، فاطمة معتمد آريا ”نبات”، في تجسيد المشاعر العميقة التي تسند نص الفيلم ورسالته فورطت المشاهد في صلب الموضوع من خلال أدائها الصادق وقدراتها التمثيلية العالية التي وضعت فيها نتاج خبراتها الفنية.
وقد قام بأداء الأدوار في هذا الفيلم إلى جانب فاطمة معتمد آريا (نبات)، كل من فيدادي علييف (إسكندر) وصابر مامادوف (القائد) وفرهاد إسرافيلوف (داوود). يشار إلى أن المخرج ألشين موسى أوغلو قد ولد سنة 1966 في باكو (أذربيجان)، كتب وأخرج أزيد من خمسين فيلما وثائقيا. لقيت أفلامه نجاحا كبيرا لدى النقاد والجمهور، ونالت العديد من الجوائز في عدة مهرجانات دولية. من بين أفلامه الوثائقية (ليلى والمجنون) و(سجاد أذربيجان) و(رستام) و(نيازي).