كتاب «تحرير العين، تحرير الذاكرة» لمحمد شويكة

>  مبارك حسني*
حسنا فعل الكاتب محمد شويكة بإصدار هذا الكتاب. فالكتب حول السينما كانت مطلبا لدى المهتمين بالفن السابع من خارج الممارسة اللصيقة (مخرجون وممثلون وكتاب السيناريو). مطلب لدى المثقفين والمناضلين الذين يحملون هم “المغرب” في فترة الأندية السينمائية، ثم في مرحلة الإنتاج السينمائي لاحقا. لأن التصور السائد كان يعتبر السينما أداة تعبير إبداعي ومجتمعي. وبالتالي فالمقاربات التي دبجوها أو تحدثوا عنها قد تتصف بكونها محدودة ومنحصرة في جوانب دون أخرى. في حين يظهر جليا واجب تحقيق الندية في مجال الفن السابع إزاء صانعي الأفلام كي يُسمع الصوت. محمد شويكة أحد الأشخاص الذين يقومون بهكذا مهمة، وحين يكتب في مجال السينما يقوم بذلك انطلاقا من ثلاثة منطلقات ﻻ بد من التذكير بها هنا كي أبين أهمية هذا الكتاب والكتب التي يصدرها.
أوﻻ هو قاص قبل كل شيء.  وبالتالي فحين يقارب الفن السابع، يقوم بذلك من منطلق العارف بالحكي كمشترك بين السينما والقصة. أي يعرف قواعد الحكي وطرق إبداعه بحكم ممارسة التخييل وبناء عوالم سردية بكل عناصرها التي ليست غريبة عنه. هو يقارب السينما من الداخل إن صح التعبير.
ثانيا، هو خريج الفلسفة وُيَدرِّسُها. وكلنا نعرف، منذ جيل دولوز وغيره، أن الفن السابع يرتبط كبيراً باﻷسئلة الكبرى للإنسان المعاصر. بل وأجابت الفلسفة عن بعضها كالزمن والحركة وتلمس الحداثة والوجود اﻹنساني. وإن فعلت بشكل صوري فهو يكمل الشكل السجالي أساسي الموسوم بسلطة الكلمة المفهومية. في ثنايا الكتاب يجترح الكاتب العديد من اﻷسئلة الرئيسية المعتمدة على حقل المفاهيم والتي تهم السينما بالمغرب وليس العنوان إلا دليلا وعتبة صائبة لذلك.
ثالثاً، الكاتب عايش الفن السابع المغربي من رحم صناعته، ممارسة وحضورا، فهو يعرف رجاله وصانعيه، وسبق أن خالط جل المهنيين، بل وساهم في أفلام. وإذن ف”شحم” la graisse السينما ليس خافيا عليه.  بهذه الصفات الثلاث يبدو الكتاب هذا هو اﻷنسب لكل من يريد تعرف السينما بالمغرب، بل ويريد اﻹنخراط فيها إخراجا وكتابة وتمثيلا وفهما.
وأن ينتمي “المغرب” إلى “السينما” ليس مجرد تركيب اعتباطي. بل هو عصب المسألة السينمائية ببلادنا. فمنذ إنتاج الفيلم اﻷول والسؤال/الهدف يتجلى في خلق سينما مغربية حقيقية ومن صميم الانتماء للوطن، وليس سينما مفارقة وسطحية ومجرد عملية تسلية (على اﻷقل المدعمة من طرف الدولة). لذا كان ﻻ بد من محطة أساسية هي “تحرير الذاكرة، تحرير العين”.
في فعل التحرر هذا يقوم محمد شويكة بتفكيك بنيات مؤسسة أفلام مغربية معينة أو مجموعة أفلام corpus، عبر مدخل يحمل سؤاﻻ كببرا: ما معنى أن تكون سينمائيا مغربيا. ثم ثلاثة فصول يركز كل فصل فيها قضية أساسية من قبيل حضور اﻷنطولوجيا، اﻹيديولوجيا، المقدس، الإلتزام، العلاقة مع اﻷجناس اﻹبداعية اﻷخرى كالموسيقى والرواية. وفي ثنايا تحليله وتفكيكه يتطرق إلى ثيمات معينة. منهجه إذن ينطلق من اﻷسئلة الكبرى ليصل جهةَ خلقِ طروحات مساندة للفهم وتذليل عقبات تعاكس هذا الفهم. النتيجة تشكلها خلاصات دالة وجديدة.
أحيانا تبدو هذه اﻷسئلة كبيرة جدا وأعمق من المتن الفيلمي المقترح للشهادة والمثال والبرهنة. فليست كل اﻷعمال السينمائية جيدة كي ينتج عنها طرح يشرح مكونا ما أو ثيمة. هناك صعوبة في اختيار شريط بعينه وهذا من معيقات التحليل والدراسة، لكن يفترض الكاتب وجود حد أدنى من اﻹبداعية في أفلامنا تسمح بالقيام بالدرس.  وكما يستشف من قراءة محتوى الكتاب، فإن دراسة هذه الأفلام والكتابة عنها ﻻ يعني السينما فقط، بل البلد والمجتمع بكامله، فهي المجال الرمزي الذي تتمثل فيه بشكل واضح وكبير وجماهيري حركية هذا البلد وهذا المجتمع. وأسئلة محمد شويكة كما قلنا تنحى منحى هذا اﻹطار الشامل الجامع. فكي نفهم أنفسنا ﻻ بد من المرور من تمثلاثنا وانتاجنا الخيالي، والكاتب يساعدنا في ذلك بكتابه “تحرير العين، تحرير الذاكرة”.
*ناقد فني

Related posts

Top