لبنان الأبي..

عندما يصبح الدين إشكالية وطنية؟؟

-1 صحيح أن الشعب اللبناني واحد، وهذا جدير بالوطنية اللبنانية كقناعة، ولكن بعد الإقرار أن الشعب اللبناني واحد، يصبح مفهوما التأكيد بأن داخل هذا الشعب تنوعا يجب أن نعترف به. شعب واحد بولاء واحد وبانتماءات متعددة. هذا هو التنوع في الوحدة. الشعب الواحد تعبير عن الوحدة، والتنوع تعبير عن الخصوصية اللبنانية لهذا الشعب. وفي أوقات الشدة . حتى لا نقول الحرب.
-2 يجب أن نقول بوضوح العبارة وسلاستها في ظل استقواء فصيل دوغمائي/عقائدي مرهون لاستراتيجية خارجية. عطلت هكذا بدون مواربة، الحركية السياسية بالبلاد الى الحد الذي يحول دون انتخاب رئيس كممثل للسيادة الوطنية؟. أقول ونقول جميعا، إن الحد الأدنى لبناء الدولة هو الاتفاق على الوطن. والحد الضروري لبناء الدولة هو الوفاق الوطني، والحد الطبيعي لبناء المستقبل هو الديمقراطية التي نفتقدها في النظام القائم، الذي ينقصه الكثير (في ظل حكم تصريف الأزمة) ليصبح نظاما وليس وكالة استغاثة؟؟
-3 لا وقت لدى اللبنانيين في سلم أولويات المعضلات التي يواجهها (سياسية، اقتصادية وغيرها…). فالمعضلة الأولى هي المعضلة الوطنية حيث يجب حسم الولاء للوطن. بعدها مباشرة تأتي معضلة بناء الدولة التي تبنى على عيش مشترك مع تحفظات على التعبير أساسها، التأكيد على أنه مفهوم مركب ومتماسك.. وأخيرا، تأتي مشاكل الحكم.
إنها مسألة بالغة الأهمية، ولابد من الاتفاق حولها. إذا كنا حريصين على بناء وطن.هل نعود إلى أراء كريم بقرادوني (أحد اكبر منظري الكتائب اللبنانية) بالرغم من موقفنا منه، إبان تبريره لمجزرة صبرا وشاتيلا)، لا والله، فهو نظر وبرر أكثر من جريمة في حق الشعب الفلسطيني، ولكن هو أثار معضلة قضية الولاء للوطن وعلاقة الوطن بالأوطان الأخرى. يعني بكل المفاهيم، الوطنية المنفتحة، لا المنغلقة التي تخلق الحرب. دواعيها وتداعياتها على شعب منفتح، مغرم بالحياة وثقافة الحياة. وليس ثقافة الانتكاس والدمار.؟؟
-4 لربما، وكما أعتقد، أن القضية الوطنية اللبنانية التي تعني الوطن والانتماء الكامل له هي في طور الحسم. صحيح أنه تم حسمها على الورق وفي بعض الأذهان، ولكن ليس في النفوس وفي الفكر والممارسة. أما موضوع الدولة، فهو يواجه معضلة شيوع الفكر القومجي الذي لم يستطع قيام دولة عربية واحدة على الأقل، فانتقل إلى القول بوجود دول عربية متعددة وليس شعبا عربيا واحدا (يا لسخرية التاريخ من هؤلاء. بعد أن خمدوا على إثر انقطاع ينبوع الريع من دول الخليج الأعرابية؟ وخمدت كراساتهم: الوحدة، المستقبل العربي وغير ذلك. أما الديمقراطية كنظام، فكانت بعيدة عن يسراويي الورق، ومن لف حولهم. غير أن الغريب هو أن اليمين كان منشغلا بقضايا الكيان والاستقلال.
فأين إذن، دور الأحزاب والقوى الشعبية من هذا؟ ما هو جوابها؟

العدوان الإسرائيلي على لبنان
كحلقة أساسية من حلقات ما بعد الحرب الباردة؟

يبدو بعد القرار الروسي القاضي بحرمان الروس اليهود من الجنسية الروسية بموجب مشاركتهم في القوات المسلحة الإسرائيلية (المشاركة طبعا في الحرب الروسية / الأوكرانية ناهيك عن غزة ولبنان ضمنا)، يعيد من جديد، طرح التبدّل في الاستراتيجيات الدولية، غير أن الأهم بالنسبة لنا هو أن هذه التبدّلات، راحت لحد الآن، كامتيازات لصالح إسرائيل ومكانتها المتميزة التي حققتها في إطار التحالف الغربي. وهذا ولو بدا عرضة للشك والتساؤل، يتيح إمكانية التراجع التدريجي للكم الهائل للمساعدات التي تتلقاها من الولايات المتحدة (ثلاثة مليارات دولار سنويا، ناهيك عن المساعدات الجزافية في أوقات الشدة).
إذا كانت الولايات المتحدة قد ركزت جهودها بعد نهاية الحرب الباردة، وبعد حرب الخليج المفتعلة، التي كرست الهيمنة الأمريكية على المنطقة، بل وحكمت قبضتها على مصادر نفطها الغنية لـ “تحقيق” تسوية للنزاع العربي / الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية، تطلّعا لإيجاد استقرار مطلوب لمواصلة ضخ خيرات المنطقة وبخاصة النفطية دون إزعاج أو اضطراب في المناخ الدولي الجديد، فإنه يبدو أن هذه التسوية (في ظل عدوان إسرائيل الهمجي على دول المنطقة)، يراد لها (وهذا هو الغريب) أن تؤمن لإسرائيل بدائل عن مصادر المساعدة والدعم المالي وغيره من المنطقة نفسها وبشكل مباشر. إن تسوية النزاع في الظروف الدولية الجديدة (بعد امتهان إسرائيل لكل المنظمات العالمية بما فيها الأمم المتحدة) وبالدعم الأمريكي الراسخ ضمن ويضمن لها (كما هو واضح للعيان) موقعا متفوقا لا جدال فيه في مثل هكذا تسوية ممكنة. وفي هذا المضمار، فليس من باب الصدف أن تحتل الجوانب الاقتصادية في الاتفاقات التي عقدت حتى الآن، في إطار تسوية النزاع العربي/ الإسرائيلي، مكانا متميزا ورئيسيا في هذه الاتفاقات، مأخوذ في الحسبان المركز المتفوق للاقتصاد الإسرائيلي، حيث يساوي الدخل الإسرائيلي مثيله في كل من مصر والأردن والمناطق الفلسطينية مجتمعة.
ستفتعل إسرائيل خدمات جديدة،؟ كما كان الحال زمن الحرب الباردة، وهذه الخدمات الجديدة ستطرحها في إطار مواصلة السهر على صيانة المصالح الغربية في المنطقة، وكذا حماية الأنظمة الموالية لأمريكا فيها، والتي تبدو غير واثقة من نفسها ومن قدرتها على حماية نفسها من الخارج أو الداخل.
ليس غريبا انطلاقا من هذا، أن يبادر الإسرائيليون إلى تلقف شعار الإرهاب، وربطه بالأصول الإسلاموية وإيران الدولة (مع أن الأمر بسيط جدا، ويتعلق بشعب يكافح من أجل استقلاله وتقرير مصيره على ما يزيد من خمسة وسبعين سنة). ربط كفاح الشعب الفلسطيني بالإرهاب، هدف يُستعاض به كشعار محل الشيوعية والقومية بعد المتغيرات التي وقعت بالمنطقة العربية والعالم. إسرائيل لا يهمها الكشف عن أسباب التطرف، وازدهار الأصولية الإسلامية في المنطقة، وتفاقم المظالم الاجتماعية والقومية وحتى الإثنية. ولا تحديد المسؤولين على ذلك، بمن فيهم حكام إسرائيل الجهلة بالتاريخ أنفسهم. ناهيك عن دورهم البارز في ممارسة إرهاب الدولة المخزي (اغتيال هنية ونصر الله وغيرهم؟؟؟؟). أما الخطر “الإيراني” وبخاصة سلاحه “النووي” وغيره فهذا كلام “حق” يراد به باطل. والباطل واضح أمام العيان، وهو ما يعانيه الشعب اللبناني بجانب الفلسطيني من إبادة وتهجير.

 بقلم: عبد الله راكز

Top