نساء في مراكز القرار

حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.

كرستينا إليزابيث رئيسة سابقة للأرجنتين

أول امرأة تنتخب لرئاسة البلاد

هاجمت القرار الأممي وسياسات أمريكا حیال الإرهاب وقضايا الشرق الأوسط

كرستينا إليزابيث فيرنانديز (19 فبراير 1953) رئيسة الأرجنتين من الفترة 10 ديسمبر 2007 حتى 10 ديسمبر 2015. فازت بالانتخابات الرئاسية عام 2007، بنسبة 44.6 % من الأصوات مقابل 22.6% للنائبة البرلمانية السابقة إليسا كاريو، لتصبح خلفا لزوجها وتعد كريستينا أول امرأة تنتخب لرئاسة البلاد، وكانت إيزابيل بيرون الزوجة الثالثة للرئيس السابق خوان بيرون قد حكمت البلاد إثر وفاته عام 1974، لكن دون انتخاب بحكم أنها كانت تشغل منصب نائب الرئيس. تم انتخابها لفترة ولاية رئاسية ثانية في 23 أكتوبر 2011 بأكثر من 54% من الاصوات وأقسمت اليمين امام البرلمان في 10 ديسمبر 2011.
كرستينا إليزابيث..التدرج  في المناصب الحزبية والفوز في الانتخابات  

كرستينا إليزابيث فيرنانديز هي حائزة على شهادة في الحقوق من جامعة بوينس آيرس وامتهنت المحاماة، وشغلت منصب شيخة سابقة عن محافظة بوينس آيرس، هي زوجة الرئيس الأرجنتيني السابق نيستور كيرشنير وبعد أن خلفته زوجته على سدة الحكم تولى منصب نائب رئيس الأرجنتين وذلك منذ 03 ديسمبر 2009، إلى وفاته في 27 أكتوبر2010.
بدأت كرستينا فرنانديز حياتها السياسية عضوة في حركة الشبيبة البيرونية عام 1970 في منطقة سانتا كروز، وتدرجت في المناصب الحزبية، إلى أن فازت في انتخابات عام 1995 لتمثل المقاطعة في مجلس الشيوخ، كما فازت بمقعد في مجلس الشيوخ للمرة الثانية في انتخابات 2005 عن منطقة بوينس آيرس.
واعتلت سدة الرئاسة بعد أن فازت بالانتخابات الرئاسية 2007، بنسبة 44.6 بالمئة من الأصوات مقابل 22.6 بالمئة لمنافستها النائبة البرلمانية السابقة إليسا كاريو، وتعتبر كريستينا أول امرأة تنتخب لرئاسة البلاد، وتم انتخابها لفترة رئاسية ثانية في 23 أكتوبر 2011 وتحصلت على نسبة 54 بالمئة من الأصوات.

كرستينا وحكاية الأورام

ويبدو أن لرئيسة الأرجنتين حكايات مع الأورام، ذلك أنه في ديسمبر من عام 2011، أعلنت الحكومة الأرجنتينية عن أصابتها بسرطان الغدة الدرقية، وبعد إجراء العملية الجراحية في 4 يناير 2012، صرح الأطباء أن الورم لا يحتوي على خلايا سرطانية، وهي الآن تجري عملية استئصال ورم دموي.
وبعد أن تسلمت مقاليد الحكم من زوجها نيستور كيرشنر، قالت في إحدى كلماتها: “أعلم أن الأمر سيكون أكثر صعوبة بالنسبة إليّ لأنني امرأة.. فمن الممكن أن يكون الفرد عاملاً مجتهدا، ومهنياً وله مؤسسته لكن بالنسبة إلينا فإن الأمر صعب والصعوبة متواصلة، هذه هي قناعتي، لكني أعتقد أنني أملك القوة للقيام بذلك”.
عرفت كريستينا، العضو في مجلس الشيوخ، بأنها امرأة طموحة استعدت لهذا المنصب معتمدة على قوة شخصيتها، وقد ذاع صيت حنكتها السياسية أكثر من زوجها، الذي تسلم الرئاسة في الوقت الذي كانت فيه الأرجنتين تمر بأزمة اقتصادية حادة وعلى شفير الانهيار، واعتمد كيرشنر سياسة حديثة تجمع بين الفكرين الاجتماعي الديمقراطي والاجتماعي الليبرالي، هذه السياسة ساهمت في نمو البلاد وأعادت الثقة لاقتصاده.
الزوجان في مشاريعهما السياسية كما في حياتهما الزوجية، بقيا متلازمين، لكن المنية وافت الزوج نيستور عام ألفين وعشرة لتعيش كريستينا صدمة قوية وحزنا عميقا، كانت تعبر عنه أمام العلن وتذرف الدموع لكنها لم تتوان أيضاً في الحفاظ على طبعها القوي وعلى صورتها أمام شعبها والعالم.
وأعيد انتخابها لولاية ثانية لما حققته من نجاح في سياساتها وخياراتها فعلى الصعيد الوطني، فتحت محاكمات بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في عهد الديكتاتورية العسكرية، أما على الصعيد الدولي، فقد أصبحت الأرجنتين تحظى بمقعد في مجموعة العشرين.

إمراة شجاعة في مواجهة جبروت العالم

ومن بين مواقفها الشجاعة کلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2014 والتي دوت حول العالم بعد أن هاجمت القرار الأممي وسياسات أمريكا حیال “الإرهاب” وقضايا الشرق الأوسط، وتضمنت تساؤلات عدة كان من بينها:
–  اجتمعنا منذ عام وکنتم تعتبرون نظام الأسد “إرهابياً”، وکنتم تدعمون المعارضة الذین کنا نعتبرهم “ثوارا”. والبوم نجتمع للجم “الثوار” الذین تبین فیما بعد إنهم إرهابيون، ومعظمهم تدرج فی التنظيمات الإرهابية وانتقل من المتشدد إلى الأكثر تشدداً.
– تم إدراج حزب الله في وقت سابق على قائمة الإرهاب. وتبين فیما بعد أنه حزب کبیر ومعترف به فی لبنان ….
–  اتهمتم ایران على خلفیة الانفجار الذي طال سفارة “إسرائيل” في بوینس أیرس عام 1994، ولم تثبت التحقیقات من قبلنا تورط إيران بهذا الانفجار.
– اصدرتم قرار محاربة القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر واستبحت بلاد وقتل أهلها تحت هذا العذر مثل العراق و أفغانستان. ومازالت هاتان الدولتان تعانیان من الإرهاب بالدرجة الأولى.
– رحبتم بالربیع العربي ودعمتموه في تونس ومصر ولیبیا وغیرها، وأوصلتم الإسلام المتشدد للحکم في هذه البلدان بقراراتكم  ومباركتكم . ومازالت شعوب تلك الدول تعاني من وصول المتشددین الإسلامين إلى الحكم  والعبث بحریات المواطنین هناك.
– اتضح من خلال القصف على غزة فداحة الکارثة التي ارتکبتها “إسرائيل” وموت العدید من الضحایا الفلسطینیین بینما اهتممتم بالصواریخ التي سقطت عليها والتي لم تؤثر أو تحدث خسائر في “إسرائيل”.
– الیوم نجتمع هنا لإصدار قرار دولي حول تجریم “داعش” ومحاربتها، وداعش مدعومة من قبل دول معروفة أنتم تعرفونها أکثر من غیرکم، وهي حلیفة لدول کبرى أعضاء في مجلس الأمن.
وعندما استطردت الرئیسة الأرجنتینیة بالحدیث على هذا الحال، تم فجأة، إلغاء ترجمة الکلمة، کما قطعت وسائل الإعلام التي کانت تقوم بنقل الجلسة مباشرة.
وشنت صحيفة لوموند الفرنسية هجوما عنيفا ضدها مشيرة إلى أنها سترحل وستترك البلد أكثر فقرًا وأقل تقدمًا  بسبب الديون التي تعاني منها البلاد.

إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top