نساء في مراكز القرار

حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.

لورا شينشيلا ميراندا أول سيدة تنتخب لمنصب رئاسة كوستاريكا

هي سياسية كوستاريكية وأول سيدة تنتخب لمنصب رئاسة كوستاريكا. كانت واحدة من نائبي الرئيس أوسكار آرياس سانشيز، وشغلت أيضا منصب وزيرة العدل، وكانت مرشحة لرئاسة كوستاريكا عن حزب التحرير الوطني، حيث فازت بالرئاسة بعد حصولها على 46.76 في المئة من مجمل الأصوات.
ولدت شينشيلا في 28 مارس عام 1959، والدها مفتش عام سابق للمالية، أحد أبرز الشخصيات النافذة في كوستاريكا. دخلت ميدان السياسة في سن مبكرة إثر حصولها على إجازة في العلوم السياسية من جامعة جور جتاون الأميركية بعد شهادة نالتها في بلدها كوستاريكا.

شينشيلا والسياسة التقدمية من أجل عالم أفضل

وقبل الدخول في السياسة، كانت شينشيلا مستشارة للمنظمات غير الحكومية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا والمتخصصة في إصلاح النظام القضائي والمسائل المتعلقة بالأمن العام. خدمت إدارة خوسيه ماريا فيغيريس أولسنفي بمنصب نائب وزير الأمن العام (1994-1996)، وزير الأمن العام (1996-1998)، ومن عام 2002 إلى عام 2006، عملت في الجمعية الوطنية كنائبة لمقاطعة سان خوسيه.
شينشيلا كانت واحدة من اثنين من نواب الرئيس المنتخبين تحت إدارة أرياس الثانية (2006-2010). استقالت من منصب نائب الرئيس في عام 2008 من أجل التحضير للترشح لمنصب الرئاسة في عام 2010. في7 يونيو عام 2009 فازت بترشيح حزب التحرير الوطني مع فارق 15 في المائة مع أقرب منافس لها، وهكذا، تم تأييدها كمرشح الحزب للانتخابات الرئاسية.
شينشيلا التي كانت عضوة في المنظمة الاشتراكية الدولية، التي كان شعارها هو تعزيز”السياسة التقدمية من أجل عالم أفضل”، أصبحت في 28 نوفمبر 2009، المرشحة الوحيدة التي تدعم مسيرة مثيرة للجدل يطلق عليها اسم “مسيرة من أجل الحياة والعائلة”، نظمها تحالف من زعماء الكنيسة ورسالتها المعلنة تعارض إباحة الإجهاض، ومنح الاعتراف بالزواج المدني للأزواج من نفس الجنس.
لقد أثار مشاركة لورا شينشيلا مخاوف بين قادة المجتمع المدني وزعماء حقوق الإنسان الذين اعتبروا هذا الحدث وقالوا إنه يلبي الأصولية والمثلية الجنسية. شينشيلا ذكرت أن المسيرة لم تكن “ضد أي فريق”. كما تعارض بشدة أي تعديل للدستور يهدف إلى الفصل بين الكنيسة والدولة في كوستاريكا، تماشيا مع دستور جمهورية كوستاريكا الذي يحدد بوصف الرومان الكاثوليك هي الديانة الرسمية للأمة، في الوقت الذي يعرب الرئيس أوسكار آرياس عن تأييده لإقرار تشريع لفصل الكنيسة عن الدولة. وشينشيلا تعارض أيضا إضفاء الطابع القانوني على حبوب منع الحمل، وهو أمر محظور في كوستاريكا، تماما كما يعارض المحافظون في بلدان أمريكا اللاتينية حبوب منع الحمل على أساس أنها للإجهاض، هذا في الوقت الذي تؤكد منظمة الصحة العالمية أن وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ لا يمكن أن تكون للإجهاض، لأنها لن تنجح إذا كانت المرأة حاملا بالفعل.
وفي الانتخابات الرئاسية، فازت شينشيلا التي يصنّف حزبها ضمن تيارات اليسار الوسطي، بنسبة 46.8 في المائة من الأصوات في الانتخابات التي وصفها الرئيس المنتهية ولايته، أوسكار آرياس، بأنها “شفافة” و”نزيهة.” وحصل منافسها، أوتون سوليس، على 25.1 في المائة، مقابل 20.9 في المائة للمنافس الثاني، أوتو غيفارا. وصرحت شينشيلا بعد إعلان فوزها قائلة: ” أتقدم بشكري للنساء الرائدات اللواتي فتحن أبواب السياسة على مصراعيها في كوستاريكا.. أنا ممتنة لأن البلاد تخطو مرة أخرى للأمام ونرفض توقف هذا التقدم.”

كوستاريكا من أحسن دول أمريكا اللاتينية في مؤشر التنمية البشرية

تعني” الساحل الغني” وهي إحدى دول أمريكا الوسطى. تحدها من الشمال نيكاراغوا ومن الجنوب الشرقي بنما ومن الغرب المحيط الهادي ومن الشرق البحر الكاريبي.
أُلغى جيش كوستاريكا دستورياً وبصفةٍ دائمة في عام 1949 وهي البلد الوحيد في أمريكا اللاتينية المدرج في قائمة أقدم 22 دولة ديموقراطية في العالم. وتعد كوستاريكا من أحسن دول أمريكا اللاتينية في مؤشر التنمية البشرية حيث احتلت المرتبة 69 على مستوى العالم للعام 2011. واعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كوستاريكا من أكثر الدول التي حققت تقدماً على مستوى التنمية البشرية في عام 2010. وأكّد أنّ كوستاريكا من بين أكثر الدول اهتماماً بالبيئة حيث توافرت فيها المعايير الخمسة التي أنشئت لقياس مستوى اهتمام الدول بالبيئة، حيث احتلت المرتبة الخامسة على مستوى العالم والأولى على مستوى الأميركتين من حيث مؤشر الأداء البيئي للعام 2012.
أعلنت حكومة كوستاريكا في عام 2007 عن خططٍ لجعل كوستاريكا أول دولةٍ خاليةٍ من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2021، واحتلت المرتبة الأولى في مؤشر الكوكب السعيد عام 2009، ومرة أخرى في عام 2012. ووُصفت بأنّها أكثر البلاد صداقةً للبيئة في العالم في عام 2009.

إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top