تشغيل النساء في المغرب جوابًا على العنف ضدهن

في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، مند دخول قانون محاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ شرعت خلية التكفل بالنساء ضحايا العنف بالمحكمة الابتدائية بميسور -شرق المغرب- في تنفيذ برنامج طموح برسم النصف الثاني من سنة 2023 لإدماج عدد من الناجيات من العنف الموجودات في وضعية هشاشة في برامج محلية للتمكين الاقتصادي للنساء.

تنسيق في إطار خليّة التكفّل بالنساء ضحايا العنف

المبادرة تأتي في إطار عمل خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف، على صعيد المحكمة الابتدائية التي عملتْ على تفعيل آلية التنسيق بين المؤسسات والهيئات المشكلة لأعضائها المنصوص عليها في البند الثاني من المادة 16 من قانون محاربة العنف ضد النساء.

تكوّنت هذه الفكرة بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدتْها اللجنة المحليّة بالنيابة العامّة في المحكمة الابتدائية بميسور، والتي وقفت على تكرار عدد الشكايات المقدّمة من طرف عدد من الناجيات من العنف الأسري، وتكرار تنازلهن عن هذه الشكايات، ثم عودتهن لتقديم شكايات جديدة بتعرضهن للعنف مرة أخرى. وقد خلصت الخليّة الى أنّ عدم التمكين الاقتصادي للنساء المعنّفات يسهم في تفاقم ظاهرة العنف والتطبيع معه، بحيث تضطر غالبية المشتكيات إلى التنازل عن شكاياتهن نظرا لتبعيتهن الاقتصادية للمعنف والذي يكون في غالب الأحيان أحد أفراد أسرهن، وهو ما يؤثر على حقوق الناجيات من العنف وأطفالهن.

وكمحاولة لإخراج الناجيات من دائرة العنف المسلط عليهن اختارت خلية العنف المحلية وفي إطار التنسيق مع المجلس الإقليمي – بصفته عضوا أساسيا في اللجنة المحلية تخصيص نسبة معينة من النساء المستفيدات من ” برامج أوراش”الذي تدعمه الحكومة  لفائدة الأشخاص الذين يجدون صعوبة في الإدماج في سوق الشغل لتشمل أيضا النساء المعنفات والمهملات، بضمان فرص عمل مؤقتة لهن، وقد بلغ عددهن 24 امرأة ناجية من العنف ومستفيدة خلال المرحلة الأولى.

وتكمن أهمية الاستفادة من هذا البرنامج في تمكين المستفيدات من تطوير المهارات والكفايات، وتعزيز التكوين الهادف إلى تحسين قابلية التشغيل إضافة إلى تسليم وثيقة من المشغل عند نهاية الورش لتعزيز حظوظ الإدماج لاحقا في إطار أنشطة اقتصادية مماثلة.

بحث اجتماعي للتأكّد من معايير الاستفادة من برنامج التمكين الاقتصاديّ

من أجل تنفيذ المشروع، أمر رئيس اللجنة المحلية بالمحكمة الابتدائية بميسور  أنس الشتيوي بإجراء بحث اجتماعي لدراسة الملفات الواردة على الخلية، عهد به إلى مؤسسة المساعدة الاجتماعية، في مرحلة أولى قصد انتقاء الملفات التي تستجيب للمعايير المحدّدة سلفا، ومن أجل التأكّد من صحّة المعطيات الواردة في هذه الملفات، ثم وفي مرحلة ثانية إجراء أبحاث اجتماعية عهد بها إلى مراكز الشرطة والدرك، بتنسيق مع السلطة المحلية.

وبعد التوصل بنتائج هذه الأبحاث، تمّ عقد اجتماع للجنة المحليّة لمحاربة العنف ضدّ النساء عرضت فيه مخرجات الأبحاث على الأعضاء الحاضرين وتمّت الموافقة على مخرجات البحث الاجتماعي المنجز، و إعداد لائحة بأسماء النساء المستفيدات من المشروع، أحيلتْ على المجلس الإقليمي قصد مباشرة الإجراءات اللازمة، على أساس أن النسوة المستفيدات سوف يتمّ توزيعهن بأوراش في مختلف المؤسسات، وذلك لمدة 3 أشهر.

إشراك جمعيات تعنى بمحاربة العنف ضد النساء

إلى جانب التنسيق بين النيابة العامة والمجلس الإقليمي، عملت المبادرة على الانفتاح على جمعيات المجتمع المدني المحلي المعنية بقضايا محاربة العنف ضد النساء، حيث أسندت إلى الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فرع ميسور – وهي عضو في اللجنة المحلية – مهمّة مواكبة المستفيدات من المبادرة طيلة مدة 3 أشهر، و ستعمل على إدماجهن في التعاونيات الاقتصادية أو في برامج اجتماعية واقتصادية سيتمّ تحديدها لاحقا وداخل مدة عملهن المذكورة أعلاه.

هل تسهم المبادرة في حلّ مشكل المواكبة اللاحقة للناجيات من العنف؟

مند دخول قانون محاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ، أكدت تقارير الرصد والتتبع للمؤسسات الوطنية ومن بينها  المجلس الوطني لحقوق الإنسان، و وزارة التضامن، والجمعيات النسائية، أن الجانب الزجري منه تمّ تنزيله بشكل فوري، لكونه يرتبط بالتجريم والعقاب كمجال تقليدي للقانون، عكس الجانب المتعلق بالوقاية من العنف والحماية الذي يبقى حديث العهد داخل المنظومة التشريعية، وقد واجهته عدة عراقيل في التطبيق نظرا لضعف الميزانيات المرصودة.

في المقابل، سجلت هذه التقارير غياب المواكبة اللاحقة للناجيات من العنف، وضعف إجراءات التنسيق بين الخلايا واللجان المكلفة بالتكفل بالنساء المعنفات وهو ما يؤثر على حلقة التكفل وجودة الخدمات المقدّمة لهذه الفئات. وفي هذا الإطار، يؤكد دليل الأمم المتحدة لتشريعات العنف ضد النساء، على أهمية توفير الدعم المالي للناجية من العنف لمواجهة التكاليف الناتجة عن إجراءات التقاضي بسبب عدم اليقين فيما يتعلق بالفترة التي قد تستغرقها هذه الإجراءات وحمايتهن من مزيد من الانتهاكات، وللوفـاء بالاحتياجـات الأطول أجلا، ويلاحظ أنه في عدد من التجارب المقارنة من طرف المنظمات غير الحكومية لأن القوانين لا تنظم هذا الدعم المالي.

Top