زلزال الحوز: معالجة الاستعجال وإطلاق الإصلاحات المهيكلة

بعد الإعلان عن البرنامج الملكي لإعادة الإعمار، على إثر زلزال الحوز، شكل حزب التقدم والاشتراكية فريق عمل من أجل إعداد وثيقة تتضمن مقترحات تدعم هذا البرنامج الطموح والواعد.

وفي ما يلي نص الوثيقة:

أبان الزلزال الذي ضرب المغرب يوم 8 شتنبر 2023، وذلك على غرار جائحة كوفيد 19، عن القدرة الهائلة للشعب المغربي على التعبئة، تحت قيادة صاحب الجلالة، لمواجهة وضعية الأزمة والاستعجال من أجل إسعاف الساكنة المنكوبة، مستندين في ذلك على قيم التكافل والإنسية وعلى الشعور المتجذر بالانتماء للوطن.

كما أبان أيضا عن القدرة على التنظيم الذاتي للمواطنات والمواطنين، وعن حيوية المجتمع المدني والمستوى الرفيع للإحساس بالمسؤولية من قبل المنتخبين المحليين الذين بصموا على حضور ميداني لافت منذ اللحظات الأولى لوقوع الفاجعة رغم قلة الإمكانات والوسائل.

رد الفعل الرسمي لم يتأخر كذلك، فإضافة إلى تعبئة القوات المسلحة الملكية منذ الساعات الأولى لوقوع الفاجعة، وكذلك عناصر الدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة ومختلف القطاعات الوزارية (الداخلية، الصحة، التعليم…) سيعلن صاحب الجلالة، بعد أقل من أسبوع على وقوع الفاجعة، عن برنامج هام لإعادة بناء المنازل المنهارة، ليتبعه، بعد أسبوعين فقط، الإعلان عن برنامج ملكي طموح يهدف إلى الانتقال بالأقاليم المتضررة من وضعية “مناطق منكوبة” إلى “مناطق لإعادة الإعمار” مثيرا بذلك حماس وانخراط كل القوى الحية للأمة. هذا البرنامج الذي سيتم إنجازه من خلال تعبئة غلاف مالي مهم (120 مليار درهم على امتداد 5 سنوات) يقوم على ضرورة إحداث تأهيل شامل للمناطق المنكوبة عبر القضاء على العجز المسجل في المجالات الاجتماعية والبنية التحتية، بما يتجاوز استعجالية مجرد إعادة البناء، مع اعتماد الحكامة الجيدة والشفافية، وإشراك الساكنة المعنية باعتماد مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على المحيط الطبيعي والثقافي كقيمة أساسية.

يجب الإقرار أن فاجعة الزلزال قد سلطت الضوء من جديد على الأوضاع الهشة والمتردية التي تحيا في ظلها ساكنة المناطق الجبلية ببلادنا، خاصة في جبال الأطلس الكبير، وذلك على الرغم من المجهودات المبذولة في إطار البرامج العمومية لفك العزلة وتشييد البنيات التحتية الأساسية والتزويد بالماء والكهرباء، والتي على أهميتها ظلت مع ذلك غير كافية. لذلك ندعو في حزب التقدم والاشتراكية إلى أن يشكل برنامج مواجهة آثار الزلزال فرصة سانحة لمعالجة عميقة ومهيكلة لإشكالية الفوارق والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، ولحكامة السياسات العمومية، وأيضا مناسبة لانطلاقة جديدة للإصلاحات المضمنة في دستور 2011 والتي أكد عليها وأوصى بها النموذج التنموي الجديد.

وفي هذا الاتجاه نتقدم في حزب التقدم والاشتراكية بمجموعة من المقترحات تهدف إلى استدامة التعبئة الشعبية وتلك المتعلقة بالسلطات العمومية، ليس فقط لمواجهة آثار الزلزال بل أساسا من أجل رفع تحديات التنمية والقضاء على مختلف مظاهر الهشاشة والفقر.

الديمقراطية التشاركية، الشفافية والمقاربة الجماعاتية

> النهوض بالديمقراطية على كافة المستويات عبر إعادة الاعتبار لدور ومكانة الجماعات الترابية باعتماد لا مركزية فعلية وتغليب المقاربة التشاركية الكفيلة لوحدها بتقديم الأجوبة المناسبة عن احتياجات الساكنة.

> توفير الشروط الضامنة لنجاح الوكالة المكلفة بإعادة الإعمار مع تفادي كل الانزلاقات التقنوقراطية التي تحد من مشاركة الساكنة والمجتمع المدني والجماعات الترابية في بلورة المشاريع وتنزيلها على أرض الواقع. علما أن مسؤولية الفاعل السياسي من حكومة ومجالس جهوية تظل قائمة، حيث يتعين أن تتضمن برامج عمل هذه الأخيرة المشاريع التي تشرف عليها الوكالة وكيفيات تطبيقها على المستوى الجهوي.

> إخضاع الوكالة للمراقبة من قبل البرلمان والمجالس الجهوية والرأي العام، مع الإبقاء طبعا على المراقبة البعدية ذات الصلة بالمالية العمومية.

> استدامة التضامن الوطني عبر تعبئة الموارد الضرورية من خلال إصلاح جبائي منذ القانون المالي لسنة 2024 عبر إحداث “ضريبة للتضامن” تفرض أساسا على الثروات الكبرى.

> تغليب المقاربة الجماعاتية أثناء معالجة أوضاع المجالات الترابية كفضاء لاندماج الخصوصيات الطبيعية والثقافية والسوسيولوجية والبيئية المميزة للمناطق الجبلية، حيث أبانت التجارب أن الديموقراطية التشاركية القائمة على التشاور، والإقناع المرتكز على تبرير وتفسير الاختيارات والسياسات، وتمكين الساكنة من تتبع المشاريع هو ما يضمن تملك المواطنات والمواطنين لهذه المشاريع والمساهمة الفعلية في إنجاحها.

> احترام إرادة الساكنة في ما يخص مواقع إعادة البناء حتى وإن كانت المقاربة الموضوعية تميل إلى تغليب فكرة تجميع الساكنة في قرى موجودة أو يتم إحداثها، وذلك أخدا بعين الاعتبار صغر حجم الدواوير والمعايير والاعتبارات ذات الصلة بالعزلة وبعد المسافات، وكذا الاعتبارات الديمغرافية وطبيعة الأنشطة المعيشية المزاولة من قبل الساكنة، وطبيعة الأملاك الفردية والجماعية، وقابلية المواقع للبناء وكلفة إنجاز البنية التحتية. ومهما يكن من أمر سيكون من الأهمية بما كان مباشرة الحوار والتشاور وبذل المجهود الضروري للإقناع مع تجنب أية مقاربة تقنوقراطية أو فوقية.

استراتيجية تنموية للعالم القروي، التخطيط الإيكولوجي والنهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني

> اعتبار منطقة الأطلس الكبير منطقة نموذجية بالنظر لحالة الاستعجال على أساس تعميم المقاربة في أقرب وقت ممكن على مجموع المناطق الجبلية التي تشكو من الهشاشة والخصاص في القطاعات الاجتماعية.

> التسلح باستراتيجية حقيقية لتنمية العالم القروي في إطار مقاربة منسجمة للتخطيط الإيكولوجي. وكذا اعتماد برمجة متعددة السنوات بالنسبة للاستثمارات العمومية في المناطق الجبلية ذات الاحتياجات الخاصة، وذلك بهدف تصحيح الفوارق المجالية الصارخة والقطع النهائي مع القبول الضمني بالتقسيم الاستعماري بين مغرب نافع ومغرب غير نافع أو الاستسلام أمام التهميش الذي يطال العالم القروي.

> التشجيع على انبثاق أقطاب للتنمية والمراكز القروية الصاعدة على صعيد كل جهة لتشكل قاطرة لدينامية الاستثمار والتنمية الاقتصادية بالنسبة للجهة ككل.

> تطوير البنيات التحتية الأساسية خاصة الطرق والمسالك إضافة إلى التزويد بالماء الشروب والتطهير السائل.

> تسهيل الولوج إلى العلاج، خاصة في فصل الشتاء، والعمل على جعل التوقيت المدرسي، والمقررات التعليمية تتناسب مع خصوصيات المجال. إضافة إلى تعميم المنح الدراسية والولوج إلى الداخليات والمطاعم المدرسية، ولا يمكن لكل ذلك أن يأتي أكله، دون النهوض بأوضاع الشغيلة بقطاعي التعليم والصحة والاستجابة لمطالبها المادية والمعنوية.

> إطلاق برنامج واسع لمحو الأمية كرافعة أساسية لتحرير الطاقات، خاصة في أوساط النساء القرويات، وذلك ضمانا لتحقيق المواطنة الكاملة.

> تخصص جزء من ميزانية إعادة الإعمار لتشجيع المبادرة المقاولاتية المحلية، والتفكير من الآن في سبل تطوير مهمة “وكالة تنمية الأطلس الكبير” في مرحلة ما بعد الخمس سنوات الـمقبلة، وجعلها تهتم بالتثمين الاقتصادي للمجالات ولإنعاش الاستثمار وريادة الأعمال.

> النهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي يستجيب أكثر لمميزات محيط المناطق الجبلية في أبعاده الطبيعية والثقافية والإنسانية، حيث غالبا ما نجد أن الساكنة المحلية قد راكمت تجارب غنية في هذا المجال. إن التحدي الذي يتعين رفعه بهذا الخصوص، هو أن نجعل من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وفق ما أكد عليه النموذج التنموي الجديد، قطاعا ثالثا يتأسس على قيم التضامن والتعاون والتقاسم، وفي نفس الوقت يخلق قيمة مضافة اقتصاديا واجتماعيا.

هذا النمط الاقتصادي الذي يشمل السياحة الإيكولوجية وتثمين المنتجات المحلية مرورا بالصناعة التقليدية والفلاحة الإيكولوجية يشكل أيضا رافعة مهمة لإدماج المرأة وحماية البيئة.

> القيام بالأشغال اللازمة لترميم وتثمين الآثار والمواقع المتضررة وتوسيع ذلك ليشمل مجموع عناصر التراث الطبيعي والثقافي.

البحث العلمي والمصاحبة التقنية والقانونية

> بلورة مخطط وطني للنهوض بالبحث العلمي في الميادين ذات الصلة بقدرة المجالات على الصمود، وخاصة علوم الأرض لتعميق التقييم المتعلق بتعرض المناطق الجبلية للزلازل، وتعميم خرائط القابلية للتعمير والبناء، والهندسة المعمارية من أجل إعداد مواثيق هندسية تتماشى مع خصوصيات المجال القروي سواء تعلق الأمر بخصوصيات البيئة والمحيط في المجال القروي أو الخصوصيات الثقافية، وأخيرا طرق البناء المراعية للبيئة التي تشمل البناء بالمواد المحلية والتقليدية، وطرق إنتاج الكهرباء النظيفة (الطاقة المائية والطاقة الشمسية)، وتوليد الطاقة من أجل التدفئة والطهي (الطاقة الحرارية والعضوية) وكذا إعادة استعمال مياه الأمطار.

> مراجعة قوانين التعمير وشروط منح رخص البناء وذلك في اتجاه التبسيط والوقاية من المخاطر والأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجال.

> تطوير المساعدة الهندسية في العالم القروي ووضع رهن إشارة المقاولات والساكنة التي تقوم بالبناء الذاتي تصاميم هندسية نموذجية وتوفير المصاحبة والتأطير المناسبين.

> العمل على تحيين وتناغم مقتضيات النصوص الجاري بها العمل في ما يخص معايير البناء المضاد للزلازل (ضابطة البناء المضاد للزلازل لسنة 2002 المحينة سنة 2011) وضابطة البناء بالمواد المحلية لسنة 2013، ودليل الهندسة المضادة للزلازل الخاص بالقناطر..) مع بذل المجهود اللازم على صعيد التكوين والتحسيس من أجل ضمان تطبيق فعلي لهذه الضوابط.

وضع برنامج مكثف للتكوين والمطابقة بالنسبة للمقاولين ومراقبي الأشغال فيما يخص المعايير والقواعد المضادة للزلازل بالاستعانة بالخبرة وقدرات التأطير التي يتوفر عليها مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل.

وأخيرا، في مجال إعداد التراب

وبموازاة اتخاد التدابير المستعجلة على الأمدين القصير والمتوسط في ما يخص إعادة البناء، يتعين إطلاق الحوار من جديد حول الموضوع المركزي المتعلق بإعداد التراب على الصعيدين الوطني والجهوي، وذلك بما يسمح بتحديد الإطار العام والتوجهات الأساسية التي تمكن من معالجة منسجمة ومتقاسَمة لقضايا التمدن السريع، والتنمية القروية، والفوارق المجالية والاجتماعية، والحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيئي، ووضعية المناطق الهشة (الجبل، الساحل، المناطق الرطبة، الواحات).

إننا في حزب التقدم والاشتراكية نعتقد اعتقادا راسخا أن اعتماد مقاربة منهجية قبلية لإعداد التراب يمثل السبيل الوحيد الذي يمكن من توفير شروط التقائية السياسات العمومية وتوفير الإطار الضروري لانسجام وتكامل البرامج الوطنية والجهوية.

Top