الرمز الشعري الأسطوري والأمازيغي

 1

هل الرمز الشعري الأسطوري ضروري أو غير ضروري للشعر المغربي؟

إن الرمز الأسطوري، اليوناني، خاصة، غير ضروري للشعر المغربي، إلا إذا كان من “تربة البلد” الأصلي على حد قول الكاتب والقاص الصديق أبو يوسف طه، على سبيل المثال، وأقوال آخرين، كثيرين، مشاطرين لوجهة النظر هذه التي لها واجهات نظر وعمل عديدة وقديمة وعقيمة وسقيمة، بمعنى أنها غير ولود لأي جديد.

 وقد كان بإمكان الإبداع، الشعري، المغربي، العروبي اللسان، الاستغناء عن استدعاء، واستحضار، واستثمار، أو “استيراد” هذا القناع الفني الأسطوري اليوناني وغيره لو كانت “تربة البلد” خصبة بما يكفي ويفي لسد حاجة الشعر إلى الإيماء والإيحاء بتقنيات تعبيرية تصويرية وتشكيلية فنية وجمالية ضرورية عديدة ومفيدة للشعر وتجربته ورؤيته ورؤياه الكونية والإنسانية، كالأسطورة، اليونانية، التي ليست إلا إحدى أساطير الأولين والآخرين.

 واللغة نفسها، العربية، هل هي ذاتها كذلك غير ضرورية إلا إذا كانت من “تربة البلد” الأصلي.

 ومن ذلك القبيل رفض التعبير الشعري أيضا بجميع رموز النصارى واليهود، كالصليب، الذي أشارت إليه واحتجت عليه قديما إحدى افتتاحيات “العلم الثقافي”.

 هل الرمز الأسطوري، اليوناني، وهل الصليب، النصراني، ومعه نجمة اليهود والملك داوود المحبوب المرنم الحلو عازف العود المرتل الشاعر كاتب معظم المزامير إمام المغنين عليه السلام، وهل اللسان، العروبي، الجميل والطويل، هو الآخر، أجنبي وغريب عن “تربة البلد” المغربي الأمازيغي أم أصيل ومتجذر فيها. وفي المنسي من التاريخ البليد الذي لا يكتب إلا ما يملى عليه ويخطئ في الإملاء، أن خشبة الصليب ونجمة أو درع  داوود الممتدة الجذور إلى ما قبل الميلاد، كانت على مر العصور وجور العهود طوال وجود “النصارى اليهود” من سكان المغرب الأصليين الأولين والآخرين. وإلى وقت غير بعيد كانت ترى في كل مكان: منقوشة ومحفورة على الأثاث والأزياء والحليّ وسروج الخيول والوشوم والأبواب والراية والنقود ومعروضة للطلب في الأسواق، وعرضة لعبادة الإبادة والمحو والزوال.

 ولي منهما: حجاب سداسي النجمة اقتنيته من سوق زاكورة المُقام في الهواء الطلق، وصليب، أهدته لي سيدة فلسطينية مسيحية في بيت لحم، بعد خروجي من “الحج” لكنيسة المهد مع وفد ثقافي وزاري فلسطيني أردني. ومحرّم عليّ تعليقهما في سلسلة على عنقي خشية العين واللعن، وأخفيهما مربوطين بمسبحة داخل محفظتي اليدوية، التي اقتنيتها هي ذاتها من أحد أسواق المتلاشيات وهي كذلك ذات إبزيم على شكل النجمة السداسية، المحرمة كالصليب من أئمة الضلال.

 وبالتالي، إذا لم يكن الرمز الأسطوري، اليوناني، غير ضروري، فاللسان العروبي نفسه غير ضروري، لأنهما معا ليسا من “تربة البلد” الأمازيغي الأصل.

 ومن المعروف في علم الجهل المتواتر النقل أن هناك “ضوابط شرعية” ثابتة ومتحولة، في جميع ربوع “بلاد العُرب أوطاني” لتعامل الإخوان “المظلمين” مع غير المسلمين من أهل الذكر والكتاب وكل الملل والنحل الأخرى.

غير أن مثل هذه “المعاملات الشر..عية” مختلفة العلاقات والطلقات والصلات والصولات والجولات في المجالات الاجتماعية والابتداعية، المتعارضة والمتناقضة، مع بعضها وبغضها، لاختلاف واجهات النظر والعمل اليومي بتعاليم “الدين الشعبي” و”الدين الرسمي” و”الدين الفقهي” أو النصي والشخصي، تبعا للمنطق الزئبقي، الحربائي، الببغائي، الطاووسي، والجانوسي الوجهين، الذي قد يفرض هذا السلوك وقد يرفض ذاك، حسب المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية والهوى المتقلب والمزاج  المتذبذب والغريب الأطوار باستمرار الحياة، ومقتضى الحال والأحوال والواقع المتطور والكلام بحسب المقام والمقال والظروف والمواقف والمخاطبات والمناسبات.

ومن المستحيل ضبط المنطق الزئبقي الخاص بالسواد الأعظم المسلم المظلم والعروبي اللسان، الجميل والطويل، المؤمن والمؤلين، المتدين والمعلمن، المحلل والمحرم ما يشاء، المصفح والمسلح الدماغ، المزدوج والمدجج النخاع، بثقافة الدمار الشامل، غير المعروف تماما ما يريد بالضبط له ولغيره من الحياة الدنيا وعلياها، التي لا يسعى إليها بتاتا، كأنه سيموت غدا أو سيعيش فيها خالدا أبدا، رغم أن القدر استجاب مرارا وتكرارا. ولذلك لا يحتمل الحوار ولا يطيق النقاش والجدال حتى بالحسنى، في شتى شؤون دينه وشجون دنياه، وكثيرا ما يردد الأقوال والأمثال المأثورة والأبيات والآيات المشهورة والمكسورة الإيقاع والأسجاع والأوزان و”يزطم على زبيبة” كل حقوق الإنسان ولا تطلع حلاوتها إلى عقله ولا  تسمع على شفتيه ولا تبرح من تحت قدميه قيد أنملة، ولا يكف عن التبجح والتشدق أنها عنده وحده ماركة مباركة مسجلة ومبجلة ومحفوظة في الكتاب المبين و”تراب البلد” الأمين، ولا يعرف أنه من نسل “مهاجنة إذا نسبوا عبيد” على حد قول حسان بن ثابت شاعر الرسول عليه السلام.

وفضلا عن ذلك، يمكن أن تضاف إلى هذه الضوابط الشر..عية تلك النظرة المضللة والمقللة من قدرة التلقي على الكشف عن البعد الرمزي الأسطوري، الذي يعدّ غير ضروري، بدعوى أنه لا يزيد الشعر إلا غموضا وإبهاما، تماما كتلك النظرة السياسية التبخيسية المستخفة بالوعي الشعبي، بفتوى أنه لم يبلغ بعد سن النضج والرشد، لذلك لابد من رسم الخريطة بالتقطيع الانتخابي والتدخل السريع وخطف صناديق الاقتراع لضمان التمثيل البارلماني.       

 ولم لا، نعم، وبالتأكيد، ليس الرمز الأسطوري، بيوناني، والصليب، ليس بنصراني، ونجمة داوود، ليست برمز يهودي. وسواء كانت أم لم تكن من “تربة البلد” الأصلي جميع الرموز الأسطورية أو أي رمز آخر، ديني ألوهي، وتاريخي بطولي وملحمي ودرامي وغرامي، وحيواني، وطبيعي وليد البراري والبحار والصحاري والجبال، فإنها تحت كل السماوات وفوق جميع الأراضي، وما هي بالتالي إلا رموز وعلامات من عمل العقل البشري والبحث العلمي، كمثل اكتشاف أقدم جمجمة للإنسان المنتصب العاقل المنتسب إلى “جبل إيغود” والمدفون في “تربة البلد” المغربي، المغترب الهُوية المتشظية، لا شرقي ولا غربي، هجين النسب والحسب، الواحد المتنوع الروافد والمتعدد العناصر، العريقة والعميقة الجذور، وفيها من كل زوج بهيج وأريج مزيج من الأمازيغي الوثني واليهودي والمسيحي والإسلامي والعروبي والمتوسطي الإفريقي والفينيقي والإغريقي والروماني.

  ومع ذلك، ترتفع الحناجر والخناجر والعقائر هاتفة وملوحة ومطوحة عاليا بشعار الحوار الحضاري والتسامح الديني وتناكح اللغات والشعوب وتلاقح التجارب والأشكال، والتفتح  والتثاقف، الذي ليس غير المزيد من الانغلاق الشديد النفاق والخناق والوثاق على جمال وقيم  كل تراثي عقلاني وحداثي علماني وإنساني.

ولا شيء أفظع من هول تلك النظرة الفاشية الغازية البشعة الصورة الوحشية النازية، التي تجبّ وتبيد هوية ما قبلها وما بعدها عنصرا ولغة وثقافة وحضارة وتمتص كل قطرة دم..ع  وع..رق فيها وتنسبها إليها، وتبني عليها مجدها، مدعية أنها وحدها نور دنيا الحياة وعلياها وما للآخرين سوى ظلمات الجحيم وبؤس المصير.  

ليس الرمز الأسطوري “حديث خرافة” خطفته الجن ولكنه تفسير الواقعي والطبيعي والماوراء وتعبير عن أعمال خارقة لآلهة أسطورية خالقة وفائقة وأبطال من الجِنّة والناس ومعتقدات ومعبودات لشتى الأجناس والشعوب.

وليس بالغريب عن “تربة البلد” النابتة فيها والمنتسبة إليها الكثير من الأساطير الأمازيغية، التي عدت أساطير يونانية ورومانية. وحسْبُ المقال الإشارة في هذا المقام إلى جدلية مؤسفة أو معادلة غير منصفة بين من يعطي الكثير ويأخذ القليل وبالعكس ثمة من يعطي القليل ويأخذ الكثير، و”تلك إذن قسمة ضيزى” و”إن هي إلا أسماء” و”إن يتّبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس” _ سورة النّجمِ_ و”لا تقسمِ الضّيزى كقسمة معشر، نصبوا موازين الفواضل ميلا” على قول الشاعر ابن الرومي، كذلك كان مآل تراث شعوب كثيرة  من أساطير الأولين والآخرين، كنصيب الأمازيغ الوفير والغزير من عطاء الأساطير ولكن حظهم من نسبتها إليهم وتسجيلها باسمهم كان ضئيلا وقليلا جميلا، لطابعها الشفاهي، وما رافقها من غياب المعابد والمدونات لآلهتهم الوثنية أو لقلتها وما لحقها من تشويه وتحريف ومحو وطمس عن عمد وسبق إصرار من أخابير وتواريخ  ظلت دهرا طويلا. تملى بكرة وأصيلا.

2

ومن الممكن الصعب التمييز الدقيق بين الأصيل والدخيل من أساطير الأولين وأخابير الآخرين، المتبادلة التأثير والأخذ والعطاء.

 ومع ذاك، حافظت ذاكرة الثقافةِ الشعبية والطبيعةِ الأمِّ، والفنِّ الصخري والنقوشِ والرسومِ والوشومِ على متن كهوفها ومغاراتها وأقدم تاريخانيتها وموسوعتها التراثية ودائرة معارفها  الميثية، التي لم يبق منها صامدا خالدا على مدى الدهر الغشوم ومر العصور وجور العهود سوى قليل جميل من كثير غزير، رغم ما تعرضت له حتى هنا والآن من محاولات محو ذاكرتها وطمس هويتها ومعالم آثارها واجتثاث تراث عقلها الجمعي ومن حملات نقلها وتهجيرها من جغرافيتها ودمجها في ثقافات وأساطير شعوب أخرى، يونانية ورومانية،  وأما الباقيات الصالحات والصامدات منها في “تربة البلد” الأصلي، فقد نزعت عنها ألوهيتها وتحولت إلى مجرد محكي شعبي شفوي ومروي خرافي، مزوغي وعروبي، و”حجايات” على لسان تعريبي وتخريبي هجين، لا شرقي ولا غربي.                 

 وعن تلك الموسوعة التراثية والدائرة الواسعة المعارف الميثية الأمازيغية يحكي ويروي الكثير جدا من أساطير الأمازيغ على لسان أبي التاريخ _أو الأكاذيب_  هيرودوت صاحب القول الشهير أو المنسوب إليه: “مصر هبة النيل” و”من ليبيا دائما يأتي الجديد” المقصود به الرصيد الثقافي والحضاري والأسطوري الثري والفني الغني لجميع أمازيغ الشمال الإفريقي أو المغرب الكبير.

ومن أشهر تلك الأساطير آلهة الأمازيغ حامية الأرض وحارسة السماء، على سبيل الذكر، رب البحر، بوصيدون، الأمازيغي الأصل والاسم، بشهادة هيرودوت، وما من شعب عرف عبادته في سالف العصر والزمان قبل الشعب الليبي الذي يعني به كل سكان الشمال الإفريقي. وانتقل عن طريق الأمازيغ إلى بلاد الإغريق. وفي القرن 5 ق. م. حين وصل القرطاجيون، بقيادة الرحالة البحار حانون القرطاجي، إلى سواحل المغرب، بنوا معبدا لبوصيدون في موقع المنارة الشهيرة باسم الكاب أو كاب كنتان الذي يعتقد أنه كان مدينة  تيغالين الغارقة في المحيط الأطلسي.

 وبوصيدون رب أسرة أسطورية كاملة، فهو زوج غايا إلهة الطبيعة والأرض، وله بنت أمازيغية، باسم تانيت، إلهة الحب والخصب، هي ذاتها ابنته أثينا الأمازيغية ثانيت الليبية الإفريقية ربة الحكمة والحرب، التي ترتدي الزيّ الأمازيغي الجميل، كما يؤكد أفلاطون أنها نيت الأمازيغية، هذه المعبودة المصرية باسم نيت أيضا.

 وبوصيدون أبو أطلس، الجبال والمحيط والإله، الذي عاقبه الرب آمون زيوس بحمل قبة السماء على كتفيه. وقد طلب منه هرقل مساعدته  في بحثه عن تفاحات الهيسبيريديس الذهبية، فوافق أطلس على إحضارها إليه إن استطاع هرقل حمل السماء عنه ريثما يأتي بها. فحملها عاليا. غير أن أطلس لما قتل الأفعوان وحصل على التفاحات أبى أن يعطيه إياها مقترحا تسليمها بنفسه. فتوسل إليه هرقل أن يريحه قليلا من حمله حتى يحضر وسادة تقي كتفيه. وحين تبادلا مكانيهما خطف هرقل التفاحات وولى هاربا.

 وبوصيدون أيضا هو أبو البطل الأسطوري الأمازيغي أنتايوس أو عنتي، أو أنتي، حامي أرض الأمازيغ، من الغزاة، ومقره بحدائق هيسبيريديس، بالقرب من الليكسوس، حيث كانت هناك شجرة التفاح الذهبي، وهو هدية ربة الأرض الأم غايا أو جايا الأمازيغية للإلهة هيرا بمناسبة زواجها من كبير الآلهة زيوس آمون. ولكن عنتي ليس إلها بل كان نصف إله أو  ملكا أو حاكما نسجت حوله الأساطير، إذ يحمي شعبه من أعدائه الذين يقطع رؤوسهم ويبني بجماجمهم معبدا لأبيه بوصيدون. وطنجة الربة الأمازيغية تينجا أو تينجيس أو طنجيس، هي زوجة عنتي، البطل الأسطوري الذي تحدى هرقل الإغريقي، عند عودته بالتفاح الذهبي. وبعد صراع أسطوري طويل بين العملاقين انتصر البطل الإغريقي هرقل على البطل الأمازيغي عنتي، الذي توجد مقبرته في قرية مزوارة بالقرب من طنجة. واتخذ هرقل تينجبس رفيقة له بعد القضاء على زوجها أنتي أو أنتايوس.

ومن هذه السلالة الأسطورية صاحب القداسة العظيم  الرب الشهير باسم آمون الأمازيغي، الذي يرمز له برأس الكبش، وهو نفسه رب أرباب الأوليمب زيوس أمون برأس الكبش وقرنيه، وقد أدمج أيضا في آمون رع الإله المصري. وهو “بوجلود” و”بو سبع بطاين” و”كبش” العيد الكبير.

وكل ذلك وغيره كثير جدا إنما يدل من جهة أولى على الصراع الواقعي، الأمازيغي الإغريقي والروماني مثلا، ومن واجهة أخرى على التثاقف والتعارف بين القبائل والشعوب.

وإلى جانب آلهة أخرى، كثيرة، جديرة بالحياة والخلود في أعمال إبداعية عالمية عظيمة بعيون “النصارى اليهود” نيابة عن جحود أهاليها أعاديها على مثال ومنوال حاميها حراميها، الذين كفروها وأقبروها وأسكنوها هوة اللحود، والباقيات الصالحات الصامدات  منها حرفوها وشوهوها وأسلموها وحسن إسلامها وأبلت البلاء الحسن في مواسم الجفاف، وربطوها بالجمعة المباركة والأضرحة والأولياء، وجعلوها “خرايف وحجّايات” لتنويم الأطفال وإخافتهم أو لإغواء واغتيال الرجال.

كإلهة الرعب “لاميا” الأمازيغية الأفريقية على هيأة وجه امرأة وذيل ثعبان، تتغذى بدماء القلوب، ولهذا فهي “الوجه الأول لمصاصي الدماء” كما تقول قصيدة “لاميا” للشاعر الإنجليزي جون كيتس. ومثلها ربة أو ملكة الأقدار، “تيرييل” المرأة المستقلة، الكاملة، والأم الغولة المخيفة، التي ولدت جميع الأغوال والغولات، بعد أن أكلت أوراقا ذهبية من شجرة عجيبة. ولا يقل عنها رعبا إله القوى المتوحشة “أغورزيل” الذي يمثَّل على شكل رأس ثور، مثل كثير من الفزاعات المرعبات.

ويكاد يجمع كُتّاب الإغريق على أن “ميدوزا” الشهيرة بتحويل من يرى وجهها وعينيها إلى حجر وهي ربة الحكمة والثعابين وإحدى الأمازونيات الأمازيغيات، الجميلة، التي مارست الحب مع رب البحر الأمازيغي بوصيدون في معبد ابنته أثينا الأمازيغية ثانيت، مما أثار غضبها عليها فحولتها إلى امرأة بشعة وشعرها إلى ثعابين ولما قطع رأسها بّيرسيوس جرت دماؤها ثعابين في الشمال الإفريقي.

وأجمل من تلك ربة النار “إفريت” أو “إفري” التي يشير اسمها إلى الكهف، وتبرز في النقود وترمز لحماية الديار، وقد أطلق اسمها أول الأمر على قرطاج تونس قبل أن يشمل كل إفريقيا الكبرى.

 ومن تلك السلالة الأسطورية الجميلة “تيسليت أنزار_ عروس إله المطر” ورب السماء وكل منابع الماء. وهي دمية “تاغنجة” في طواف وطقوس الاستمطار والاستسقاء، تماما مثل “ماطا” mata  مآتة ma’ata عروس بني عروس في موسم أربعاء عياشة، تحولت إلى دمية العروس المتنافس عليها الفرسان، وقد كانت تمثل موسم الحصاد وأي عمل “تويزي” تعاوني وكان ظهورها الأول باسم خيال المآتة Ma’ata أو فزاعة الطيور في مصر القديمة قبل ثلاثة آلاف عام.

ومن أروع الإبداعات المستمدة من التراث الأسطوري الأمازيغي، المقاوم باستمرار الحياة للبقاء على قيد الوجود، رغم جحود الأعادي وعوادي الزمان، أغنية الفنان الأمازيغي الراحل إيدير: “أفَافَا إينُوفَا” a vava inouva”يا أبي إينُوفَا” التي نال عنها شهرة عالمية، وهي تحكي قصة الفتاة “غْريبَا” وإخوتها الصغار وأبيها العجوز “إينوفَا” المتردِّدِ في فتح الباب لها خوفا من وحش الغابة. ولا تقل عنها روعة أغنية الفنان الأمازيغي الراحل ميكسا عبد القادر “أنْزار” المستمدة أيضا من أسطورة “تيسليت” عروس إله المطر “أنزار”.

وعن مثل هذا الجمال الأسطوري الأمازيغي، تساءل فيلسوف الحداثة الكبير الدكتور محمد سبيلا عن الأسطورة في الشعر المغربي الحديث فوجد منها نصوصا وشخوصا حية في ديوان “رماد هيسبيريس” للشاعر محمد الخمار الكنوني وديوان _لي_ بعنوان “مغارة الريح”.

وقد كان لي شرف استضافة الكثير من رموز الثقافة والأساطير، الأمازيغية الأصل، ومما قبلها أو بعدها، في مجاميع عديدة، على سبيل البحث فيها عنها والنظر إليها بعيون الاحتفال والجمال والاحتفاء والوفاء، كديوان “مغارة الريح” وديوان “غمة الكمامة” الصادر عن دار “سوماغرام” وديوان “تانّيرتْ، ألواح أمازيغية” الصادر عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وديوان مزدوج العنوان الأمازيغي العربي “عروس إله المطر_ تيسليت أنزار” صادر عن “دار فضاءات” بعمّان. وعلى ظهر غلاف هذا الديوان المقطع التالي:

سنونوة النهرِ،

عاشقة الماءِ،

تيسليت أنزار

يا ربةَ المطرِ!

..

كفْكفِي واذْرفِي دمْ_ عَ عَينيكِ

تحلّيْ بقوس قُزَحْ

وطوفِي وزفِّي عذارَى القُرَى

واغْمري كلّ أعشاشِها بالفَرَحْ!

بقلم: إدريس الملياني

Top