هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب تعلن انتهاء جلسات الاستماع

أعلنت الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة بالمغرب عن انتهاء جلسات الاستماع إلى مختلف الفاعلين، بخصوص مشروع تعديل المدونة، وكشفت أنها ستنكب خلال الفترة القادمة على تدارس المقترحات التي قدمت والتداول بشأنها، في أفق رفع التوصيات إلى الملك محمد السادس قبل متم أجل ستة أشهر المحدد لنهاية أشغال الهيئة.

حصيلة جلسات الاستماع

بحسب الإحصائيات التي قدّمتها الهيئة، فقد تم تنظيم 130 جلسة استماع، خلال الفترة الممتدة من فاتح نوفمبر الى 27 ديسمبر من سنة 2023. وقد عرفت هذه الجلسات تقديم مذكرات لأزيد من 1000 جمعية وتنسيق، الى جانب أحزاب الأغلبية والمعارضة، والنقابات، و8 هيئات مهنية، و12 مركزا بحثيا، وعدد من المؤسسات والهيئات والقطاعات الحكومية، وخبراء لهم علاقة بمدونة الأسرة.
وتمت عملية الاستماع بحضور كل من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، ووزير العدل، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والأمين العام للمجلس العلمي، ووزيرة الأسرة، وهي الجهات المكلّفة بموجب الرسالة الملكية المتعلقة بمراجعة مدونة الأسرة.
وأكد رئيس النيابة العامة الحسن الداكي في هذا السياق أن ” الهيئة اليوم على موعد في إطار مداولاتها لتحليل ودراسة كل المقترحات التي وردت في مختلف جلسات الاستماع أو المذكرات المكتوبة”، مشيرا إلى أن الهدف هو ” ايجاد حلول للاختلالات التي عرفتها المدونة الحالية في التطبيق، وكل ما يخدم تقوية واستقرار دور الأسرة في مجتمع سليم”، مبرزا أنه “سيتم الانكباب على إعداد المخرجات انطلاقا من المداولات التي تتلو مباشرة محاضر الاستماع، ثم رفع التوصيات إلى الملك”.

رفع سقف التوقعات من مشروع تعديل مدونة الأسرة

أكّدت حنان رحاب، الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات أن اللجنة ” نجحت في المرحلة الأولى في إعمال المقاربة التشاركية، التي هي طريق آمن نحو مدونة منصفة تحظى بأوسع حظ من الإجماع الوطني، الذي يجنبنا محاذير تحول النقاش العمومي حول المدونة إلى استقطابات هوياتية أو إيديولوجية”. وأضافت أن “الرهان الأساسي من عملية الاستماع هو أن تتوفر اللجنة على بنك معطيات حول أهم القضايا التي تحظى بالأولوية، والتي تستوجب التعديل، سواء بسحب بنود أو تعديلها أو تقييدها”.
من جهته، قال الكاتب والحقوقي المغربي، أحمد عصيد، إن الغرض من النقاش المجتمعي بخصوص مراجعة مدونة الأسرة ليس هو الصراع بين المرجعيات كما يتم تسويق ذلك إعلاميا وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما الغرض الأساسي من هذا النقاش هو رفع الظلم وإحقاق العدل والكرامة للجميع، رجالا ونساء وأطفالا، معتبرا أن فتح الباب أمام الباحثين لمراجعة المدونة إلى جانب المؤسسات الستة، أمر مهم، مبرزا أن إصلاح المدونة ليس مهمة الفقهاء ورجال الدين وحدهم، بل هي أيضا مهمة السياسيين والسوسيولوجيين والباحثين والقانونيين والقضاة والحقوقيين وغيرهم.

ملاحظات حول عملية المشاورات

تمت عملية الاستماع وفق نفس المنهجية المعتمدة في المشاورات السابقة التي عرفها المغرب في استحقاقات هامة أخرى مثل مراجعة الدستور، أو إعداد نموذج تنموي جديد، إلا أنه يلاحظ أن رئاسة الهيئة يتولاها مداورة أحد مكوّنات لجنة الإشراف الثلاثية وهم وزير العدل والرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة، بمعدل شهر لكل منهم. وقد تمت عملية الاستماع بحضور مكونات اللجنة السداسية التي تضم أيضا رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى ووزيرة التضامن.
كان لافتا أن الهيئة استمعت الى آراء تمثل مختلف التياراتت الفكرية والسياسية والحقوقية، والتي ترك لها المجال لتقديم آرائها شفويا أو بشكل مكتوب. كما تمّ فتح المجال لتقديم مذكّرات عبر المنصة الرقمية للهيئة، وفي هذا الإطار، تمّ استقبال مذكرات عن تنظيمات لم تكتسب الطابع القانوني، مثل تنسيقية المسيحيين المغاربة، وجماعة العدل والإحسان.
اختارت الجمعيات النسائية الحداثية الاصطفاف في ائتلافات. وبرزت في هذا السياق 3 ائتلافات كبرى للجمعيات النسائية، الأول انطلق من الرباط وهو التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة، يضم 31 جمعية، أبرزها الجمعيات النسائية العريقة، والثاني انطلق من الدار البيضاء وهو الائتلاف النسائي من أجل مدونة أسرة قائمة على المساواة والكرامة،
يضم 17 جمعية، الى جانب ائتلاف جهوي واحد وهودينامية المساواة بدون تحفظ بجهة طنجة تطوان الحسيمة، وتضم 27 جمعية. أما الجمعيات ذات المرجعية الإسلامية، فقد قدمت مذكّرة باسم ائتلاف منتدى الزهراء الذي يضمّ في عضويته 130 جمعية.
استمعت الهيئة أيضا لعدد من الجمعيات التي تعنى بحقوق الرجال و بحقوق الآباء والتي قدمت مطالب تتعلق بتعديل نظام الزيارة وصلة الرحم وحضانة الأبناء والنفقة.
عرفت عملية الاستماع تقديم عدد من الهيئات لمذكراتها بما فيها الهيئات التي تشرف على ملف تعديل المدونة، ومنها المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة التضامن، فيما لم يقدم كل من المجلس العلمي ووزارة العدل مذكراتهما.
على مستوى القضايا التي شكلت محور المشاورات، يلاحظ وجود اتفاق حول عدد من القضايا مثل الحضانة والوساطة غير القضائية، مع بروز خلاف حول قضايا أخرى مثل وقضايا الإرث والوصية، ونسب الأطفال المزدادين خارج إطار مؤسسة الزواج، بالإضافة إلى مسائل تزويج الطفلات، والنيابة القانونية على الأبناء، واختلاف الدين في الزواج.
على عكس لجنة 2001 – 2003 المكلفة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية، والتي عرفت نقاشا محتشما حول تعديل نظام الإرث، فإن عمليات الاستماع لسنة 2023 عرفت بروز مطلب تعديل نظام الإرث بشكل لافت سواء من خلال مذكرات ائتلافات الجمعيات النسائية الحداثية أو الأحزاب أو الهيئات، وبرزت في هذا السياق مقترحات متعددة بين الدعوة الى إقرارمساواة تامة بين الجنسين، أو الاقتصار على مبدأ التدرج التشريعي بإعطاء مجال أوسع للوصية، وبإقرار نظام الرد لفائدة البنات في حال عدم وجود أخوة ذكور تخفيفا من الإشكالات الإجتماعية الذي يخلقها نظام التعصيب.
شكل موضوع نسب الأطفال المزدادين خارج إطار الزواج، أحد المواضيع المطروحة بقوة ضمن جلسات الاستماع، حيث تم الاجماع على وجود مشكل في النصوص القانونية الحالية التي تحمل الأمهات العازبات وحدها مسؤولية الابن الطبيعي. و برز توجهان، الأول يدعو الى حماية حقّ الطفل في النسب بغضّ النظر عن الوضعية العائلية للأبوين، وترتيب كافة الآثار القانونية، اعتمادا على نتائج الخبرة الجينية، وهو موقف الجمعيات النسائية ومجلس حقوق الإنسان، بل وهو موقف تبنّته أيضا جمعيات ذات المرجعية الإسلامية، وتيار يدعو الى ترتيب حقوق للطفل الطبيعي في إطار قواعد المسؤولية المدنية.
اعتمدت غالبية المذكرات التي قدمت للجنة على سندات ترافع متعددة. فإلى جانب الحجج القانونية والحقوقية والدينية، تم الاستناد على التطورات المجتمعية والتي طرحت إشكاليات جديدة من قبيل تطور هجرات المغاربة إلى الخارج، والتي أصبحت مؤنثة، بعدما كانت سابقا من طرف أرباب الأسر أو عائلاتهم في إطار التجمع العائلي، وتطور طبيعة الهجرات التي يعرفها المغرب وتحوله التدريحي من بلد مرور الى بلد إقامة، وهو ما يطرح إشكالات الزواج المدني والزواج مع اختلاف الدين وتنازع القوانين، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتي تتمثل في ارتفاع نسب مساهمة النساء في إعالة الأسر، وبروز أشكال متعددة من الأسرة من بينها الأسر التي تقودها نساء أرامل أو مطلقات أو عازبات.
تجدر الإشارة الى أنه وبالرغم من الإعلان عن وجود منصة رسمية لتلقي المذكرات المقدمة لهيئة مراجعة مدونة الأسرة، إلا أن هذه المذكرات لم تنشر إلى حد الآن بشكل رسمي للعموم في موقع الهيئة.

Top