ضمن أشغال الندوة الافتراضية التي نظمتها مؤخرا جمعية “إنسان للبيئة والتنمية” (لبنان) والشبكة العربية للبيئة والتنمية “رائد”، في سياق الاستعداد لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ (كوب 28)، والمرتقب عقدها في دبي قيل نهاية العام الجاري، شارك الناشط البيئي والكاتب الصحفي حول قضايا البيئة، الأستاذ محمد التفرواتي، بعرض حول دور ومسؤولية الإعلام البيئي في المجتمع، في زمن أزمة التغير المناخي، وفيما يلي نص هذه المداخلة.
يعد الإعلام البيئي أفضل وسيلة لنشر الوعي حول تغير المناخ. والمجتمع الواعي هو أفضل سلاح ضد تغير المناخ، وهذا هو المكان الذي يلعب فيه الإعلاميون البيئيون دورا حاسما. يقومون بالإبلاغ ورفع الوعي بين الناس.
في الديمقراطيات الحديثة تحتاج السلطة العامة إلى إجماع الرأي العام لإصدار سياساتها. والسياسات المتعلقة بالاستدامة ليست استثناء. كمجتمع لا يمكن للسياسات البيئية أن تتقدم إلا إذا كان الناس على دراية بصحة الكوكب الذي نعيش فيه، والتنمية باستدامة، ومكافحة تغير المناخ.
إن الإعلام البيئي يشمل إثارة النقاش حول القضايا المتعلقة بالمناخ والترويج بين الرأي العام. وتشجيع الموافقة على السياسات العامة البيئية وتطويرها، فضلا عن التوعية والتحسيس وإيقاظ الهمم في المجتمع.
هناك إشكالية التعامل مع تغيير المناخ، إذ ما زال لا يتم تعامل معه بشكل عام على أنه قضية منهجية، من قبل وسائل الإعلام. على عكس الاقتصاد الذي يمتد عبر العديد من الإيقاعات الإخبارية، حيث يتم التعامل مع تغير المناخ كموضوع منفصل بدلا من موضوع يشمل ويتقاطع مع جميع الموضوعات .
الكل يعلم أنه مع تغير المناخ يميل الناس إلى أخذ أخبارهم من وسائل إعلام، من حيث مقدار التناول ومحتوى وتيرة تلك التغطية. ومع ذلك فإن التغطية الإعلامية بشأن تغير المناخ وخصائصه وعواقبه يعد عنصرا أساسيا للمجتمع لاتخاذ قرارات مدروسة ومسؤولة في مواجهة إشكالية المناخ.
إننا أمام ظاهرة معقدة. يتطلب فهمها امتلاك أفضل المعرفة العلمية، وفي الوقت نفسه القدرة على نقلها إلى المجتمع ككل بطريقة مفهومة. وعليه فإن دور وسائل الإعلام يأخذ أهمية كبيرة ليس فقط من منظور كمي كمقدار ما يتم الإبلاغ عنه، ولكن أيضا، وقبل كل شيء، بمنظور نوعي، أي كيف يتم الإبلاغ عنه؟
يجب التواصل مع العلماء وتقريبهم من الإعلام وإخراج الباحث من محرابه العلمي. وتبسيط المعلومة العلمية التي تعكسها البحوث والتقارير المتراكمة حيث تبقى حبيسة النخبة. كما يجب إدماج الإعلامي في مختلف المراحل من المفاوضات وإرهاصات القمم والمؤتمرات ليطلع بعمق على الإشكالية والتفاصيل الدقيقة، ليتسنى له الإبلاغ بإبداع وانطلاقا من فهم دقيق بدل الاقتصار على التغطية الوصفية أو المملاة من خلال البلاغات المتوصل بها، وفق رؤى معينة ودون استقلالية في التحليل..
ووفق تصورات النخبة المتفاوضة حول إشكالية المناخ من الجانبين يبدو الإعلامي ناقل خبر، كـ”ساعي البريد” وليس كشريك تؤخذ بعين الاعتبار تحليلاته وتوصياته التي تشكلت لديه من تجربة خاصة ومهارات مكتسبة عبر مباشرته للملفات المناخية من زوايا مختلفة ورؤى مستقلة. لا تتأثر بالمحيط و اللوبيات والضغوط، بل تنطلق من كيان له رهاناته وخصوصياته، و كفاعل مثل باقي الفاعلين غايته حفظ البيئة العامة والاستدامة وإنقاذ الكوكب الذي نتقاسم موارده جميعا .
يجب أن لا يحجب عن الاعلام البيئي خبايا وكواليس المفاوضات وتلقي المعلومة ومخرجات مختلف القمم والمؤتمرات المراد إشاعتها وتعتيم الاخرى، أو التكتم عن التجاذبات، إلا ما يتسرب، لخلفيات سياسية واقتصادية مدمرة بدعوى عدم التهويل وإثارة الرعب لدى الراي العام.
إن كميات ونوعية المقالات المتعلقة بتغير المناخ في وسائل الاعلام بالمناطق الحضرية تتزايد لكن لا توجد في المجتمعات المحلية والقرى الفقيرة، إذا يجب أن يكون للإعلام فهم أساسي للنقاش الدائر حول تغير المناخ وإلا سيكون من المخاطرة الإبلاغ عن معلومات غير دقيقة للجمهور أو خاطئة.
وأسوق هنا مثالا من حيث مدلول اختيار المصطلحات مثل مصطلح “تغير المناخ” الذي يستخدم لسنوات عديدة ثم يظهر أيضا “كارثة المناخ”، ويوصف كذلك بالاحتباس الحراري في بعض المنشورات. ويبقى مصطلح “تغير مناخ” مفهوما مكتسبا.
وأفتح القوس هنا حول مصطلحي “كارثة المناخ” بدل “تغير المناخ”، مشيرا أنه منذ عدة سنوات ذهبت الحكومات ووسائل الاعلام إلى إرجاع جميع الظواهر الجوية المتطرفة والضارة إلى ما يسمى “تغير المناخ”، سواء كان ذلك سقوط الأمطار أو الثلوج أو ارتفاع درجة الحرارة. فإن كل الظواهر الجوية البسيطة والمعروفة والمتوقعة تنسبها الحكومات الرسمية وإعلامها الى التغير المناخي. لذا فان موجة الحر الحالية ليست استثناء بل على العكس من ذلك فهي يساهم في إعادة تسمية “تغير المناخ” من قبل وسائل الاعلام ب”الكارثة المناخية”. وأغلق القوس لأضيف أنه سيكون من الجيد توسيع نطاق المفردات المناخية لكي تكون هناك أسباب للاحتفاظ بالمصطلحات المألوفة. قد ندعو الى التوقف عن استخدام مصطلح “تغير المناخ” لأنه “تافه”، لكن قد تكون وجهة نظر عملية اذا أردنا الوصول الى جمهور كبير لكونه متداولا ومعتاد عليه.
هل تغير المناخ هو المصطلح الصحيح عندما نتحدث في وسائل الاعلام عن ارتفاع متوسط درجه الحرارة على الأرض باستمرار؟ إنه غالبا ما يستخدم مصطلح “تغير المناخ” وهذا ليس خطأ ولكنه يقلل من أهمية الأمر أيضا. إذا يمكن استبداله بـ”أزمة المناخ” كي ننصف فقدان الموارد الطبيعية والعواقب المناخية.
أول عائق إذا يواجه الإعلامي إشكالية دلالة المصطلحات مثل تغير، أزمة، أو كارثة المناخ؟ أي كلمات نختار لتناول الإشكالية؟ هل كل منبر أو مقاولة إعلامية ستخصص معجمها الخاص؟ هل أزمة او تغير؟ هل طقس أو مناخ؟ هل نواجه أزمة أو تغييرا في المجتمع؟ ثم هل نميز بين معنى تكيف وتأقلم؟
الإعلاميون في الواجهة هم مدعوون لتغطية القضية المهمة من خلال إنشاء رابط حيوي بين العلم والمواطنين خصوصا وأن تغير المناخ هو قضية اليوم وسيظل في مقدمة اهتمامات الإعلاميين.
لقد اتفق العلماء بأغلبيتهم الساحقة منذ البداية أن “تغير المناخ” هو من أصل بشري وله آثار مستقبلية خطيرة، ولكن بعض الصحفيين قدموا وجهات نظر متضاربة، إما انهم أرادوا أن يكونوا منصفين او لأنهم تعرضوا لضغوط سياسية، او بسبب طبيعة النظام الاعلامي التعددي.
يبقى الإعلامي بين المطرقة والسندان. على المستوى ذاتي، الإعلامي بحاجة إلى التعرف على عوامل تكوين مناخ الكوكب، وعن نظرية التنظيم الحيوي للبيئة، وعن الحدود البيئية التي يجب الالتزام بها باسم الحفاظ على الحياة !
باختصار، يواجه الصحفيون الذين يريدون تكريس أنفسهم للصحافة البيئية مهمة شاقة تتمثل في التعليم الذاتي.
يجب على الصحفيين البيئيين تعليم المواطنين الاهتمام بالتهديد الذي يهدد الحياة. ويجب أن يسمعوا! ولهذا السبب، فإنهم يواجهون مهمة لا تقل أهمية، ليس فقط إنشاء محتوى بيئي ومناخي، ولكن أيضا الترويج له على منصات الوسائط والمعلومات المختلفة.
تتضمن خصوصية الصحافة البيئية، بالإضافة إلى توفير المعرفة والمهارات اللازمة للتحرير، الرغبة المستمرة في تطوير القدرات على رؤية شاملة وفردية لواقع الحياة والقدرة على تحويل المعلومات البيئية إلى منتج إبداعي.
يجب أن يكون لدى الصحفي البيئي قاموس للمصطلحات البيئية الخاصة، وفهم جوهر المشكلة، وتبسيط وتصور المعلومات التقنية، والرجوع إلى مصادر المعلومات وتقديم الحلول الممكنة للمشكلة، ليس من نفسه، ولكن من خلال الخبراء، وتقديم عدة وجهات نظر على هذه المشكلة، مع الأخذ في الاعتبار قرائه، كي لا يضيع صوت المواطنين رغم أنه محفوظ على شبكات التواصل الاجتماعي.
من المهم اليوم تطوير التعاون بين الزملاء في الإعلام، مما سيسمح بالتفاعل مع القنوات/المواقع الجديدة ومع المدونين البيئيين. ومن المهم أيضا تطوير الاتصالات مع مجتمع الخبراء، مما سيسمح للصحفي البيئي بمواكبة التطورات والتركيز بشكل صحيح على اختيار المحتوى والأساليب وأشكال تقديم المعلومات البيئية.
يشير الخبراء إلى زيادة مذهلة في الاهتمام بما يسمى “الموضوعات الخضراء”. يتم إنشاء المحتوى الإعلامي اليوم بالإضافة إلى وسائل الإعلام من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية، ومجتمع الخبراء، والمنظمات الاجتماعية والسياسية، وما إلى ذلك. وعلى هذه الخلفية، هناك الكثير من الأخبار الكاذبة. ولذلك، فإن غرض الصحفي البيئي هو تعليم المستهلك تدفق المعلومات هذا “لفصل اللب عن القشر”. وهذا يفرض المزيد من المتطلبات على الصحافة البيئية، التي تؤدي وظائف إعلامية وتعليمية وتنظيمية ورقابية. وعليه يجب أن نزيد من شحن أقلامنا بقيم أساسية مفعمة باستدامة التنمية والتحرك نحو التحول البيئي العادل.
> محمد التفراوتي