عام على زلزال الحوز…

يوم أمس، مر عام كامل على مأساة زلزال الحوز، وعادت أحاديث وذكريات ذلك إلى الجميع، واستحضر الكل تفاصيل الفاجعة التي اهتز لها المغرب يوم ثامن شتنبر 2023، والزلزال الذي بلغت قوته سبع درجات، وشمل مناطق مراكش والحوز وشيشاوة وورزازات وتارودانت، ورجعت للبال صور التضامن الشعبي المغربي التلقائي مع الضحايا والمناطق المتضررة، وتذكر الناس الصندوق الذي أعلن عن انشائه والتبرعات التي ساهم بها المغاربة والميزانيات التي أعلن عن رصدها والمساعدات الخارجية، وكل ما قيل حينها عن مخططات إعادة الإعمار والتكفل بسكان المناطق المتضررة…

بعد مضي عام بأكمله، ما تزال اليوم العديد من الأسر في مناطق الزلزال تعيش في الخيام، وآثار الفاجعة بادية في الأمكنة والمحيط وعلى وجوه الناس وفي حياتهم اليومية، ويؤكد الكثيرون أن عملية الإعمار والبناء والتأهيل تسير ببطء شديد، وتغيب عنها السرعة والتعبئة والجدية، ولا تستحضر عمق وروح توجيهات جلالة الملك ذات الصلة.

ليس المقام هنا اليوم منصة مزايدات شعبوية أو تسجيل أهداف في مرمى الحكومة والسلطات، لأن الأمر يتعلق بضحايا زلزال مدمر ويجب إنقاذهم، وأن يتعبأ الجميع ويساهم في ذلك بروح وطنية صادقة، ولكن، في نفس الوقت، من غير المقبول أن يستمر الناس في العيش تحت الخيام ونسمع الخطاب الحكومي يوزع الرضى، ويعرض معطيات غير دقيقة ولا علاقة لها بما هو موجود على الأرض، أو ما تورده تقارير ميدانية مختلفة.

من الاختلالات الكبيرة والفاضحة يرصد المعنيون التجاوزات المسجلة في توزيع الدعم والمساعدات المادية، ثم أيضا في تصاميم إعادة البناء، وهنا نسجل مخالفات صريحة لتوجيهات جلالة الملك على هذا المستوى، وهو ما يطرح السؤال عن السبب والغاية، وأيضا عن دور لوبيات الفساد وأباطرة العقار، والحاجة اليوم إلى تحقيق جدي ونزيه بهذا الشأن.

وانطلاقا من تقارير الخبراء ومنظمات المجتمع المدني وشكاوى المتضررين، يتبين أن الحكومة فضلت المقاربة البيروقراطية الفوقية وأغفلت التواصل مع الناس، وأيضا استحضار توجيهات جلالة الملك.

الزلزال المدمر لم يودي فقط بحياة الناس، ولكنه كشف عن حجم ما تعيش عليه المناطق من تهميش وعزلة، وتسبب في خراب البيوت والممتلكات وأنشطة الزراعة والرعي وموجبات الحياة والاستقرار، وكان من الواجب أن تقوم مخططات إعادة الإعمار والبناء والتأهيل على التنسيق والتشاور مع السكان المحليين، ومع جمعيات السكان والمنتخبين والفاعلين الترابيين والمدنيين والسياسيين، وأن تؤخذ المطالب والانتظارات المحلية بعين الإعتبار، وأن تنفذ البرامج ضمن استحضار مقومات الواقع والثقافة المحليين، وأن لا يحتكر الساحة أباطرة الإسمنت والبناء وحدهم، وتترك لهم صلاحيات التنظير والإفتاء والإنجاز بما يخدم جشعهم ومصالحهم وليس مصلحة سكان المناطق المتضررة.

لقد نوه العالم كله بتعبئة المغاربة أثناء الفاجعة وإقبالهم العفوي على التبرع والمساعدة والتطوع، لكن بعد عام على ذلك تفاقمت الأسئلة عما أنجز، وصدم المتابعون لحجم اللادقة الذي تميزت به معطيات الحكومة وخطابها الوردي غير الصحيح وغير الواقعي.

وحتى نعود إلى أيام الزلزال والأسابيع التي تلت ذلك في نفس الفترة من السنة الماضية، ونتذكر تصريحات بعض وزراء الحكومة الحالية، وخصوصا وزيرة القطاع التي كانت تخطب وسط الضحايا، وإمعانهم آنذاك في السيطرة واحتكار الكلام والحضور في الميدان ومنع كل الآخرين من ذلك، ونقارن كل ما قيل ووعد به بما هو حاصل اليوم، ألا يستحق الأمر المحاسبة؟

من وعد الناس؟ من خطب فيهم؟ من وزع الوعود يمينا وشمالا؟ من أشرف على الإنجاز وعلى توزيع الدعم والمساعدات وتصاميم البناء؟ ومن أغفل كل التوجيهات الملكية ذات الصلة بالثقافة المحلية ومراعاة اوضاع السكان وخصوصيات الجبل وشروط البناء وتأهيل المدارس والمستشفيات والطرق وإعادة إحياء الزراعة والرعي والتجارة والأسواق…؟

لقد تجلت هنا كذلك انعدام الكفاءة لدى”حكومة الكفاءات”، وغابت السياسة عن وزرائها وأحزابها، وافتقرت الى التقدير السليم والى القدرة على الإبداع، ولم تستطع تفعيل الحوار مع الناس ومع الفاعلين المحليين والإنصات إليهم وخلق التعبئة وسطهم لإنجاح البرامج.

اليوم، ونحن نتابع ما تعانيه مناطق مجاورة وقريبة من مناطق الزلزال جراء السيول والفيضانات، نقبض على قلوبنا ونفكر في ساكنة الخيام هناك واستمرار معاناتها، ونتطلع أن تغير الحكومة المقاربة والأسلوب، وان تسعى إلى تسريع مسلسلات الإنجاز وتتعامل بجدية أكبر والتزام أقوى، وبحرص على مراعاة المقومات المحلية لإعادة الإعمار والبناء، وتستجيب لانتظار السكان المعنيين، وتنقذهم من جشع لوبيات العقار والطامعين في الغنائم على حساب مآسي الناس البسطاء.

محتات الرقاص
[email protected]

Top