هوس أفلاطوني

ستمضي الأيام سريعاً، ستمر المواقف، ستعبر عتبات الذاكرة دون البقاء داخلها، دون وخزات لآلام بعيدة مرت خلالك ذات يوم وتركت من الأثر ما يكفي.

وذاتُ الشعور يعيد نفسه كل ليلة، الضعف اللحظي يعانق مشانق الذاكرة ويسحقني ببراعة وكأنّ الليل يجيء فقط ليتفقد الأشياء العالقة التي ترفض مغادرتي، نوبات الصمت القاتمة تجتاحني من ذكرى لأخرى ورعشة شفاي تطيل الوقوف أمام أسطول الكلمات الغير واضحة.

أشعر بقلبي يتمدد أكثر كلما كتبت لك، صدقني تزداد رغبتي في الحديث معك كلما اِنتشر سعال الأرق داخل رأسي، كلما ازدادت ثقوب الحياة حولي حيث يتناتر الحب، الدفء  والحياة.

فأشعر باليقظة كلما توهجتْ قناديل المساء فأُصبح تماما كأعواد الثقاب أنتبه للشوارع للنجوم وللأشياء التي لا يفعلها إلاّ السعداء.

بشيء من اللطف.

أتغلب على ظنوني، وأعالج أوهامي بالحكمة، لأخطو بخطى واسعة نحو الأجمل دون أن أنظر للخلف.

 أتعثر بكومة الخذلان على قارعة الليل فأمضي مشتتة الأفكار لا تسعني كل الصفات.

أكترثُ لأعمدة الإنارة، للمهرب الوحيد القابع خلف أشجار التوت وللذكريات الغبراء، من حين لآخر تراودني مؤامرات وأفكار أرغب في تدوينها للأجيال كما أفعل الآن.

بشىء من اللطف…

سيطمئن خوفي، وأدرك أن الحياة أبسط مما أعددت لها، وأن الأيام ستمضي كما كتبها الله لي لا كما أردتها أنا، وسأرضى بما كتب لي أو علي.

ما جدوى أن أعيش كل هذا الزحام ولا أجد روحا تجاورني في صنع نوافذ بيضاء، نوافذ تشبه كبسولة الزمن حيث تنقلنا إلى خيالنا بتذاكر مجانية، حين يتعلق الأمر بمشاعري لا أرغب أن يرافقني أحد غيرك..

فأنتَ لذة البدايات والنهايات وحدك من تحوّل الأشياء البسيطة إلى أشياء عظيمة واللحظات الباردة إلى لحظات دافئة.

 تعرف جيّدا كيف تصنع المتع والضحكات وحدك تجعل الخسائر تغدو انتصارا، لقد كنت دائما صديق الاكتئاب والوحدة رفيق الضيق والعزلة.

بشيء من اللطف..

سأتذكر أعوامك الماضية فأبتسم وأدمع بذات اللحظة، ستكبر ملامحي وتصغر مع الذكريات بمرونة دون تحفظ، سأشعر بأني كبرت كثيرا في لحظة، كما سأشعر في أخرى بأني طفل يستحق الدلال، ستربت على كتف أوجاعي في موقف ما وأخبر نفسي بأنها ستمضي، وأربت على كتف من حولي في أغلب الأحيان قبل أن أمضي.

إني أسمع صوت الحقد والضغائن في قلوب الرفاق، أرى انطفاء الشغف في كل مرّة تتسع لي الأحزان، مهما حاولتُ التمسك بالحياة تتحّين هي الأخرى وترخي قبضتها مني..

بشىء من اللطف..

سأصبح مجرد ذكرى في حياة كل من مررت به، قد أكون الأفضل وقد أكون الأسوأ، قد يرونني بفعلي أو بظنونهم، ولكن على كل حال تلطف مهما يكن، فالطرقات وعرة بما تكفى، والناس منهكون، يكفيك فقط أن تكون خفيفاً لطيفاً كالغيم بعد صيف طويل، مد يديك كلما استطعت، وكف أذاك أينما استطعت.

كنتُ رواية عظيمة أُنجب آلاف الأفكار كمحاولة لإنعاش هذا الشعور الذي يضاهي لحظة الوقوع في حبّ رجل أنيق، رجل يلفظني بعيدا عن هاته الحياة الحائرة، عن مرارة الأيام الكادحة وعن الخيبات التي تنتظرني في آخر الطريق..

فأعتذر لأن الاستمرار في هذا الصراع متعب للغاية

لقد حاولت مرارا أن أكتب لك أشياء مختلفة، أشياء تعبق بالأمل لكني وجدت الأمر صعب جدا

كيف أفعل ذلك وأنا المقتولة السائرة في جنازتي كل يوم ؟

 أتنّقل بين المحطات الباردة لا أحد ينتظرني هناك في آخر الطريق

 أضمد جراحي بيدي لا أستند على أحد..

صدقوني أنّي لا أخشى اِختبارات الحياة وإنما اِقتنعت أن الحياة مجرد هفوة لا تملك القوة لمجابهتنا، في النهاية الإنسان قوي بالفطرة وإلاّ كيف أمكنه الصمود أمام كل هذه الهشاشة ؟

بشيء من اللطف..

ستحتفظ داخل خزانة قلبك بأناس لن تمحو السنون أثرهم مهما طال العمر، ستظل تلبسهم تاج الحب مهما غابوا، ستظل تلقي عليهم السلام رغم المسافات، ستظل تذكرهم بخير كلما أشرقت شمس قلبك أو غابت.

لحظة

أترغب بالرقص معي ؟

عموما سأرقص معك أو دونك لا أستطيع تجاوز رغبتي في الرقص

لا أحبّ عبور أي شعور ينتابني ولم أندم في حياتي على أي تهور قمتُ به، ولا أعتبر نفسي ضيّعت أوقات ثمينة في أشياء لا تستحق، كل شيء عشته كان يستحق أن أعيشه، كل سوء تقدير داهمني كان تجربة أضاف لشخصي الكثير بشىء من اللطف..

ذات التشوهات تتكرر في ساعة متأخرة من الشوق، لا أدري كيف أصبحتُ روحاً فارغة، واسعة مثل السماء وصاقعة مثل حبّات البرد، كنتُ طفلة تحاصرها الأحلام، تُجيد حياكة الفرح بأبسط الأشياء، تثقن تمزيق روايات الحزن، هادئة مثل نُسيمات الفجر واقعة في حب شروق الشمس، كنتُ جزءا من الأيام المبهجة.. أركض بين مسافات الحرية تحتّلني الضحكات، دافئة كقطعة قماش مغزولة من قطن مليئة بالأُنس.

أوصي نفسي وأوصيكم، التمسوا للعالم كل الأعذار وللعالمين كونوا أمناً وسلاماً، لا تعبثوا في تفاصيل ترهقكم، ولا تبحثوا عن أخرى تدينوا بها من حولكم، فالزوايا مختلفة والرؤية تختلف حول مسقط الضوء، ولكل منظور اختلاف…

 إنني أتبدد شيئا فشيئا أشعر أني ألفظ أنفاسي بطريقة ممتعة، روحي متعبة لكنها دافئة، تتآكل لكنها تبتسم، تتمزق لكنها تبدو أنيقة.

أترى ذلك ؟

 أعلم أنك تشعر بي كأني رصاصة تخترق صدرك

وبشىء من اللطف…

اغزلوا من غضب البحر شالات سلام، تبعث الدفء في صقيع الظروف والأيام..

تلطفوا …

فالحياة قصيرة، لذلك ابنوا جسرا من الأحلام تعلوه وقائعكم لا ضير في امتطاء السحاب والتحليق بعيدا لعالم خاص بك يبدأ بحكايتك وتنتهي بتحقيقها في عالمنا.

قبل أن أتهجأ حبّك اللاذع كنت ساطعة مثل الحقيقة، بارعة في ترويض الأيام الصعبة، لا أخشى الظلال ولا أعرف كيف تبدو الكدمات.

واليوم أتساءل ؟

كيف أصبحتَ قبولي الوحيد ؟

كيف تجاوزتُ المحيط و غرقتُ في النهر ؟

كيف لي أن أشتهي هذا الحصار ؟

كيف لرجل غائب أن يجعلني أحرك قطع النرد بكل دقة ؟

كيف له أن يضاجع خيالاتي ويعجن كلماتي ويروض محبرتي ؟

كيف لصعلوك أن يفقأ زفراتي ويحشر نفسه داخل شهقاتي ؟ 

كيف له أن يكون بهذا العنفوان ؟

أورأيتم رجلاً يتشكل من التنهيدات ؟

 من دخان السجائر ومن شهوة الكلمات ؟

إنه هوس أفلاطوني مجبول بذاكرة مكتظة بتفاصيله

هند بومديان

Top