مؤتمر المدن بالرباط

يعتبر انعقاد المؤتمر الرابع لمنظمة المدن والحكومات المحلية في الرباط هذه الأيام، إشارة تقدير لبلادنا، ومناسبة لتقديم صورة المملكة، وإشعاع مميزات مسارها الديمقراطي والتنموي، كما أنه واجهة جديدة للتعريف بالمغرب وبقضاياه وتطلعات شعبه.
لكن في نفس الوقت، فإن تواجد عمداء مئات المدن، وضمنها عواصم عالمية كبيرة، ومدن تتميز بتدبير محلي عالي الجودة والمستوى، يمثل كذلك مناسبة لإجراء المقارنات الضرورية، وللاطلاع على تجارب راكمت الكثير والكثير من المكتسبات.
وإن مؤتمر الرباط يجعلنا اليوم نسائل تجربتنا الجماعية في شموليتها، بدءا من واقع العاصمة نفسها، ثم كبريات المدن، وباقي الجماعات الحضرية والقروية.
كيف احتضنت الرباط أعمال هذا المؤتمر الكبير؟ ما هو حجم ومستوى تجهيزاتها الفندقية والطرقية واللوجيستيكية؟ ما هي الصورة العامة التي قدمتها لزوارها، وهم كلهم متمرسون على الشأن المحلي والتدبيري ويفهمون تفاصيل تفاصيله؟ كيف وجد الزوار طرق العاصمة وشوارعها ومستوى نظافتها وإنارتها العمومية وخدمات النقل فيها والمناطق الخضراء وواقع السكن والتهيئة الحضرية ومختلف شروط عيش الساكنة؟
لقد تحدثت الصحف عن ارتباك لوحظ في التنظيم، خصوصا خلال افتتاح المؤتمر، وجرى الحديث أيضا عن بعض الهفوات المسجلة في التنظيم وتأطير فضاءات المؤتمر من لدن المنظمين المغاربة، وهذا في حد ذاته ما كان يجب أن يحدث بالنظر لتجربة بلادنا في تنظيم المؤتمرات والتظاهرات الدولية، ولكن، مع ذلك، فإن الأهم، هو أن التجارب التي تم الحديث عنها في المؤتمر وضمن مختلف جلساته، نبهتنا إلى ضرورة الانكباب المستعجل والجدي على مختلف جوانب منظومة عملنا الجماعي وسياستنا الانتخابية والتدبيرية والعلائقية ذات الصلة بعمل الجماعات المحلية وعلاقتها بالساكنة.
إن مدننا وجماعاتنا اليوم تحتاج إلى منتخبين من نوعية مختلفة، أي إلى كفاءات سياسية وتدبيرية حقيقية وذات مصداقية وجدية، وهي لم تعد قادرة على تحمل عشوائية وريع وفساد «الشناقة» وسماسرة الانتخابات، الذين يتحولون عقب كل استحقاق إلى عمداء ورؤساء ومستشارين و»أعيان»، وتبقى المدن ومختلف الجماعات الترابية تعيش في بؤسها، وتعاني من جهل هؤلاء المنتخبين عديمي المصداقية الأخلاقية والسياسية.
عندما يقام مؤتمر، مثل المنعقد حاليا في الرباط، فإن المغرب لا يستحق أن يمثل ببعض «الشناقة» المنتشرين في كثير من جماعاتنا، ويتاح لهم حق الجلوس في مواجهة عمداء عواصم مثل: باريس ولندن وغيرهما.
ليس في الكلام هنا أي طبيعة إطلاقية، ونحن لا ننفي وجود منتخبين بمستويات معرفية وسياسية وتدبيرية جيدة، لكنهم قليلون، وفي الغالب تكون الصورة الطاغية هي صورة الكائنات التي أفرزها المال الحرام والفساد والريع.
وعندما تعرض في المؤتمر تجارب دولية رائدة لها صلة بالديمقراطية المشاركاتية، وبالخدمات المحلية المقدمة من لدن الجماعات للساكنة، وعندما يطلع المؤتمرون على صورة المدن الحديثة في عالم اليوم، وكيف يتم تسييرها، فهنا على كثير من منتخبينا أن يخجلوا فعلا، أو يصمتوا.
ولهذا، فإن المناسبة تحتم اليوم الالتفات بجدية وعمق إلى كامل المنظومة الانتخابية المحلية، وإلى الإطار التدبيري والتمويلي والرقابي العام المرتبط بعمل الجماعات المحلية وعلاقتها بالساكنة وبمحيطها المجتمعي.
هذا هو درس مؤتمر الرباط، فهل نتعلم؟
[email protected]

Top