الرشوة في التعليم

عرضت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبارنسي المغرب) مؤخرا مضامين تقرير دولي، هو الأول من نوعه، حول الرشوة في قطاع التربية والتعليم. وكشفت، من خلال ذلك، على عديد اختلالات مستشرية في المنظومة التربوية، بما في ذلك عندنا هنا في المغرب.
إن التأمل فيما أورده هذا التقرير، واستحضار ما تضمنه الخطاب الأخير لجلالة الملك حول المسألة التعليمية في بلادنا، بالإضافة إلى كل ما حملته تقارير ودراسات ومذكرات في السنوات الأخيرة، أنجزت من لدن أطراف مختلفة، يجعلنا ندرك حجم العمل المطلوب اليوم في قطاع التربية والتعليم.
ليس في الكلام هنا أي إطلاقية أو أحكام قاسية غير واقعية، وإنما الوضع الحالي لمنظومتنا التكوينية بصفة عامة، ومعاناة فئات واسعة من شعبنا جراء ذلك، يجعلاننا نعيد التأكيد على أن المعركة الحقيقية والإستراتيجية المطروحة على بلادنا تبقى هي التعليم أولا، وهو ما يفرض التحلي بكثير من الجرأة والشجاعة بلا ديماغوجية أو مزايدات من أي كان.
لقد أفاد تقرير ترانسبارنسي أن الرشوة في قطاع التعليم تعتبر عائقا حقيقيا أمام توفير تعليم ذي جودة عالية، ويمكن ترتيب كل ما قد يتسبب فيه هذا الاستنتاج من انعكاسات سلبية خطيرة في المستقبل، على مستوى الموارد البشرية، وعلى تدبير شؤون البلاد في مختلف المجالات، وعلى التشغيل، وعلى الوعي الوطني العام لشعبنا وشبابنا، وعلى… الاستقرار العام في المجتمع.
لقد أحال التقرير المشار إليه على تحقيق أجري على 8500 من الآباء والمدرسين من 7 بلدان إفريقية، من ضمنها المغرب، وخلص إلى أن 40 في المائة من الآباء يدفعون مبالغ غير قانونية مقابل تدريس أبنائهم، كما سجل أنه بحسب تقرير «التعليم للجميع» لعام 2011، فإن 71 مليون طفل في العالم لن يتمكنوا من التمدرس سنة 2015، ولن يكون بالإمكان حل مشكلات الجودة والمساواة، فضلا عن الإشارة إلى أن التعليم يمثل 20 في المائة من مجموع المصاريف العمومية للحكومات في العديد من دول العالم، وكل هذا يعتبر من تجليات الكلفة التي يتسبب فيها استشراء الفساد والرشوة في قطاع التعليم.
ومن مظاهر الفساد المنتشرة في التعليم، هناك أيضا دفع رشاوى للحصول على نقط جيدة أو على سكن جامعي، ثم هناك كذلك تفشي المحسوبية، أو انتشار ظاهرة المدرسين الأشباح، أو منح شهادات مزورة، أو الدروس الخصوصية، علاوة على غياب الشفافية والمراقبة المستمرة وعدم اكتراث آباء وأولياء التلاميذ بظروف تمدرس أبنائهم ومستوى التعليم المقدم لهم، كما توجد اختلالات أخرى تتحدث عنها الأسر يوميا، وتعاني منها على امتداد الحياة المدرسية لأبنائها.
إن فساد المنظومة التعليمية لا يبقى محصورا في القطاع لوحده، وإنما هو بطبيعته ينشر الفساد والجهل والتفاهة وتدني المستوى العام في باقي قطاعات الدولة والمجتمع، كما يؤثر في الوعي والذوق العامين للناس، ويساهم في تعطيل مقدرات شعبنا وشبابنا، كما أنه من المهم اليوم التأمل في كون تقرير (ترانسبارنسي) يحثنا ويدفعنا جميعا إلى الانكباب بكل استعجال وعمق على مختلف إشكالات منظومتنا التعليمية وصياغة الحلول اللازمة لها في أقرب وقت، كما يفرض الأمر علينا القطع مع الشعبويات التي قتلت مدرستنا العمومية المغربية.
إن قضية التعليم أخطر من أن يترك حلها رهينة للديماغوجية.
[email protected]

Top