الدراما المغربية في حداد.. الفنان محمد بسطاوي في ذمة الله

بسطاوي.. نموذج الفنان المثقف والمناضل
انتقل إلى عفو الله، صبيحة أمس الأربعاء 17 دجنبر الجاري 2014، الممثل المسرحي والسينمائي الفنان محمد بسطاوي على إثر مرض ألزمه الفراش لمدة غير قصيرة بالمستشفى العسكري بالرباط حيث كان يتلقى العلاج تحت الرعاية السامية لملك البلاد..
نزل الخبر كجلمود صخر ضغط على صدورنا وخنق أنفاسنا بلا رحمة ليخطف منا الموت أحد رموز فن التمثيل المعاصر بالمغرب، إبداعا وسلوكا وتنظيما، ويتركنا يتامى ويترك ساحة الفنون الدرامية ببلادنا غارقة في حزن عميق وأسى عظيم..
لم يكن الراحل بسطاوي فنانا عاديا، إذ عرف عنه، وهو الفنان العصامي في تكوينه، منذ أن كان يمارس المسرح في حركة مسرح الهواة بخريبكة إلى اليوم، أنه كان ملما بمستجدات فن الدراما في العالم، وفن الممثل على وجه الخصوص، وكان غزير القراءة والاطلاع على تجارب الممثلين الكبار الذين أبلوا البلاء الحسن في السينما العالمية، والمنظرين الذين درسوا وبحثوا في إعداد الممثل كالمخرجين الشهيرين قسطنطين ستانيسلافسكي ومايرخولد اللذين كان الراحل معجبا بهما، ولا يفتأ يذكرهما في كل محفل أثير فيه النقاش والتداول النقدي حول فن الممثل.
كما كان يتميز بشغفه الكبير للمسرح والخشبة، حيث يعتبر أن الممثل الذي ينجح في السينما والتلفزيون ولا يعود للخشبة بين الفينة والأخرى، معرض لأن يفقد تدريجيا قواعد اللعب، والممثل الذي لا يقرأ سيكون مهددا بالانقراض.. وسيظل مجرد مؤد لا غير..
موقفه الثقافي المبدئي هذا هو الذي قاده تدريجيا لصناعة ونحث اسمه، بإصرار ونكران الذات، في المشهد المسرحي ببلادنا، وفي الفضاء السينمائي والدراما التلفزيونية، حيث كان يتمتع بقدرة هائلة على تمثل وليس تمثيل أدواره بذكاء وبكثير من المهنية، ولكن أيضا بسيل عارم من فيض الحب والمودة.. والأخلاق العالية.. ذلك ما جعله يبتعد عن الأسلوب النمطي في التمثيل، بصرامة وحزم وعن وعي وإدراك عميقين، وتجده يتقن تقمص شخصيات متباينة كالعروبي البدوي، وشخصية المجرم، ودور العاشق، ويسبر دواخل البوهالي المجنون، ويتمثل الأعمى، والسكير، والمتشرد، والبورجوازي، والنادل… وغيرها من الشخصيات الدرامية التي يقترحها عليه مخرجو المسرحيات والأفلام.. لذا لا غرو إن احتفت به أقلام النقاد والصحافيين الذين كانوا يستقبلون إبداعات الرجل باحترام يليق باجتهاداته وجديته..
وربما القليلون من يعرفون أن الراحل كان عضوا قياديا بالنقابة المغربية لمحترفي المسرح، إذ انتخب منذ مؤتمرها الوطني الأخير قبل أربع سنوات، عضوا بمكتبها الوطني، ومنذ ذلك الحين وهو يواصل عمله النقابي للدفاع عن حقوق الممثلين والممثلات ببلادنا باستماتة وصمود.. ولعل أهم أثر خلفه في أنشطة نقابته يتجلى في قوته الترافعية في مجال الحقوق المجاورة التي يكفلها نظام حقوق التأليف في العالم وغير المفعلة في المغرب.. ومن بين دفوعاته، في هذا الصدد، إصراره على الحقوق المادية والمعنوية للمؤدين، ممثلين كانوا أو مغنين أو عازفين أو راقصين، خصوصا حين يقع بث صورهم واستعمالها عشرات المرات في مختلف الدعامات ووسائل الاتصال الجماهيري ولا سيما شاشات التلفزيون التي تبث وتعيد بث الأفلام والمسرحيات والسيتكومات من دون أن يستفيد الممثل من كامل حقوقه كما تنص على ذلك قوانين «حقوق المؤلف والحقوق المجاورة»…
هكذا عرفنا الراحل، ممثلا، مثقفا، مناضلا، إنسانا طيبا خلوقا، يحرص على الحضور الدائم والناجع خدمة لبلده ولمهنته.
عزاؤنا واحد نشترك فيه مع زوجته الفنانة سعاد النجار، وابنيه الفنانين أسامة وهاشم، وابنيه حسام وهيثم وابنته الصغيرة فاطمة الزهراء، وكافة أفراد أسرته، وسائر الفنانين والمثقفين والمناضلين النقابيين.. وندعو الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جنانه ويلهمنا جميعا الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون..

Top