الإيذاء النفسي لطفل جرم مماثل لايذائه جسديا

أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة في تاريخ 02/05/2023 حكما قضائيا مبدئيا، اعتبر أنّ الايذاء النفسي للأطفال يعتبر جريمة معاقبا عليها، لا تقل خطورتها عن الإيذاء الجسدي. وقد اعتمد الحكم الذي نشرته “المفكرة القانونية” في تعليلاته على اتفاقية حقوق الطفل، مؤكّدا أن الايذاء النفسيّ ضدّ الأطفال يأخذ أشكالا متعددة مثل الإهانة، التهديد اللفظي، الترهيب والإذلال.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 13/04/2022  حينما تقدم أب رفقة طفله بشكاية إلى مصالح الأمن بمدينة وجدة، يعرض فيها بأنّ طفله كان بتاريخ 10/04/2022 يلعب كرة القدم بالحي مع أصدقائه الأطفال رفقة شقيقته، وأنهم دخلوا في شجار بسيط بينهم، غادروا على إثره المكان. وخلال مساء نفس اليوم سمع الطفل طرقات قوية بباب المنزل وعند فتحه للباب فوجئ بسيدة تدعي بأنها والدة أحد الأطفال الذين كانوا يلعبون بالحي، حيث أمسكته مباشرة من عنق قميصه بالقوة، و قامت بصفعه، فهلع وتوجه لداخل المنزل. لكنها لم تتوانَ عن ملاحقته مستغلّة عدم تواجد والده بالداخل وعرّضته للسبّ والشتم إلى أن تدخّلت شقيقته القاصر ….و طلبت منها مغادرة المنزل. وأضاف أن سبب النزاع كان بسبب أن ابن السيدة المدعى عليها قام برشق شقيقة القاصر المشتكي بالحجارة مما دفع هذا الأخير إلى التدخل لمنعه من أذية شقيقته. وأدلى القاصر المذكور بتقرير طبيب نفسي للأزمة النفسية التي تعرض لها إثر تعنيفه من طرف السيدة المذكورة، مصرّا على المتابعة القضائية.

 وعند الاستماع للمدعى عليها تمهيديا، صرحت  أنه خلال نفس اليوم وحوالي الساعة الخامسة زوالا، عاد طفلها إلى المنزل وملابسه ملطخة بالتراب. وعندما استفسرت منه عن الأمر، أخبرها بأن المشتكي قام بإسقاطه أرضا، بينما كان يلهو معه، فتوجهت للحي من أجل التكلم مع المشتكي إلا أنه قام بالهروب منها،  وعندما لمحته قامت بملاحقته للمنزل، وعند طرقها للباب بالقوة لأنها كانت شديدة الغضب، قام الطفل بفتح الباب الرئيسي  للمنزل فقامت بسبه وشتمه والصراخ في وجهه وتأنيبه عما فعله لابنها الصغير، فتدخلت شقيقته التي أخبرته بأن شقيقها لم يقم بتعنيف ابنها. وعلى إثر ذلك، غادرت المنزل نافية أن تكون قد عرضت الطفل المشتكي لأي  عنف جسدي.

موقف المحكمة

قررت النيابة العامة متابعة المدعى عليها من أجل جنحة الإيذاء في حقّ طفل والسبّ والشتم. وبعد استنفاذ إجراءات المحاكمة، قررت المحكمة إدانة المتهمة من أجل المنسوب إليها، معتمدة على العلل التالية:

  • أن المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل تنصّ على أن تكفل الدول الأطراف بألا يعرض أيّ طفل … لأي عنف أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية؛
  • أن المقصود بالعنف ضد الأطفال “كل سلوك كان لفظيا أو غير لفظي، وفيه إساءة للطفل، تؤدي حتما  إلى اضطرابات نفسية، والشعور بالنقص وفقدان الثقة في نفسه، من خلال إشارات أوعبارات لفظية سيئة أو جارحةٍ أو مهينة، وقد يشمل أيضًا تهديدات، تتسبب في أضرار جسدية مرئية، ولكنه يسبب ألمًا في نفس الضحية، ويظلّ جريمة مثل الإيذاء الجسدي”.
  •  أن قيام المتهمة بملاحقة الطفل إلى غاية منزله وترهيبه من خلال صراخها العالي في وجهه وخلق نوع من الخوف لديه من خلال طرق باب منزله الرئيسي بالقوة، رغم العلاقة غير المتكافئة بينهما، يعتبر أحد أساليب الإيذاء النفسي الذي يقع في دائرة التجريم وفقا لفصول المتابعة لما ينتج عنه من شعور الطفل بالقلق؛
  •   أنّ ما صرحت به المتهمة من تبريرات لسلوكها مع الطفل المشتكي يبقى غير مقبول، ولا يتوافق مع الحماية المطلوبة لسلامته الجسدية والنفسية وهو ما يثبته استئناسا التقرير الطبي المدلى به.

وعليه قضت المحكمة بإدانة المتهمة من أجل ما نسب إليها ومعاقبتها بشهر واحد حبسا موقوف التنفيذ وغرامة قدرها 500درهم مع الصائر والإجبار في الحد الأدنى.

تعليق على الحكم

يعتبر هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية من بين الأحكام القضائية القليلة التي قضت بتجريم الإيذاء النفسي للأطفال، بعدما صدرت أحكام سابقة عاقبت على  العنف النفسي طبقا لقانون  محاربة العنف ضد النساء. تؤكّد إحصائيات رئاسة النيابة العامة لسنة 2021 الصادرة سنة 2023، أنه خلال هذه الفترة تمّ تسجيل 1679 قضية عنف جسدي ضد الأطفال، في مقابل 1125 قضية سجلت سنة 2020، بينما لم يتم تسجيل أي قضية تتعلق بالإيذاء النفسي ضد الأطفال.

وتركز السياسة الجنائية في التعامل مع قضايا العنف ضد الأطفال على التصدّي لظاهرة العنف الجنسي والجسدي والاقتصادي والتي تعرف معدّلاته ارتفاعا، في مقابل العنف النفسي الذي يبقى غير مرصود من طرف أجهزة الإحصاء الجنائي. رغم تأكيد المدعى عليها أنها لم تعرض الطفل المشتكي لأي عنف جسدي وأن ما قامت به يدخل ضمن التأنيب الذي يصنّف ضمن الايذاء الخفيف الذي لا تجرمه مقتضيات الفصل 408 من القانون الجنائي، إلا أن المحكمة اعتمدت مفهوما واسعا للإيذاء يشمل الإيذاء النفسي، وعددت في تعليلاتها صوره من قبيل السب والتهديد والترهيب، معتبرة أن ما قامت به هذه الأخيرة من إمساك للطفل من ملابسه ورطم الباب بقوة وهي الأفعال التي اعترفت المتهمة بارتكابها، يعد بدوره عنفا نفسيا ضد الطفل لا يقل جسامة عن العنف الجسدي، وهو مشمول بمقتضيات الفصل 408 من القانون الجنائي الذي يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من جرح أو ضرب عمدا طفلا دون الخامسة عشرة من عمره أو تعمد حرمانه من التغذية أو العناية، حرمانا يضر بصحته، أو ارتكب عمدا ضد هذا الطفل أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء، فيما عدا الإيذاء الخفيف”.

وقد اعتمدت المحكمة في تعليلاتها أيضا على مقتضيات المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل التي تحظر تعريض الطفل لأي عنف أو أي نوع من أنواع الممارسة المهينة، وذلك في تكريس لمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريع الداخلي طبقا لأحكام الدستور.

يلاحظ أن المحكمة كونت قناعتها بناء على وسائل إثبات متنوعة من بينها تصريحات المدّعى عليها التي اعترفت بتعريضها الطفل للتوبيخ والتأنيب نتيجة حالة الغضب التي كانت عليها، فضلا عن تقرير الطبيب النفسي الذي كان يواكب حالته النفسية. كما يلاحظ أن المحكمة لم تطبّق أيّ تدبير من  تدابير الحماية المقررة في قانون العنف من قبيل المنع من الاتصال أو الاقتراب بالضحية رغم أن المتهمة تسكن في نفس الحي الذي يقيم فيه الطفل المشتكي، وهو ما يؤكد محدودية تطبيق تدابير الحماية التي تبقى حديثة العهد داخل المجال القضائي الذي يبقى مجالا للزجر أكثر منه مجالا للحماية أو الوقاية.

من المأمول أن يسهم نشر هذا الاجتهاد القضائي في تشجيع التبليغ النفسي ضد الأطفال والتحسيس بأهمية التصدي له ضمن باقي أشكال العنف الجسدي والجنسي والاقتصادي.

Top