الاقتصادي والسياسي

المشاريع الضخمة التي أشرف جلالة الملك على تدشينها بالنواصر، مثلت البداية الواعدة لمنجز يجسد أهمية إستراتيجية كبيرة. يتعلق الأمر بتدشين المحطة الصناعية المندمجة الخاصة بمهن صناعة الطيران والفضاء(ميدبارك)، وأيضا إعطاء انطلاقة أشغال بناء، داخل المحطة، لأول مصنع بإفريقيا تابع للشركة الكندية المتخصصة في صناعة الطائرات(بومبارديي)، وهذا يقدم، من دون شك، دفعة قوية للإستراتيجية الوطنية للتنمية الصناعية(مخطط الإقلاع الصناعي)، ويجسد إرادة واضحة للنهوض بقطاع صناعة الطيران، وتعزيز تنافسيته.
في الظرفية الدولية والإقليمية الحالية، التي تعاني أساسا من أزمات مالية واقتصادية وتوترات في هذه المنطقة أو تلك، فان مثل هذا الحدث الاقتصادي والصناعي في بلادنا يحمل إشارة قوية، كما أن مسلسل تقوية البنيات التحتية الصناعية والتجارية والسياحية في أقاليم الشمال بالخصوص، والدينامية التجهيزية والتنموية المتنامية هناك، كل هذا أيضا لا يخلو من إشارات من شأنها تقوية جاذبية المملكة لدى المستثمرين المغاربة والأجانب.
إن الاحتفاء هنا بهذا المنجز الصناعي هو احتفاء بحرص جلالة الملك على مضاعفة مثل هذه البرامج والمشاريع الإستراتيجية الكبرى، واحتفاء بمتابعته الحثيثة لمسلسل تنفيذها وانجازها على أرض الواقع، ثم انه تسجيل لإصرار بلادنا على مواجهة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ونجاحها في تفادي المآلات التي بلغتها اليوم، سياسيا ومجتمعيا، عديد دول في الجوار المغاربي والعربي.
يقودنا هذا الحديث الاقتصادي إلى استحضار الجانب الثاني في الجدلية الضرورية للسير ببلادنا إلى الأمام، أي البعد السياسي والديمقراطي والمؤسساتي.
إن جاذبية المملكة ساهم في إنتاجها أيضا مسارها الديمقراطي وتميز نموذجها السياسي المختلف عن تجارب المحيط الإقليمي، وهذا النموذج بالذات هو الذي مكن بلادنا من امتلاك حضور سياسي كبير في المنطقة وفي مختلف معادلاتها، ولهذا، فان إغفال الجانب السياسي اليوم من شأنه أن ينعكس سلبا كذلك على الدينامية الاقتصادية والاستثمارية، وذلك بالنظر للجدلية المومأ إليها، وأيضا لكون الاستقرار السياسي والمؤسساتي العام  يعتبر حافزا جوهريا في إقناع المستثمرين الأجانب .
من مصلحة بلادنا إذن أن تتعزز ديناميتها الاقتصادية وتتقوى بدينامية سياسية، أي أن البلاد اليوم في حاجة قصوى لأن تستعيد حياتها المؤسساتية والسياسية الطبيعية والسليمة، بداية من تشكيل الحكومة وتطوير عمل البرلمان، ثم انكباب الحكومة على تنفيذ وانجاز برامجها وأوراشها الإصلاحية ذات الصلة بالتطلعات المشروعة لشعبنا، ثم أيضا تجديد التعبئة الوطنية للدفاع عن القضايا الوطنية العليا للبلاد، وإعادة امتلاك النموذج الإصلاحي القوي الذي يميز المملكة، وتعبئة كامل الجهد الوطني لخوض المعارك الحقيقية من أجل الديمقراطية والتنمية والتقدم والتحديث.
الجميع مطالب اليوم بتحمل المسؤولية كي يسير البلد برجليه معا، وسويا واقفا وشامخا ومستقرا من أجل… التقدم.
[email protected]

Top