الانتخابات المقبلة

يبدو أن التصريحات التي صدرت مؤخرا عن وزير الداخلية في البرلمان قد حددت أفقا زمنيا معلوما للاستحقاقات الانتخابية المحلية والجهوية المقبلة، كما حددت مواعيد لبعض المحطات الإعدادية ذات الصلة، وصار من الضروري اليوم الانتقال بالنقاش إلى سبل كسب رهان هذه الانتخابات، وبالتالي، جعل بلادنا لا تضيع الموعد.
الانتخابات الجماعية القادمة ترتبط ببناء دستوري جديد، وبضرورة وطنية وديمقراطية تفرض إحداث الانسجام المنطقي في الدينامية العامة الساعية إلى تقوية دولة المؤسسات، والتفعيل الديمقراطي للدستور، وهي ترتبط أيضا بتطلع كبير لبناء الجهوية، أي بإعادة بناء الدولة والسلطة.
إنه الرهان الاستراتيجي الكبير الذي يجب كسبه، وبالتالي العمل من لدن الجميع من أجله، وإلا سنكون قد أعدنا إنتاج ذات التجارب الماضية، وتركنا التطلعات الكبرى معلقة في دائرة الأحلام والمتمنيات.
من جهة ثانية، ستحل الانتخابات الجماعية المقبلة، بعد خطاب قوي لجلالة الملك قدمه أمام البرلمان، خصصه لواقع العاصمة الاقتصادية للمملكة ومستوى تدبيرها، وتحدث خلاله عن الانتداب المحلي وميزه عن الانتداب الوطني البرلماني، واستعرض مميزاتهما معا، كما رصد الاختلالات التي يعاني منها العمل الجماعي ببلادنا، ومن ثم، فإن رهان الاستحقاق المقبل يبقى هو تمكين البلاد من مجالس منتخبة منسجمة، ومنتخبين يمتلكون الكفاءة المعرفية والتدبيرية، ويتوفرون على المصداقية السياسية والأخلاقية، والقدرة على العمل والتواصل مع الناس، والإخلاص لقضايا الشأن العام.
كل الأعمال التحضيرية، والمشاورات السياسية يجب أن تستحضر إذن هذا الرهان وضرورة بلوغه، ذلك أنه لم يعد مقبولا اليوم ترك جماعاتنا المحلية ومجالسنا الجهوية في يد «شناقة» وأشخاص بلا أي كفاءة أو مصداقية.
المشاورات السياسية الإعدادية للاستحقاقات يجب أن تجري مع الأحزاب والنقابات وكل القوى ذات العلاقة، ولابد من الحرص على تقوية الحضور السياسي والالتزام داخل منظومة العمل الجماعي المحلي والجهوي بلا أي ميل نحو «التقنوقراطية» الفجة، أو نزوع نحو التحكم، ولابد من تحسين الأدوات القانونية والتنظيمية والعلائقية المرتبطة بعمل الجماعات المحلية بغاية تحقيق معنى عملي للجهوية وللديمقراطية المشاركاتية وللأفق الدستوري الحالي، وفي المقابل، لابد أيضا أن ترتفع الأحزاب والنقابات إلى مستوى الرهانات المطروحة على البلاد بمناسبة هذا الموعد الانتخابي، وتتجاوز الحسابات الصغيرة جدا، وأيضا ابتزازات ومناورات «الشناقة» الملتفين حول الجماعات وداخلها.
المهم إذن، هو أن الاستحقاقات الانتخابية، التي تحدث عنها وزير الداخلية مؤخرا في البرلمان، يجب أن تكون مختلفة عن سابقاتها، وأن تستحضر ما هو مرتبط بها من رهانات إستراتيجية وسياسية ومؤسساتية تتجاوز الجوانب المحلية، لتهم البلاد كلها وأفقها الديمقراطي العام، ولهذا، فإن السعي إلى كسب الرهان هو مسؤولية الجميع.
[email protected]

Top