الوحدة الترابية

زيارة برلمانيين اسبان للأقاليم الجنوبية، وما ميزها من خلفية تحريضية وعدائية ضد المغرب، تنبه الى التحديات التي تبرز هذه الأيام بشأن ملف وحدتنا الترابية، وما يفرضه ذلك من يقظة وتعبئة للدفاع عن المصالح المشروعة لبلادنا.
الزيارة المذكورة جاءت فردية ومن خارج الهياكل المؤسساتية المقررة للبرلمان الاسباني، ويتوحد أعضاء الوفد في قناعات مشتركة، كما أنها جاءت مباشرة عقب انعقاد منتدى برلماني مشترك بين المغرب واسبانيا في مدريد، نص بيانه الختامي على التنسيق بين برلمانيي البلدين في مختلف المحافل، وكل هذا يبين أن تحركات مكثفة تجري لإفشال كل دينامية ابجابية بين البلدين الجارين.
في السياق نفسه، كان لافتا مضمون بعض ما ورد في التقرير الأخير للخارجية الأمريكية، ثم تقرير أخر في البرلمان الأوروبي، وكل هذه الوقائع تؤكد اليوم أن قضيتنا الوطنية تطرح تحديا ديبلوماسيا حقيقيا لا بد من خوضه والعمل من أجل كسب رهانه، خاصة أن موعد اجتماعات مجلس الأمن الدولي يقترب، وخصوم الوحدة الترابية يكثفون مناوراتهم في مختلف المحافل.
عندما نتأمل اليوم سياقات هذا التحدي المركزي، ندرك كم هي مستعجلة حاجة بلادنا الى استعادة حياتها المؤسساتية والسياسية واستقرارها العام بغاية خوض مثل هذه الرهانات الإستراتيجية، ونستنتج أيضا حاجة البلاد الى استنفار كامل جهدها السياسي والديبلوماسي والإعلامي بغاية ربح رهان الوحدة الترابية.
لقد عبر المغرب في كثير مناسبات وبشكل ملموس عن ارادته الواضحة للتقدم في اتجاه حل سياسي متوافق عليه للنزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية، وتقدم بمبادرة شجاعة، وتفاعل بصدق ونزاهة وجرأة مع قرارات المنتظم الأممي، لكن في المقابل بقيت الأطراف الأخرى متحجرة في جمودها وتعنتها، وهذا ما يجب استثماره اليوم دوليا بمبادرات ذكية وناجعة، وبمشاركة كل الفعاليات الوطنية ذات الكفاءة والمصداقية، وذلك ضمن رؤية وطنية متكاملة والتقائية، وذات نفس هجومي للدفاع عن مصالح المغرب.
واضح اليوم أن أوساط دولية، رسمية ومدنية، تتعامل مع تطورات ملف وحدتنا الترابية من منطلقات دعائية سياسية متحيزة بشكل مسبق، كما هو الحال مع وفد البرلمانيين الاسبان، ولكن في نفس الوقت، هناك أوساط يخسرها المغرب عادة جراء أخطاء لم يكن ضروريا ارتكابها أصلا، أو نتيجة فرارات جانبية تتطور تبعاتها بسرعة لتصبح ذات تأثير كبير في المواقف والقناعات، ولكل هذا، فأحيانا تدخل عوامل مختلفة في صناعة المكسب أو التراجع، ومن ثم فعندما نقول بأن استعادة المشهد السياسي والحكومي لاستقراره وانتظاميته  من شأنه الانعكاس الايجابي على باقي مجالات عمل الدولة والمؤسسات، فلأن الدينامية السياسية العامة تكون لها دائما امتدادات وانعكاسات ونقاط قوة وصدى.

Top