في اليوم العالمي للمرأة القروية.. أي واقع للمرأة المغربية في البوادي؟ أي حقوق وأي تحديات؟

يحل 15 أكتوبر من هذه السنة وهو اليوم الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 دجنبر 2007، يوما عالميا للمرأة القروية. يوم كهذا يجب أن نقف عنده لنقوم بتقييم لواقع حال المرأة القروية بالمغرب. أي مكتسبات حققتها؟ أي تمكين حصلت عليه؟ أي مساهمة لها في التنمية وأي دور تلعبه في الاقتصاد الوطني؟ ولكن قبل هذا وذاك، في أي ظروف تولد؟ أي حماية صحية تتمتع بها؟ أي تعليم تستفيد منه؟ أي عمل تقوم به؟ وأي أجر تتقاضاه؟ أسئلة وأخرى تلح علينا في هذا اليوم بالذات وإن كانت تطرح نفسها بقوة طيلة أيام السنة، لكن الرمزية التاريخية لهذا اليوم تجعلنا نقف عندها الآن.

في أعالي الجبال، على السفوح وجنبات الوديان، هناك فيما اصطلح عليه بالمغرب العميق، ترى الفتاة القروية النور بعد أن تكون الأم قد عاشت فترات مخاض صعبة في غياب لأي تتبع صحي خلال فترة الحمل، ولأية وسيلة نقل يمكن أن تنقلها بسرعة لأقرب مستوصف على أمل أن يتوفر به جناح للولادة. كم امرأة حامل حملت على ظهر الحمير، في جو قارس البرد وأرض تغطيها الثلوج لتصل أحيانا بعد فوات الأوان، ونحن نعلم معدل الوفيات للأمهات والمواليد الجدد بالرغم من أنه عرف انخفاضا في السنوات الأخيرة. وإذا ما مرت الأمور بخير تعود لبيتها بنفس الأسلوب لتطأ قدماها بيتا يرحب بالمولودة دون أدنى وأبسط ظروف العيش التي يمكن أن تحتاجها هذه الضيفة الجديدة وأقلها تدفئة تقيها قساوة الطقس، وفيما بعد ممرض أو ممرضة قريبة تتابع صحتها في الظروف العادية من تلقيح وغيره أما في حالة مرض طارئ، فذاك شيء آخر.

هذه المولودة التي تكبر وتترعرع تبلغ سن التمدرس والتعليم. لا أتكلم هنا عن التعليم الأولي ببيداغوجيته المتقدمة لأن ما يوجد على هذا المستوى هو فقط الكتاب القرآني حيث إمكانية حفظ القرآن، بل أتكلم عن التعليم الابتدائي الذي غالبا ما يوجد على بعد كيلمترات، وأحيانا تحول أحوال الطقس دون ذهاب التلاميذ لهذه المدرسة كفيضان الوديان أو تحطم إحدى القناطر أو غير ذلك. ولكن وضعية البنيات التحتية وأحوال الطقس ليست هي الأسباب الوحيدة التي تحول دون تمدرس الفتيات بل المسألة لها تجذر عميق في البنية التركيبية للآباء في هذا المجال القروي.

المسألة تعود للموروث الثقافي وللعقلية الذكورية السائدة التي تؤمن بأن لا حاجة لتعليم الفتاة ما دام مصيرها الزواج وتكوين أسرة وتربية الأطفال، وإذا كان هناك من يجب أن يتلقى تعليما فهو الفتى ما دام الرجال قوامون على النساء. عدم إرسال الفتاة للمدرسة يأتي أيضا بسبب بعد هذه الأخيرة عن مكان السكن مما من شأنه أن يعرض الفتاة لمشاكل الأب في غنى عنها كأن تغتصب مثلا. ولما تعليمها في الوقت الذي هناك حاجة لأن تساعد في جلب الحطب وسقي الماء، والمسألة تزداد حدة مع ندرة الماء الآن. والأحسن من كل هذا وذاك تزويجها (أو بيعها)  وهي لا تزال طفلة مقابل مهر قد ينفع في تدبير أمور الأسرة وسد لقمة العيش.

قبل أن أعود لموضوع تزويج الطفلات، لا بد أن أشير إلى أن الفتاة القروية تعتبر أكثر المتضررات من الأمية في المغرب، فحسب الإحصاء الرسمي للسكان لسنة 2014، تسعة من كل عشر قرويات تعانين من الأمية، بما يعني 80 في المائة من النساء القرويات، وهو لعمري رقم جد مقلق، أكيد أنه عرف انخفاضا خلال العشر سنوات الأخيرة بفضل برامج محاربة الأمية وتشجيع الآباء على إيداع بناتهن المدارس إلا أن المسألة مازالت في حاجة إلى مجهودات جبارة تبذل على هذا المستوى. وحتى وإن تمكنت الفتاة من ولوج المدرسة الابتدائية، إذا اقتنع الأب بذلك وكانت له الإمكانيات أيضا لأنه لا يجب أن ننسى أن الكثير من الآباء لا يملكون ثمن المحفظة المدرسية وما تحويه من لوازم دراسية، فإن المسألة تقف عند هذا الحد حيث يصبح التمدرس على المستوى الإعدادي والثانوي حلما صعب المنال، وإن كانت دار الطالبة تساهم نوعا ما في تقليص الهدر، وتمكين القلة القليلة من استكمال مشوارها الدراسي.

والأمر لا يتعلق فقط بالتوعية بأهمية تمدرس الفتاة بل بتحسين ظروف عيش الآباء والأسرة ككل حتى لا تكون الفتاة مجرد مصدر للتمويل كأن تزوج طفلة مقابل مهر كما سبق أن أشرت إلى ذلك وفي أغلب الأحوال، هذا النوع من الزيجات لا يكون موثقا بعقد ويعيدها الزوج بعد أن يكون قد استمتع بجسدها الفتي ليتركها لمصيرها تدبره بنفسها وهي تدور في ردهات المحاكم لتحصل على حقها، خاصة إذا كان لديها طفل منه، إضافة طبعا لما يكون لهذا الزواج المبكر أو الاغتصاب المقنن من تأثير على صحتها الإنجابية ونموها الجسدي.

الأمر يتعلق أيضا ببعثها للعمل بالمنازل بالمدينة حيث تواجه أحيانا كثيرة بمعاملة قاسية وبأعباء لا يقدر جسدها الطري على تحملها، والحمد لله على صدور القانون رقم 19-12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين وكذا بتحديد سن العمل في 18 سنة (بعد المرحلة الانتقالية التي حددت في 5 سنوات والتي انتهت اليوم). حالات الخادمات ومعاناتهن تطالعنا كل يوم بضحيات جديدات تعانين الأمرين من سوء معاملة مشغلاتهن وفقدان الروح الإنسانية لديهن وغياب مبادئ حقوق الإنسان من قاموسهن. وأتساءل كيف للمرأة، التي من المفروض أن تكون سندا للمرأة وأكثر إحساسا بها وبمشاعرها وأكثر دعما لحقوقها، أن تكون هي نفسها من يدوس على كرامتها ويقتل الطفلة بداخلها ويتنكر لأنوثتها؟

طبعا هذه الفتاة، التي لم تتلقى تعليما يكون سلاحا لها في دنياها، فمصيرها كما أسلفت إما الزواج المبكر أو العمل خادمة في البيوت بالمدينة أو العمل في البيت والحقل على حد سواء. في حالة ما إذا كانت تعمل بقطعة فلاحية تعود لأسرتها فهي تعمل دون أجر ويكون ذلك عبئا آخر ينضاف للأعمال المنزلية التي تقوم بها، وفي حالة ما إذا كانت تعمل بالضيعات الفلاحية التي هي في ملك الغير، فأجرها يكون عادة نصف ما يتقاضاه الرجل وإن كانت مردوديتها، في أغلب الأحيان، أكثر من مردودية الرجل في هذا المجال.

خلاصة القول، في كل الحالات، فهذه الفتاة، سواء خادمة بالبيوت أو بالفلاحة إن في أرض الأسرة أو الغير، فهي لا تتقاضى شيئا وكل ما يقدم لها من أجر، في حالة وجوده، يعود لوالدها بكامله. ويجب التذكير أنها، في كل هذه الأوضاع، لا تتوفر على تغطية صحية واجتماعية.

وفي حالة موت هذا الأب، وتوفره على قطعة أرض فلاحية كانت هي تشتغل فيها، فإنها عادة لا ترث شيئا بدعوى أن الأرض تعود للذكور حتى لا يستفيد منها زوج الأخت إن وجد أو حين يوجد. وإذا حصل وأن طالبت هذه الفتاة بحقها في هذا الإرث فهي تعتبر عاصية متمردة.

عن أي تمكين اقتصادي أو اجتماعي إذن نتكلم حيث لا تعليم ولا تكوين ولا عمل مؤدى عنه وإن وجد فالأجر لا يرقى لآجر الرجل بالنسبة لنفس العمل؟ ولا إرث بدعوى أن الأرض يجب أن تظل في حوزة الرجال الذين يحافظون على اسم العائلة؟ أي إدماج للمرأة القروية وأي نهوض بحقوقها؟ أي استقلالية مالية لها؟ أي مساهمة لها في التنمية خاصة وأن المغرب التزم بأهداف التنمية المستدامة في أفق سنة 2030 عبر تنزيله للخطة الوطنية التي سطرها في هذا الباب؟ علما أن تمكين المرأة القروية هو إحدى المداخل الأساسية لتحقيق هذه التنمية.

طبعا لسنا عدميين وعلينا أن نقر بالمجهودات التي تبذل في هذا الباب، خاصة عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن وأيضا المجهودات الجبارة التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني بدعم من المنظمات الدولية، عبر مبادرات من شأنها تمكين المرأة اقتصاديا، ويهم الأمر بالدرجة الأولى المشاريع المدرة للدخل. لكنها تبقى غير كافية لتحقيق تمكين وإدماج حقيقي للمرأة القروية في المجتمع المغربي، خاصة وأنها الضحية الأولى للتفاوتات المجالية بين المجالين الحضري والقروي وأيضا بين منطقة وأخرى. وبطبيعة الحال تظل المرأة القروية كمثيلتها في المدينة، ولكن بنسبة أكبر، عرضة لمجموعة من أشكال التمييز والعنف الذي يمارس عليها من طرف الرجل والمجتمع ككل.

خلاصة القول، أن مسألة تمكين المرأة القروية المغربية هي مسألة تساءل استراتيجية الحكومة، توجهاتها، خطط عمل مجموعة من قطاعاتها، ومدى احترام هذه الأخيرة وإدماجها لمقاربة النوع عند إعداد هذه الخطط، وكذا مدى تطبيق مبدأ الميزانيات المستجيبة للنوع الاجتماعي بالجماعات القروية. فعلى سبيل المثال، رفع الدعم عن الغاز، ضحيته الأولى هي المرأة القروية التي عليها أن تجلب الحطب مما يضاعف من الجهد الجسدي الذي تقوم به ويؤثر سلبا على صحتها كما أنه يأخذ من الوقت الذي يمكن أن تستعمله في التعليم والتكوين والتأهيل. هي أيضا مسؤولية الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وبطبيعة الحال الحركات النسائية التي يجب أن تضافر جهودها جميعا من أجل توعية المرأة القروية بحقوقها. ولكن الأهم من ذلك كله، العمل على تغيير العقلية الذكورية السائدة في الوسط القروي التي لا تضع المرأة القروية في المكانة اللائقة بها. وختاما، هي تمكين اقتصادي واجتماعي وسياسي لهذه المرأة حتى تخرج من دائرة الإقصاء والتهميش وتقوم بالدور المنوط بها اجتماعيا، سياسيا واقتصاديا لتساهم بالفعل في التنمية المستدامة حتى يكون المغرب في الموعد مع التزاماته الدولية على هذا المستوى ولكن أيضا على مستوى المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادق عليها، من قبيل اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية سيداو للقضاء على كل أشكال التمييز وبطبيعة الحال، قبل كل هذا وذاك، دستور المملكة الذي نص على المساواة بين المرأة والرجل، المرأة أينما كانت سواء بالمجال القروي أو الحضري.

كل عام والمرأة القروية أكثر صمودا في مواجهة قساوة العيش بالقرى، أكثر تكوينا وتأهيلا، أكثر تحقيقا لذاتها وأكثر مساهمة في تنمية المجتمع لتخرج من الدور النمطي الذي توجد فيه وتفرض ذاتها واستقلاليتها.

بقلم: سومية منصف حجي

Top