حكم مبدئي بحفظ كرامة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب

بتاريخ 26/09/2023، أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة حكما مبدئيا يتعلق بتطبيق اتفاقية الأشخاص في وضعية إعاقة، حيث اعتبرت أن وصف فتاة بأنها معاقة في سياق معين يعتبر سبا وتمييزا، معتبرة أنّ الإعاقة تحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص والحواجز والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم الكاملة في مجتمعهم.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 16/06/2023 حينما تقدمت فتاة بشكاية إلى  خلية العنف ضد النمساء بالمحكمة الابتدائية بوجدة في مواجهة جارها، تعرض فيها بأن هذا الأخير وبدون سبب يذكر يقوم بالتلفظ في حقها بعبارات مهينة من قبيل “المعاقة” ويبصق في وجهها كلما صادفها أمام باب منزلها خاصة وأنها مصابة بإعاقة على مستوى يدها اليمني ، وأضافت أن تصرفاته المشينة أثرت على نفسيتها وحرمتها من حريتها حيث أصبحت تتجنب الخروج من البيت .

وعند الاستماع إلى شاهدة، أكّدت أنّ المشتكى منه سيء السمعة وحادّ الطباع وأنها سمعته في مرتين يقول للمشتكية : “يا عوجاء”،  ” يا معاقة”..  متهكما عليها لكونها تعاني من إعاقة بيدها اليمنى.

 وعند الاستماع للمتهم تمهيديا في محضر قانوني صرح أنه بسبب اقتنائه بقعة أرضية كان يعتزم والد المشتكية شراءها ، حقد عليه  هذا الأخير رفقة عائلته و شرع في تحريض الجيران على رفع شكاية ضده لدى السلطات المحلية بسبب بنائه البقعة، وأضاف أنه رفع ضد عائلة المشتكية شكاية رائجة لدى  المحكمة لإرغامه على التنازل، رفعت المشتكية هذه الدعوى الكيدية مع العلم أن لا علاقة له مع المشتكية و لم يسبق أن وجه إليها أي سباب،  بل صرح لها بالعبارة التالية ” أنت معاقة خليك في التقار”  وهي عبارة بالعامية المغربية تعني “أنت معاقة دعك بعيدا عن هذا النزاع”- دون أن تكون له نيّة إهانتها  نافيا كل المنسوب اليه.

قررت النيابة العامة متابعة المتهم من أجل جنحة السب العلني في حقّ امرأة طبقا للفصل 443 من مجموعة القانون الجنائي.

موقف المحكمة

قررت المحكمة إدانة المتهم من أجل المنسوب إليه، معتمدةً على العلل التالية:

  • يعتبر سبّا كل تعبير شائن أو عبارة تحقير أو قدح لا تتضمن نسبة أي واقعة معينة طبقا لأحكام الفصل 443 من القانون الجنائي.
  • رغم إنكار المتهم لتعريضه للمشتكية للسب إلا أنه اعترف بأنه صرح لها بالعبارة التالية “أنت معاقة خليك فالتقار”،  وإن أنكر قصد  إهانتها.
  • المادة الثالثة من   اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدت في 14/07/2021 تنص على احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية؛
  • –           المادة الرابعة من هذه الاتفاقية تحثّ على اتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز على أساس الإعاقة من جانب أي شخص ..،
  • المادة الثامنة من هذه الاتفاقية تحث الدول الأطراف باعتماد تدابير فورية وفعالة وملائمة من أجل تعزيز كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة ومكافحة القوالب النمطية وأشكال التحيز والممارسات الضارة لهم في جميع مجالات الحياة. 
  •  لئن كان مصطلح ” المعاقة ” لا يتضمّن أي سبّ من حيث المبدأ، فإن سياق الكلمة وظروفها  ينمّ عن أن ما صدر عن المتهم من تصريح قد يشكل حاجزا في المواقف والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتها مشاركة فعالة في مجتمعها على قدم المساوة مع الآخرين،  مما يعتبر معه  بتقدير المحكمة مهينا جدا ويجرّدها من إنسانيتها وتحيّزا وتمييزا مجحفا، ويعكس بحقّ النظرة الدونيّة لها كشخص في وضعية إعاقة في وسط اجتماعي يسعى لإقصائه وتقييده ووضعه في وضع عوائق أمامه، مما يشكل فعلا مجرّما بنصّ الفصلين 443 و 444 من القانون الجنائي، و يتعين مؤاخذته وعقابه عليها.

وعليه، حكمت المحكمة بمؤاخذة المتّهم من أجل جنحة سبّ امرأة بسبب جنسها وعقابه بغرامة مالية قدرها عشرة آلاف درهم مع الصائر والإجبار في الأدنى.

تعليق على الحكم

يعتبر هذا الحكم من بين التطبيقات القضائية الصادرة عن المحاكم المغربية في المجال الزجري بخصوص اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك بعد صدور أحكام سابقة في المجال الإداري تكرس حظر التمييز ضد هذه الفئة في مجال  اجتياز مباريات التوظيف ، وفي ولوج النقل العمومي.

يلاحظ أن المحكمة كونت قناعتها بناء على وسائل إثبات متنوعة من بينها تصريحات الشاهدة، وتصريحات المتهم الذي ولئن نفى كونه قد عرض المشتكية إلى السبّ إلا أنه اعترف بكونه وصفها بالمعاقة، وقد عملت المحكمة تبعا لذلك على تجزئة تصريحات المتهم في إطار مبدأ حرية الإثبات وحرية المحكمة في تكوين قناعتها؛

اعتبرت المحكمة أن العبرة ليست في ماهية اللفظ المستعمل، وإنما في سياق توجيه هذا اللفظ، حيث قد يستعمل بهدف التحقير أو القدح، فاستعمال المتهم لعبارة “أنت معاقة دعك بعيدا عن النزاع” هدفها التحقير والإقصاء؛

كان لافتا أن المحكمة اعتمدت على مقتضيات محددة من اتفاقية حقوق الأأشخاص ذوي الإعاقة تتمثل في المواد 3 و4 و8 التي تنص على احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية، وهو ما ينسجم مع عدة اجتهادات دولية مماثلة، تعتبر أن في استعمال مصطلح “معاق” في وصف شخص معين قد ينمّ “على تحيّز أو إجحاف أو تمييز يعكس النظرة الدونيّة للأشخاص في وضعيّة إعاقة في وسط اجتماعي يسعى لإقصائهم وتقييدهم ووضعهم في وضع عوائق أمامهم”؛

يلاحظ أن المحكمة رغم إدانتها للمتهم من أجل جنحة السبّ، لم تطبّق أيّ تدبير من تدابير الحماية المقررة في قانون  محاربة العنف ضد النساء في حق المتهم، مثل  المنع من الاقتراب من الضحية وذلك من جهة لكونها تبقى غير معروفة داخل المجال القضائي نظرا لحداثتها وعدم التعريف بها، ومن جهة أخرى بسبب تكييف الفعل من طرف النيابة العامة حيث اعتبرته سبّا يخضع لمقتضيات الفصلين 443 و 444 من القانون الجنائي، وليس سبّا بسبب الجنس طبقا للفصلين 444-1 و444-2 من تعديلات قانون  محاربة العنف ضد النساء، وهو ما يطرح إشكالية  التكييف الناتجة عن تفاوت المحاكم في اختيار النصوص القانونية واجبة التطبيق، وتزاحم النصوص القديمة غير الملغاة مع التعديلات الجديدة؛

من المأمول أن يسهم نشر هذا الاجتهاد القضائي في تشجيع الأشخاص في وضعية إعاقة على التبليغ عن حالات العنف واللجوء الى سبل الانتصاف القضائية.

Top