مهرجاناتنا

شهدت بعض مدن المملكة في الفترة الأخيرة مهرجانات وتظاهرات فنية وثقافية تتباين مستوياتها وتجليات إشعاعها، خريبكة وطنجة وأكادير وعين اللوح والدار البيضاء ووجدة وغيرها، فضلا عن سلا التي انطلقت بها أمس دورة جديدة لمهرجانها الدولي لفيلم المرأة…

ابتداء، يجب التأكيد على أن تعدد المهرجانات وتنامي أعدادها هو ظاهرة صحية ويجب دعمها وتقوية امتدادها الترابي، وذلك بما يرسخ أثرها الثقافي والجمالي والتنموي على الإنسان والمكان، وأيضا بما يبقي على بلدنا الاستثناء في المنطقة، حيث لا زال بإمكان الفنانين والمثقفين المجيء واللقاء بالجمهور، والتأسيس لفعل إبداعي وتفاعلي من شأنه التعبير عن الأفق المنفتح للمغرب، وإشعاع صورته الحضارية عبر العالم.

لكن، المهرجانات الثقافية والفنية هي، في نفس الوقت، لم تعد مجرد لحظات للاحتفال المحلي أو للترويح عن النفس من لدن ساكنة منطقة جغرافية معينة، ولكنها صارت، فضلا عن ذلك، تظاهرات ممتلكة لهدفية تنموية كبيرة، ومن شأنها توفير جاذبية اقتصادية وسياحية لجهات وأقاليم مختلفة، علاوة على أنها تحقق فرص إنماء الأذواق الفنية والتعريف بتجارب إبداعية، وأيضا تمكين الممارسة الفنية والثقافية الوطنية من الانفتاح على تجارب أجنبية، والتفاعل مع رؤى متنوعة، وتطوير صناعاتنا الفنية ومدها بمعارف وتقنيات..

وترتيبا، فإن المهرجانات بالمغرب باتت اليوم إذن في حاجة إلى نفس جديد، وإلى نموذج تدبيري مختلف، وذلك بما يتيح لها الاستمرارية والتطور، واكتساب مساحات أكبر في الإشعاع والحضور والمردودية.

هنا يطرح دور الدولة، بالإضافة إلى أهمية الشراكة مع مؤسسات القطاع الخصوصي ووسائل الإعلام، وذلك لكي لا تستمر عشوائية الهواية، وأيضا مزاجية الدعم لفائدة هذا المهرجان أو ذاك، وبحسب هذه الظرفية أو تلك.

هذا العام مثلا جرت دورة جديدة من مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، وخلدت فعالياتها مسارا زمنيا عريقا في تاريخ التظاهرة، وكان هذا المهرجان، بموجب ذلك، يستحق دعما أقوى من طرف مؤسسات الدولة وكبريات المؤسسات الاقتصادية، خاصة أنه يوفر واجهة ديبلوماسية جاهزة للتوجه السياسي والاقتصادي المغربي في العلاقة مع إفريقيا.

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة، هو أيضا مبادرة جيدة وطموحة، ولا بد من تمتين رعايته، بما يكرس امتداده وتطوره في المستقبل.

ومهرجان مراكش الدولي للفيلم، هو كذلك يجب الإصرار على تنظيمه، ومعالجة مختلف اختلالاته، والأمر نفسه بشأن مهرجان سلا لفيلم المرأة، ومهرجان الصويرة لموسيقى كناوة، ومهرجان تيميتار بأكادير، ومهرجان الموسيقى العريقة بفاس، ومهرجان لبولفار بالدار البيضاء، ومهرجانات أخرى تقام في الرباط وتطوان وطنجة والناظور وسواها.

هذه كلها عناوين كبرى في الاستثناء المغربي اليوم على الصعيدين العربي والإفريقي، ويجب، بالتالي، إحاطتها برؤية سياسية عامة تنتصر لأهميتها، وتحرص على تمتين حرفيتها وإشعاعها، واستثمار مردوديتها الثقافية والفنية والإعلامية والتنموية والسياحية.

وفِي مقابل هذا، من غير المفهوم أن يضاف إلى هذا السياق، ما يمارس من تجاهل لقضايا أخرى تشغل هذه الأيام حقلنا الثقافي والفني والإعلامي الوطني.

إنه مثير للغرابة والأسف ما يروج مثلا حول استعصاء تمكين عدد من المنظمات الثقافية والفنية، في المسرح والتشكيل والموسيقى والكتاب، من الدعم العمومي، وترك مئات الفنانين والمبدعين، فضلا عن منظماتهم الفنية والنقابية، مكبلين من دون أي انكباب على العمل الإبداعي.

وإنه كذلك باعث على الحزن ألا يشكل مؤتمر منظمة ثقافية عريقة في بلادنا مثل اتحاد كتاب المغرب حدثا كبيرا تلتف حوله المؤسسات العمومية وتحرص على إنجاحه والاحتفاء به، بدل أن يبقى عاجزا حتى على إيجاد فضاء لاحتضانه.

ومن المحزن أيضا أن نتابع الاحتفاء الكبير في القاهرة بمسرحيينا، وأن يسجلوا حضورا لافتا على صعيد كل المهرجانات الفنية العربية في الشرق والغرب، وفي الآن ذاته يجري تجاهل فعلهم الإبداعي داخل وطنهم، ويتركون غارقين في منغلقات غياب الدعم العمومي وفقر الإمكانيات وغياب العناية المادية والاجتماعية.

الثقافة والفنون واجهة أساسية في معركة الدفاع عن صورة بلادنا، وهي يصنعها وينتجها مبدعون ومبدعات، وهؤلاء، فضلا عن أعمالهم، هم في حاجة إلى التمويل والدعم والاهتمام، ومن ثم إلى سياسة عمومية إرادية، وتمتلك وضوح النظر والقناعات، وأيضا القدرة على الإنصات والتفاعل الإيجابي، وعلى الوفاء بالالتزامات وإنجاح الشراكات.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم
Top