مهمة اليوم هي … إنجاح الإصلاحات

يستحق موضوع مشاورات تشكيل» النسخة الثانية»من الحكومة، أو تعديل الحكومة أن يحفظ ضمن أدبيات حياتنا السياسية، خصوصا من حيث الكتابات والتحليلات والتخمينات وأيضا التخيلات والسيناريوهات الوهمية التي رافقته، كما أن الموضوع لم يكن خاليا كذلك من تجليات عبث أحزنت الغيورين على مستقبل السياسة في بلادنا، لكن، بالإضافة إلى كل هذا، بدأ يبرز خطر آخر داخل منظومتنا السياسية والمؤسساتية، لابد من الانتباه إليه ومواجهته، ويتعلق الأمر بأن يصير مألوفا وعاديا أن تقضي كل حكومة نصف ولايتها، أو الولاية برمتها حتى، في السعي إلى تجميع أغلبيتها، أو تعديلها، أو توحيد بنائها الداخلي، وهذا سيقودنا مباشرة إلى تعطيل عمل الحكومة، وترتيبا باقي المؤسسات، وبالتالي تكريس قناعة خطيرة جدا في عقول الناس، وهي ألا حاجة لنا أصلا بالحكومة أو الأحزاب أو البرلمان أو الانتخابات.
هكذا إذن، فان ما تابعناه في الشهور الأخيرة من عبث في حقلنا الحزبي والسياسي، لا تقف خطورته في ذاته فحسب، وإنما هو يحمل مخاطر مستقبلية من شأنها إشاعة التجهيل واللامبالاة والاستسلام، وأيضا فتح الباب للوبيات الفساد والتحكم والهيمنة، والمتربصين بالمسار الديمقراطي ببلادنا، ذلك أن السير في درب الديمقراطية لا يقبل العودة إلى الوراء، ولا يقبل التشبث  بالجمع بين الانفتاح والتحكم في الآن ذاته.
اليوم، عندما تظهر مؤشرات ايجابية هنا أو هناك تفيد باقتراب موعد الخروج من هذا التيه، ومن حالة الانتظارية، فان الدرس الجوهري يجب أن يكون هو الإصرار الجماعي على عدم العودة إلى الخلف، وعدم التراجع عن… المنهجية الديمقراطية.
من جهة أخرى، لقد كشفت لنا حالة الانتظارية التي دخلتها البلاد منذ شهور عن لامبالاة جزء كبير من طبقتنا السياسية بعامل الوقت في منظومة تدبير شؤون الدولة، ورغم الجمود الذي كبل حياتنا الاقتصادية والسياسية، وتفاقم المطالب الاجتماعية وسط شعبنا، فان «قادة» سياسيين، من ظهر منهم ومن ظل في الخفاء، لم يكونوا على عجلة من أمرهم، بل استمروا في … اللعب الصغير جدا.
وكما أن الإصلاح يقتضي وجود إرادة قوية للسير في طريقه وإنجاح أوراشه بكل حزم ووضوح، فإنه كذلك يتطلب وجود رجال ونساء لقيادة ديناميته، ولمواجهة معارضيه ومحاربيه، بالإضافة إلى داعمين وحلفاء ومدافعين عنه وحامين له.
وبالرغم مما سبق، فإنه أيضا لا يجب اليوم أن نغرس في عقول الناس أنه بمجرد التكوين «الشكلي» للحكومة المرتقبة ستحل كل المشاكل وتتحقق كل المطالب بين عشية وضحاها، فهذا أيضا سيكون وهما و… لعبا صغيرا، وإنما لابد اليوم من اعتبار الدرس الجوهري الواجب الاقتناع به، هو أن الإصلاح لا بد له من بيئة محفزة وداعمة، ولابد له من كفاءات قائمة على انجازه وتفعيله، ولابد له ثالثا من زمن وإمكانات وكلفة وإرادة  واجتهاد وحزم.
وبمجرد الانتهاء من تشكيل الحكومة، لابد لهذه الأخيرة أن تنكب بكل استعجال على الإنجاز الفعلي الملموس لمضامين برنامجها الاقتصادي والاجتماعي، وأن تستفيد هي أيضا من بعض عثرات البداية، ولكن لابد أيضا أن تدرك الأطراف الأخرى حاجة البلاد اليوم إلى إنجاح مسارها الإصلاحي بلا شعبوية أو مزايدة أو… لعب صغير، وحاجة البلاد، في الوقت نفسه، إلى أن تخوض مسلسلها الإصلاحي والتنموي ضمن الاستقرار السياسي والمجتمعي، وفي إطار علاقات ايجابية ومتعاونة بين مختلف مؤسسات الدولة وقواها الفاعلة.
المهمة الآن هي إنجاح الإصلاحات، وتحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية لشعبنا، وصيانة استقرار بلادنا، وحماية نموذجها الديمقراطي المتميز.
[email protected]

Top