همجية في بيشاور

مأساة حقيقية وبشعة شهدتها بيشاور بباكستان أول أمس، إثر هجوم إرهابي همجي استهدف مدرسة يتولى الجيش تدبيرها، وخلف عددا مهولا من القتلى فاق المائة وأربعين، معظمهم من التلاميذ الأطفال…
لن يقوى أحد في العالم كله أن يبقى محايدا أمام كل هذه الهمجية الدموية المروعة، ولن يستطيع أحد أن يكون محايدا أيضا أمام قتلة يطوفون على فصول المدرسة يوزعون القتل على أطفال عزل وأبرياء، ولا يمكن لأي دين أو فلسفة أو قيم أن تبرر هذه البشاعة أو  أن تجد لها تفسيرا…
الجميع يجب أن يدين ما حدث ويستنكره ويرفضه ويطالب بمعاقبة المجرمين المتورطين في اقترافه، ومحاربتهم بكامل الحزم والقوة.
ليس للإرهاب جنسية أو هوية أو انتماء أو حدودا، فهو مرفوض ومدان أيا كان شكله أو هوية من ارتكبه، وفي أي جغرافية حدث، وضد أي كان، وعندما نرى بشاعة الوقاحة والجنون التي تدفع الإرهابيين في باكستان إلى إعلان مسؤوليتهم عما وقع، وتبريره بكونه انتقاما من الجيش عقب الهجوم الذي كان شنه ضدهم في المنطقة، هنا يصير واجبا أخلاقيا على كل الإنسانية أن تدين ما حدث بقوة، وتستنفر كل إمكاناتها لمساندة الشعب الباكستاني لتحقيق الأمن والسلم والاستقرار في بلاده.
ما شهدته مدرسة بيشاور تجاوز في خسته ونذالته ودمويته كل ما عانته باكستان من قبل جراء الحرب والاقتتال المسلطين على شعبها منذ سنوات، وهو يزيد من تفاقم المخاطر داخل هذا البلد، ويقوي حدة التوترات واللاستقرار هناك، كما ينبه العالم إلى كون العصابات الإرهابية المتطرفة مستمرة في نشر رعبها ودمويتها في مناطق مختلفة من العالم، وذلك يفرض تمتين التنسيق الدولي لمواجهة الإرهاب في كل أنحاء الدنيا، ومن أجل هزم المتطرفين المجرمين.
لقد تسبب استهداف مدرسة في بيشاور، وقتل أزيد من مائة طفل أعزل كانوا يتابعون تعليمهم، صدمة لكل العالم، وتأكد أن الجماعات الإرهابية صارت لا تتردد في اقتراف أكثر الجرائم نذالة وهمجية، كما أن ما يحدث، سواء في باكستان أو في العراق أو في باقي بلدان الشرق الأوسط، يمثل ضربة كبيرة للمسلمين في كل أنحاء العالم، ذلك أن جريمة بيشاور وحدها  قادرة على محو  آلاف الخطابات والبرامج والصور عن التسامح والاعتدال في عيون غير المسلمين والمجتمع الدولي، والكثيرون، من بسطاء الناس وفئات واسعة من الرأي العام الأوروبي والأمريكي، لن يترددوا اليوم في ربط هذه البشاعة بالدين الإسلامي، وبنظرتهم إلى المسلمين والى التعامل معهم…
المسلمون عليهم أكثر من غيرهم التعبئة لمواجهة الأفكار الإرهابية المتطرفة داخل بلدانهم ووسط شعوبهم، والعمل من أجل إشعاع أفكار الانفتاح والاعتدال والتحديث، علاوة على ضرورة تقوية البناء الديمقراطي في مجتمعاتهم، كما أن المجتمع الدولي مطالب هو أيضا بالسعي إلى إنهاء التوترات المتفاقمة في المنطقة، وخصوصا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والمأساة السورية، والمساهمة في تثبيت الاستقرار في العراق واليمن وليبيا ولبنان، وتكريس نظام دولي جديد يقوم على العدالة، وتحقيق التنمية والتقدم لفائدة شعوب المنطقة، وذلك من أجل محاصرة الأفكار المتشددة والقضاء عليها.

[email protected]

Top