وسلاح إسرائيل؟

لم تعد الأخبار القادمة من سوريا تحمل سوى الفواجع والآلام منذ فترة طويلة، وبالرغم من كل التطورات الدولية والديبلوماسية التي شهدتها القضية في الأسابيع الأخيرة، فان المأساة لازالت مستمرة في عنوانها المركزي المتعلق بوجود نظام دموي استبدادي لم يتردد في تقتيل شعبه، بما في ذلك عبر استعمال الأسلحة المحرمة دوليا، ومن جهة أخرى لم تساهم هذه التطورات الدولية نفسها إلا في تأكيد تحول المنطقة برمتها(الشرق الأوسط)إلى ساحة لممارسة(لعبة)دولية أخرى، ولحماية مصالح القوى العظمى في العالم.
ففي حين كان العالم يترقب أن ينفذ الرئيس الأمريكي باراك أوباما تهديده ووعيده بـ(ضربة تأديبية) لنظام بشار الأسد، جاء اتفاقه مع القيادة الروسية، وأيضا مكالمته الهتافية مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، ليؤسسا لتحول هام ستظهر معالمه تدريجيا على صعيد المنطقة برمتها، وانتقل الأمر الآن إلى تفكيك ترسانة دمشق من الأسلحة الكيماوية، وإجراء عمليات التفتيش في الأراضي السورية…
واضح إذن أنه بمجرد تغير وجهة الإدارة الأمريكية، وانطلاق التواصل (الهاتفي) بين أوباما وروحاني، تسارعت وتيرة التحول الأممي، وصادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على القرار، وحل المفتشون بسوريا، وفورا كذلك انتصب السؤال الكبير لدى كل الشعوب العربية:
ولماذا لم يفعل العالم الشيء ذاته مع إسرائيل وترسانتها النووية وأسلحتها الكيماوية؟
واستطرادا، لماذا لم يتم حتى طرح الموضوع ولو للتداول داخل مجلس الأمن الدولي؟ ولماذا أيضا لم يتم تفعيل الضغوط نفسها، والتحركات التي تابعناها مع الموضوع السوري لكي يثار موضوع إسرائيل ولو عبر خطوة (شكلية) داخل مؤسسات الأمم المتحدة، ووكالتها المتخصصة؟
اليوم، يسود التخوف والتوجس في كثير من بلدان المنطقة، في الخليج وفي باقي الشرق الأوسط، خصوصا من حيث العلاقة مع إيران، ويخشى العالم من بروز صراعات ومآسي جديدة في هذه المنطقة التي تعتبر الأكثر اشتعالا في العالم، كما أنه بالنسبة للوضع السوري، صارت الأخبار، كما أسلفنا، لا تحمل سوى الفواجع، أما البدائل السياسية والميدانية فلم تعد لا كثيرة ولا ضامنة للأمن والاستقرار والسلام للشعب السوري، ومن ثم، فان ما يحدث اليوم من تجاذبات دولية وإقليمية ينذر بمرحلة جديدة ستكون فيها سوريا الخاسر الكبير، ولفترة طويلة.
وكما أن المنطقة كانت دائما مسرحا للاستقطابات الدولية والإقليمية الحادة، وللصراعات الساخنة بين الدول الكبرى، فإنها اليوم تعود إلى ذات المربع بأشكال جديدة ولاعبين جدد، ويتأكد أن الحل لن يكون إلا بمنظور شمولي  وجيو استراتيجي للمستقبل.
ولا يمكن لهذا المنظور أن ينجح إلا باستحضار حاجة شعوب المنطقة إلى السلام والأمن، والى حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية يضمن للشعب الفلسطيني استقلاله وحريته وبناء دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والى تقوية الأمن والاستقرار في لبنان، ووجود دولة آمنة ومستقرة وديمقراطية في سوريا، أي أن الحل، في البداية والنهاية، لا يجب أن يستثني إسرائيل، وضرورة تفكيك ترسانتها النووية والكيماوية هي أيضا، والقضاء على طبيعتها الصهيونية والاستعمارية والاستيطانية، وأن تلج المنطقة كلها عهدا جديدا يقوم على الحرية والاستقلال واحترام السيادة وثوابت الأمن والسلام والتعاون المشترك.
إن كل ما جرى إذن من تجاذبات حول المأساة السورية لا يمكن أن يبرئ نظام الأسد، ولا يمكن أن ينزع عنه طبيعته الإجرامية والهمجية، لكن في نفس الوقت، لقد أبان المجتمع الدولي، وخصوصا واشنطن والعواصم الكبرى الأخرى عن تشبثها أولا بمصالحها الخاصة، وهي اليوم تساهم في إدخال المنطقة برمتها مرحلة أخرى من التوتر والسخونة، كما كشفت عن تناقض صارخ في التعاطي مع السلاح السوري المحرم مقابل الترسانة الإسرائيلية نفسها التي لم يتم حتى الحديث عنها.
[email protected]

Top