8 مارس.. عيد الأمل والثقة في غد أفضل

تخلد بلادنا يومه الجمعة 8 مارس 2024، اليوم العالمي لحقوق المرأة، كمناسبة سنوية للاحتفاء بالنساء، احتفاء ليس فيه ترف أو تطرف، بقدر ما ينشد التغيير وتطوير مجتمع يطمح إلى الأفضل، وتلعب فيه النساء أدوارا حيوية وحاسمة. وفي الوقت الذي تقوم فيه النساء بعمل جبار في تحمل مسؤولياتهن المجتمعية ويواصلن إثبات كفاءتهن وجدارتهن في جميع المجالات، بمستويات تستحق التثمين والتقدير، فإن قيامهن بأدوارهن على الوجه الأكمل يتطلب أيضا أن تعطى لهن المؤهلات المادية والمعنوية الضرورية لقيامهن بتلك الأدوار على الوجه الأكمل.
يحل يوم 8 مارس لهذا العام في سياق خاص يتميز بوصول مسيرة إعادة النظر في مدونة الأسرة، محطة فارقة، بعد أن أنهت الهيئة المكلفة بمراجعة هذا النص القانوني، بتوجيهات من جلالة الملك، إنصاتها لجميع الأطراف المعنية من جمعيات وأحزاب ومؤسسات، كانت جميعها، ولعقدين من الزمن من متابعة عملية تطبيق مقتضيات المدونة وملاحظة نواقصها وتناقضاتها، تؤكد على ضرورة تعديل النص من أجل ضمان انسجامه مع واقع أسرة تشكل النواة الأساسية للمجتمع، ومع الحاجة التي يعبر عنها هذا الأخير للمزيد من الإنصاف لجميع فئاته.
وعلى بعد بضعة أسابيع من نهاية عمل الهيئة التي كانت التوجيهات الملكية قد منحتها مدة ستة أشهر لتقديم مقترحاتها لتعديل المدونة، في أفق صياغة مشروع قانون يعرض على مسطرة المصادقة لاحقا، ترتفع حرارة النقاش والجدل، لتعيد إلى الأذهان “معركة” تغيير مدونة الأحوال الشخصية التي سبقت صدور مدونة الأسرة الحالية.
إنها ديناميكية تلقائية يعبر عنها مجتمع مغربي حي نابض بالتنوع والتعدد وحرصه الكبير على التعبير عنهما بكل الوسائل، متميز في تمسكه بقيمه الأصيلة، وتطلعه المتجدد والمجدد نحو المستقبل، ورائد في قدرته على الإبداع تحقيقا لكل تلك الأهداف والغايات، وهو الأمر الذي أبان عنه المغرب في غير ما موضع وأكثر من محطة تاريخية حاسمة.
وفي ظل قيادة حكيمة وباجتهادات كفاءات مغربية في مختلف مجالات العلوم القانونية والفقهية والاجتماعية، لا يمكن للمغاربة إلا أن يخرجوا بنجاح من هذا الاختبار الجديد – والتوجس والتخوف أمر مشروع عند كل امتحان حتى عندما يكون الشخص الممتحن متأكدا من التحضير الجيد- الأمر فقط يحتاج إلى كثير من الاحترام للاختلاف وبعد النظر والإنصات لمختلف وجهات النظر، وهو ما حاولت الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة تحقيقه عبر حوالي 130 جلسة إنصات لجميع الهيئات والتنظيمات.
الأمر يحتاج أيضا إلى الكثير من الثقة، الثقة في أن التعديلات المقبلة لا يمكن إلا أن تكون منصفة لامرأة مغربية يجمع جميع عقلاء هذا الوطن على استمرار معاناتها من كثير من الغبن وعدم الإنصاف رغم إخلاصها في خدمة أسرتها ووطنها بكل تفان واجتهاد. وأن هدف أي قانون يشرع لا يمكن إلا يأخذ بعين الاعتبار عطاء النساء وتطور مسيرتهن وأدوارهن داخل الأسرة والمجتمع، بما يتيح المزيد من التماسك والقوة والتضامن التي يحتاجانها معا للمضي قدما.
ولا يفوتني التذكير هنا أن تعديل مدونة الأسرة يشكل واحدا فقط من المسارات التي يفترض أن تمضي فيها بلادنا من أجل تحقيق عدالة وإنصاف أكبر لكل الفئات، فما زلنا بحاجة إلى كثير من الاجتهاد من أجل تحقيق تنمية تشمل جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتضمن كرامة العيش مقابل الشظف الذي يكون أحيانا السبب الحقيقي في العديد من الآفات الاجتماعية- و”كاد الفقر أن يكون كفرا”- بما يعجز القوانين والتشريعات مهما بلغ تقدمها عن إيجاد الحل الناجع. وذلك لن يتأتى إلا من خلال سياسات عمومية حقيقية تجعل الإنسان في صلب الاهتمام وتجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
وفي هذا اليوم العالمي، لا يفوتنا أيضا كنساء مغربيات أن نتوجه بتحية إجلال وتقدير وصمود لنساء فلسطين اللواتي يحيين هذا اليوم تحت وابل القصف والدمار الممارس من قبل آلة الاحتلال الإسرائيلي منذ شهور، في حرب إبادة يغيب عنها أي احترام أو اعتبار للحقوق الإنسانية للنساء وعلى رأسها الحق في الحياة والعيش الآمن.

> سميرة الشناوي

Top