تتكرر كل يوم، خلال شهر رمضان، مشاهد الازدحام والتدافع في محطات وقوف حافلات النقل الحضري بمدننا، وخاصة في الدار البيضاء والرباط… عشرات المواطنين الفقراء يرابطون في النقط المفترضة لوقوف الحافلات ،وعندما تمر بعض هذه الحافلات تعبر المكان من دون توقف،وإذا ما توقفت إحداها ،فهي تكون أصلا ممتلئة بالركاب ولا مكان لإضافة غيرهم،ومع ذلك يتسابق الواقفون نحو الأبواب، وتكثر المشاجرات والملاسنات…، وكل يوم يتكرر المشهد.الاكتظاظ وعدم توقف عدد من الحافلات في نقط الوقوف، يجسدان هذه الأيام إذن واقع حافلات النقل الحضري في مدينة مثل الدار البيضاء، سواء في الصباح عند ذهاب الناس لأعمالهم، أو لدى عودتهم وقبيل حلول موعد الإفطار.
وفي الدار البيضاء والرباط وربما أيضا في مدن أخرى، يساهم هذا الواقع في انتعاش ظاهرة النقل السري ( الخطافة) بكل ما يحمله للمواطن من مخاطر ، وفي الرباط مثلا باتت هذه الظاهرة متواصلة بشكل يكاد يكون دائما، كما لو أننا صرنا أمام قطاع غير مهيكل جديد ينتظم إلى جوار محطات وقوف الطاكسيات…
عند محطات سيارات الأجرة التي تتوجه إلى أحياء اليوسفية والتقدم بالعاصمة مثلا ، صار عاديا مشاهدة سيارات خاصة وسيارات من نوع هوندا وستافيط ترابط في المحطة المتواجدة بساحة شالة ، ويتم شحن المواطنين بداخلها من دون أي احتياط، والمشهد ذاته يتكرر مع المواطنين المتوجهين لحي الرياض انطلاقا من ساحة باب الأحد ، وأيضا في محطات الطاكسيات العاملة على خط سلا ، وكانت هذه المعاناة جلية في الأيام الأخيرة بسبب الإضراب الذي استمر ثلاثة أيام.
النقل الحضري من أهم المجالات التي تخص المنتخبين المحليين، ومن أكثر القطاعات المرتبطة بالمصالح اليومية للناس، ولذلك فهو القطاع الأكثر قدرة عبر كل العالم على إثارة احتجاجات شعبية ، ومن ثم فهو يشكل دوما أولوية ضمن انشغالات مسؤولي المدن.
في بلادنا، وخصوصا في مدن مثل الدار البيضاء والرباط ، فان النقل الحضري العمومي يعاني عديد اختلالات ، منها ما هو هيكلي، ومنها ما يرتبط بالرؤية الإستراتيجية ، وبالتالي فان الوضعية تقتضي انكبابا جديا وشموليا لحل إشكالات القطاع.
وعندما نتحدث اليوم عن حرب الطرق وحوادث السير وعن أزمة النقل بصفة عامة وعن مدونة السير ، فان قطاع النقل الحضري أيضا يجب أن يندرج ضمن هذه المنظومة، وعندما نتحدث عن محاربة اقتصاد الريع والحد من الرشوة،فان قطاع النقل في بلادنا نموذج لغياب دولة القانون في المجال الاقتصادي…