في ندوة ضمن حلقات “أعلام في الذاكرة” لمؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم

نبيل بنعبدالله: جرمان عياش كان صاحب رؤية ومشروع فكري انطلق من إدراكه الواعي بأهمية إحياء ذاكرة وثقافة وتاريخ المجتمع

اسماعيل العلوي: عياش اختار معسكره في وقت مبكر سواء كباحث أو كمناضل  تقدمي

أندري أزولاي: جرمان عياش ظل وفيا لانتمائه للحزب الشيوعي المغربي رافضا للوثائق الكولونيالية كمصدر للتأريخ

ضمن حلقاتها الفكرية، نظمت مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، يوم الجمعة 9 يونيو الجاري، ندوة علمية حول “جرمان عياش الوطني، الأستاذ والمؤرخ”، وذلك تنفيذا لبرنامجها في إطار سلسلة   “أعلام في الذاكرة .

في مستهل هذه الندوة العلمية التي حضرها إلى جانب أندري أزولاي مستشار جلالة الملك، وزراء سابقون  وجمهور واسع من الأساتذة الباحثين والطلاب، ذكر محمد درويش رئيس مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، بدور الأستاذ جرمان عياش في بناء الجامعة المغربية الوطنية وكتابة التاريخ الوطني المغربي، مشيرا إلى أن جرمان عياش ظل وفيا لانتمائه الوطني و لقضايا الوطن، وتمكن من تأطير جيل من الطلاب صاروا اليوم أساتذة كبارا في مختلف الجامعات المغربية، كما كان صحفيا ومؤطرا بارزا للفئات المستضعفة، وكان يعتبر الصهيونية أحد تجليات الاستعمار العالمي الجديد.

من جانبه، اعتبر جمال الدين الهاني عميد كلية الآداب والعلوم الإنسان بجامعة محمد الخامس أن مسار هذا العالم المؤرخ يمتاز بثلاث خاصيات أساسية، أولها حبه للوطن. والخاصية الثانية مرتبطة بالجانب الإنساني فيه. فيما حدد الخاصية الثالثة في الجانب الأكاديمي والمتمثلة في  مساهمة جرمان عياش في تجديد البحث التاريخي.

من جهته، ذكر أندري أزولاي مستشار جلالة الملك محمد السادس، أن الأستاذ جرمان عياش كان يمتلك جينات المناضل، حيث انخرط في الحزب الشيوعي المغربي وعمره لا يتجاوز 21 سنة، وتحديدا سنة 1936 وبقي ملتزما بانتمائه إلى حين وفاته.

وذكر مستشار جلالة الملك، أن جرمان عياش أعطى بسرعة،   مقاسا مختلفا لمهنته كمؤرخ، وأعطى دفعة قوية للوثيقة، لأن المؤرخين في تلك الفترة الذين يهتمون بتاريخ المغرب كانوا يقومون بذلك انطلاقا من مرجع يعتمده كبار المؤرخين الفرنسيين الذي اشتغلوا على التاريخ المغربي، يقوم على تصور للمغرب من منظور خارجي، مشيرا إلى أنه على الرغم من  أهمية تلك الكتابات إلا أنها لم تكن كتابات تعبر عن الذات المغربية، ولهذا، يضيف أندري ازولاي،  اختار جرمان عياش الابتعاد عن هذا النوع من الكتابة التاريخية  معربًا عن تحفظات كثيرة في هذا الجانب، ومؤكدا في ذات الوقت، على ضرورة الاعتماد فقط على الوثائق  الوطنية والوثائق الأصلية.    

وبدوره أكد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في كلمة له ألقاها بالنيابة عنه عزوز الصنهاجي عضو الديوان السياسي، أن  ثقافة الاعتراف بمكانة الرواد من الشخصيات الوطنية، هي قيمةٌ نبيلةٌ في حد ذاتها، مضيفا أن اختيار جرمان عياش للاحتفاء به، ليس اختيار موفقا فحسب، وإنما هو اختيار بدلالات عميقة متعددة.

ولفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إلى أن جرمان عياش لم يكن فقط باحثا بالمعنى الضيق للكلمة، بل إنه كان صاحب رؤية ومشروع فكري انطلق من إدراكه الواعي، بأن الخطوة الأولى في مسار ازدهار أي مجتمع هي إحياء ذاكرته وثقافاته وتاريخه بلا تلفيق ولا توظيف ولا تأويل، من أجل تملك القدرة الجماعية على استشراف الغد بثقة أكبر.

وإلى جانب تكريس جرمان عياش جزء من مساره الحافل للبحث العلمي الرصين، وللإشراف، كأستاذ بخصال مميزة، على تأطير جيلٍ كامل من الباحثين، فإنه، يقول بنعبد الله  “ظل ملتزما بتطلعات مجتمعه المغرب، ومتعلقاً بوطنيته. وكان من الشخصيات الوطنية والأسماء العلمية البارزة التي جسدت مفخرة غِنى الهوية الوطنية المتعددة في إطار الوحدة، وثَراء هذه الهوية بمكوناتها وروافدها المتنوعة” مشيرا إلى أنه على هذا الأساس كان جرمان عياش قياديا مسؤولا في صفوف الحزب الشيوعي المغربي منذ بداياته الأولى، وأنه ظل دوما مناضلا وفيا للانتماء إلى حزبه، التقدم والاشتراكية، وهو مثقف تقدمي، مغربي يهودي، لعب أدوارا ريادية في تطوير الفكر اليساري المغربي، من خلال إسهاماته التي لم تنقطع على صفحات صحافة الحزب، وفي محطاته الكبرى.

من جانبها، ذكرت لطيفة الكندوز رئيسة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، أن  جرمان عياش حمل أمانة البحث التاريخي بكل إخلاص وتجرد بالإضافة إلى ما أسداه من مجهودات محمودة للجامعة المغربية في حقل التدريس والبحث التاريخي.

وخلال الجلسة الثانية التي أدارها الأستاذ محمد السيدي، قال اسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، إن جرمان عياش تميز بالأناقة في سلوكه كمناضل في صفوف الحزب الشيوعي المغربي، ولم يحدث أبدا أن تشاجر مع الآخرين ولو في إطار الاختلاف، لأنه كان يسعى دائما إلى التوفيق في المواقف، ويسعى إلى أن يبقى دائما صديقا قبل أن يكون رفيقا لمن يخاطبه في التنظيم الحزبي الذي انتمى إليه، مشيرا إلى أن جرمان عياش، عاش في الواقع، حياة تتميز بنوع من الصرامة الذاتية اتجاه نفسه، فقد كان أبوه تاجرا يتنقل مابين المغرب والجزائر، واغتنمها فرصة، ليحصل على الجنسية الفرنسية لتسهيل عمله ومأموريته، لكن جرمان عياش، يضيف العلوي، تنكر لجنسية أبيه الذي تنكر للجنسية المغربية، وحرص على أن يسترجع هذه الجنسية.

وذكر اسماعيل العلوي أن جرمان عياش اختار معسكره في وقت مبكر، سواء كباحث أوكمناضل، فقد اختار معسكر من وجد نفسه في موقع المغلوب على أمره، أي موقع الشعب المغربي الذي احتل من قبل الأجنبي وفرضت عليه أنماطا لم تكن منبثقة من كيانه العميق، وهو ما دفع هذا العالم في التاريخ ، يقول العلوي “لاسترجاع الأصول المغربية للحق التاريخي لهذا الوطن وأخذ الحيطة والحذر إزاء طريقة أخرى كانت سائدة، حينذاك، والتي كانت بعيدة كل البعد عن الواقع المغربي”.

وأضاف رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، أن المناضل جرمان عياش، أعلن حربا بلا هوادة، على الصهيونية وعلى هذه الأيديولوجية الخرافية المبنية على أساطير الأولين التي أدت وتؤدي بدعم من تيارات مسيحية بريطانية أنكولساكسونية عنصرية حتى ضد اليهود، إلى اغتصاب أرض شعب فلسطين، بدون موجب شرع، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني، لا دخل له في ما حصل لليهود من ويلات ومن تنكيل ومن سلوكات عنصرية وحشية ارتكبت ضدهم منذ قرون في أوروبا، وصلت ذروتها على يد النازيين والفاشستيين والعنصريين في ألمانيا وباقي الدول الغربية. 

وتدخل في هذه الجلسة الثانية، الأستاذ عمر أفا، أحد طلبة الأستاذ جرمان عياش في ستينيات القرن الماضي، حيث أكد أن جرمان عياش، كان يركز على القيم الوطنية، وكان يستعمل الوثائق في دروس التاريخ، وأن من جملة هذه الوثائق التي استعملها، في أول دروسه لهم، مقطعا من مقدمة كتاب “المعسول” لمحمد المختار السوسي وركز فيها على الجانب الوطني وأبرز كيف أن عبارات محمد المختار السوسي تبوح بمدى حبه لبلاده، مشيرا إلى أن جرمان عياش ما كان له أن يدرك هذه القيمة الدقيقة لولا قيمة شعوره الوطني الذي استطاع أن يوسع به الإدراك بأن كتابة التاريخ سبيل إلى الإحساس بالوطنية.

وأضاف عمر أفا أن جرمان عياش استخلص من هذا النص أن منهجية المختار السوسي، تتلخص في كون المؤرخ يخضع لمرحلتين، الأولى هي أن قلم المؤرخ مثل عدسة المصور تلتقط كلما هو  أمامها، والمرحلة الثانية  هو أن يعمل فكره فيما يكتب، ويقول المختار السوسي “لا خير في مؤرخ جماع فقط”.

واعتبر معروفي الدفالي، من جهته، أنه لا يمكن الحديث عن جرمان عياش خارج ثقافة عصره، وأن كل من يلتزم بثقافة العصر فهو مؤرخ مجدد، مشيرا إلى أنه كان يشتغل على تحرير التاريخ المغربي من الكتابة الكولونيالية، وكان منسجما مع مبادئه.

من جانبه، قدم الأستاذ بوجمعة رويان أن الأستاذ كان يحرص على استعمال البساطة في شرحه، عن طريق وسائل إيضاح بسيطة جدا، بالإضافة إلى أنه كان يستند على ما يؤمن به من أفكار لشرح الثورة الصناعية انطلاقا من  المادية التاريخية وانطلاقا من التحليل الماركسي.

وبدروه، تحدث الإعلامي إدريس العيساوي، عن جرمان عياش انطلاقا مما اطلع عليه من مراجع وكتب هذا المؤرخ العالم الذي كان في نظره ضروريا لتلك المرحلة، مشيرا إلى أنه كان من أطر ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية الذي عرف بأنه حزب الأطر والكفاءات.

وفي الجلسة الثالثة تدخل الأستاذ عبد المجيد القدوري في موضوع جرمان عياش من مؤسسي الكتابة التاريخية المغربية الحديثة، مشيرا إلى أنه كان من أنصار المنهجية الوضعانية وبالتالي يضيف القدوري، فقد شكل جرمان عياش اتجاه خاصا به وعمل على تكوين مجموعة من الباحثين فيه.

ومن جانبه، وقف الأستاذ خالد بن الصغير على مدي إسهام جرمان عياش في تكوين الباحثين في تاريخ المغرب، وإدارته لمجلس “هيسبريس – تمودا” مشيرا إلى أنه ساهم إلى جانب زميله الفقيد إبراهيم بوطالب في تأسيس أول شعبة للتاريخ في الجامعة المغربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.

كما تدخل الأستاذ عبد العزيز بلفايدة في موضوع الإنتاج التاريخي للأستاذ جرمان عياش حصيلة بيبليوغرافية، ووقف على مدى ثلاثين سنة سواء كانت كتبا أو مقالات صادرة في مجلات متخصصة أو في جرائد حزبية.

ووقف الأستاذ موسى كرزازي، في مداخلته، عند جرمان عياش المناضل التقدمي المتشبث بجذوره المغربية، فيما تحدث الأستاذ محمد براص عن جرمان عياش ودوره في تطوير الثقافة السياسية لدى الشباب الوطني المغربي، وخاصة الشباب المنتمي إلى الحزب الشيوعي المغربي. كما تدخل الأستاذ محمد حاتمي، في موضوع تحرير التاريخ من تحرير الذات لدى جرمان عياش. 

محمد حجيوي

Top