في لقاء نظمه مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال

خبراء وأساتذة يحذرون من ارتفاع “التضخم” وآثاره السلبية على القدرة الشرائية

نبهوا إلى عدد من الإجراءات التي تزيد التضخم في مشروع مالية 2024 وتمس بالقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين

نبيل بنعبدالله: الحكومة الحالية غائبة في مجال مراقبة ارتفاع الأسعار

        

حذر عدد من الخبراء والأساتذة الأكاديميون وسياسيون من استمرار “التضخم” في الارتفاع مع الإجراءات التي جاء بها مشروع مالية 2024.

ونبه متدخلون في لقاء نظمه مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال حول “التضخم والقوة الشرائية للمواطن” إلى المخاطر التي تحملها عدد من الإجراءات تضمنها مشروع قانون المالية 2024 الذي جاءت به الحكومة والذي قالوا إنه يعمق من التضخم ويمس بالقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.

ولفت المتحدثون إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه انتظارات بإجراءات كفيلة بتقليص الأسعار ودعم القدرة الشرائية في ظل موجة الغلاء تسير الحكومة إلى فرض إجراءات جديدة تزيد من التأثير على القدرة الشرائية.

محمد نبيل بنعبد الله: من يبلور الدعم المباشر حاليا هو من رفضه سابقا والحكومة الحالية لم تتعامل بمسؤولية مع مسألة مراقبة الأسعار

في هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن هناك مجموعة من الآليات التي جرى إقرارها في السابق التي تتيح التدخل لمراقبة الأسعار، مؤكد على أن هناك مسؤولية للحكومة الحالية في مراقبة الأسعار.

وزاد بنعبد الله “الحكومة الحالية لم تتعامل أبدا مع هذا الموضوع خلال فترة ارتفاع الأسعار، باستثناء إجراء الدعم المباشر الذي أكد أنه يبقى في عمومه إيجابيا، لكن شروطه العامة وكيف سينفذ ومن سيستفيد تطرح عدة إشكالات”.

وذكر بنعبد الله بمسار إصلاح المقاصة الذي انطلق النقاش فيه منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي والذي استمر بشكل اقوى مع حكومة عبد الإله بنكيران التي باشرت مجموعة من الإصلاحات، مع مراعاتها وطرحها للجانب الاجتماعي وما يمكن أن تحدثه تلك الإجراءات.

وأوضح بنعبد الله أن حزب التقدم والاشتراكية كان له دور في الحكومتين السابقتين من خلال التأكيد على أمرين وهما الحفاظ على التوجهات الديمقراطية، وما يتعلق بالبعد الاجتماعي الذي يجب أن يظل حاضرا بقوة في السياسات العمومية والإجراءات المتخذة.

ولفت المتحدث إلى أن حكومة عبد الإله بنكيران، التي عملت على الذهاب نحو إصلاح صندوق المقاصة على أساس التحرير، عرفت حينها نقاشا قويا، وخلص إلى أنه لن يتم التحرير إلا وفق ضمان مجموعة من الشروط.

هذه الشروط، قال بنعبد الله إنها تمثلت أساسا في عدم التوجه نحو تحرير مطلق قد يؤدي إلى كارثة حقيقية، وأن يتم بلورة فكرة تؤكد على أن الوصول إلى سقف معين وأن تكون هناك ميكانيزم يحدد تدخل الدولة للحفاظ على الأسعار ودعم القدرة الشرائية.

وأضاف بنعبد الله أن الحكومة حينها بلورت نظاما لمراقبة الأسعار وهو القانون الذي صدر والذي يتيح في مادته الثانية للدولة أن تتدخل من خلال تسقيف ظرفي لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد.

كما زاد المتحدث أن الحكومة قررت أن هذا التحرير لا يمكن أن يستقيم دون أن يكون هناك دعم مباشر للأسر، حيث أوضح أن هذه النقطة خلقت جدلا واسعا بين مكونات الحكومة، لافتا إلى أن بعض مكونات الحكومة حينها هي من رفضت الدعم المباشر.

وأردف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية قائلا “إن من يبلور اليوم الدعم المباشر للأسر على المستوى الحكومي هو نفسه الطرف الذي كان يعارضه بشدة خلال حكومة عبد الإله بنكيران”، موضحا أن هذا الطرف كان يعارض بقوة تقديم هذا الدعم لأسباب سياسوية، وبهدف ألا يكون للحكومة حينها الفضل في إحداث هذا الدعم المباشر بصفته مكسبا اجتماعيا أساسيا.

كما أوضح المتحدث أن حكومة عبد الإله بنكيران بلورت أيضا فكرة مراقبة الأسعار من خلال قانون مراقبة الأسعار معتبرا أن هناك مسؤولية سياسية للحكومة في هذا الصدد، والتي قال إنها مع الأسف لم تتبلور مع الحكومة الحالية التي لم تتعامل مع مسألة مراقبة الأسعار.

وجدد بنعبد الله تأسفه عن التوجه الحالي وكيف أن الأمور اليوم سارت بالفعل في اتجاه خدمة هذا الطرف، الذي كان يعارض تقديم الدعم وعدد من الإجراءات في السابق، خاصة وأن الشروط التي تم وضعها لتصاحب إصلاح المقاصة، وعلى رأسها قانون المنافسة، لم تفعل طيلة هذه الفترة الأخيرة التي شهدت تضخما كبيرا.

عبد الواحد الجاي: الحديث عن التضخم بدأ قبل ما يزيد عن 25 عاما ومؤشراته تظل مرتفعة

بدوره قال عبد الواحد الجاي عضو مكتب مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال والأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط إن التضخم في المغرب عرف أرقاما كبيرة نتيجة عدد من السياسات.

وأورد المدير السابق ببنك المغرب أن الحديث عن التضخم الاقتصادي ظهر في المغرب بعد 25 عاما من استقرار الأسعار، مبرزا أن بنك المغرب بذل مجهودات كبيرة في العمل على التحكم في مؤشرات التضخم.

ولفت الجاي إلى أن بنك المغرب ومن خلال مجهوداته تمكن في الفترة بين 1996 و2000 من ضبط إيقاع التضخم وجعله مستقرا في حوالي 2 بالمئة في غالب الأحيان مع ارتفاع إلى 3 بالمئة أحيانا أو انخفاض نحو 1 بالمئة في أحيان أخرى.

بعد 2000، أوضح الجاي أنه وقع انكماش اقتصادي والذي كان من بين التحديات التي واجهت بنك المغرب، خصوصا وأن المغرب كان على شفى ما سمي “السكتة القلبية”ن والتي أدت إلى خلخلت التوان في مؤشرات التضخم التي بدأت تشهد ارتفاعات متتالية.

وربط الجاي بين الارتفاع المتواصل في أسعار مجموعة من المواد، بما فيها المواد الأولية، والمواد الاستهلاكية الأساسية والمواد المستوردة، وبين المؤشرات المعلن عنها في عدد من القطاعات، خصوصا من قبل المندوبية السامية للتخطيط، والتي قال إنها في عمومها تؤكد على استمرار ارتفاع مؤشر التضخم.

وأردف الجاي أن تسجيل حوالي 4.9 بالمئة كمؤشر للتضخم في شتنبر الماضي يظل مقبولا بالمقارنة مع الأرقام المسجلة في نفس الفترة في السنة الماضية، والتي قال إنها بالرغم من ذلك تظل مرتفعة وهناك حاجة لإجراءات قوية للتحكم فيها وتخفيضها.

ولفت المتحدث إلى أن بنك المغرب قرر الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، والذي كان حدده في 3 بالمئة، بعد زيادات سابقة على مدى السنتين الماضيتين، معتبرا أن ذلك بالنظر لمستوى اللايقين العالي المرتبط بتطورات الظرفية الدولية وبالسياق الوطني.

وأضاف الجاي أن الحديث عن تحسن أرقام التضخم وانخفاضها في السنة الحالية لا يعني التحسن في القدرة الشرائية بقدر ما يعني تجاوز بعض الإكراهات التي جاءت مع فترة الحجر الصحي، موضحا أن الأمر لا يعد أن يكون عودة إلى الأرقام ما قبل الأزمة الصحية.

وأردف المتحدث أن معدلات التضخم تظل مرتفعة في السنوات الأخيرة بشكل كبير نتيجة لعدد من السياسات التي وصفها بالليبرالية والتي ذهبت في اتجاه تحرير السوق بدون أي إجراءات فعلية مصاحبة لحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.

وبعدما أشار المتحدث إلى الإجراءات الحالية التي جاء بها قانون المالية والتي قال إنها لن تساهم في انخفاض التضخم كما يتم الترويج لذلك بقدر ما ستؤدي إلى ارتفاعه بشكل أكبر، معللا ذلك يكون الحكومة الحالية تتخذ مجموعة من الإجراءات التي في جوهرها إجراءات ليبرالية وتعتمد على تحرير السوق بشكل كبير.

في هذا الصدد، ذكر الجاي بالحكومات السابقة وخصوصا الصيغة المغربية للإسلام السياسي المشارك في العملية الديمقراطية المتمثلة في الحزب الذي قاد الحكومتين السابقتين والتي قال إنها صيغة في عموم أعضاءها ليبرالية متطرفة وراديكالية، والتي قال إنها اتخذت قرارات مست بالقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وأدت إلى نتائج سلبية على هذا المستوى.

ومن هذا المنطلق، ذكر الأستاذ الجامعي والمدير السابق ببنك المغرب بعدد من الإجراءات التي تمت في عهد الحكومة السابقة التي عملت على تحرير المحروقات، في وضع إلى ارتفاعات متتالية في الأسعار كان لها الأثر المباشر على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.

وأوضح الجاي أن عدد من القرارات كان اثرها متواصلا وأدت إلى ارتفاعات متتالية في مجموعة من الأسعار وارتفاعات في مؤشرات التضخم بالمغرب، التي تزيد بشكل كبير نتيجة السياسات المتعبة وعدد من الإجراءات التي تمس بالقدرة الشرائية وتخلخل التوازن المجتمعي وتمس بالطبقات الاجتماعية وخصوصا منها الطبقة المتوسطة.

محمد الشيكر: مشروع مالية 2024 يكرس التضخم

من جانبه، قال محمد الشيكر رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال إن مشروع القانون المالي لسنة 2024 والإجراءات التي جاء بها إنما هو قانون لا يواجه التضخم بقدر ما يكرسه بشكل أكبر.

وأضاف الشيكر الذي سير أطوار اللقاء إنه على المستوى الاقتصادي ليس هناك أي إصلاحات بل تراجعات على هذا المستوى، مشيرا إلى أن إصلاح المقاصة ليس إصلاحا بقدر ما يعتبر تفكيكا للمقاصة.

وأوضح الشيكر أن المقاصة لا تعني الدعم، بقدر ما تعني مجموعة من المنتوجات التي لها فائض تغطي على المنتوجات التي تعرف العجز والخصاص، معتبرا أن الخلل في هذا النظام تم مع إدخال المحروقات وإصلاح الضريبة في 1986.

وشدد الشيكر على أن تضريب المحروقات في 1986 تسببت في ما نعيشه اليوم، مردفا أن الدولة عملت على إصلاح المحروقات في 1975 على أساس أنها ستساهم في تطوير الصناعة الغذائية، خصوصا السكر والحليب وغير ذلك مقابل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، مشيرا إلى أن الأمر لم يكن له أي علاقة حينها مع الفقر وما ترتب عن ذلك فيما بعد.

ويرى المتحدث على أن الفقر جاء حينما لاحظ صندوق النقد الدولي بأن المخطط الهيكلي له عواقب وخيمة على المستوى الاجتماعي، وجرى بداية الحديث عن الفقر واتجه نحو تحرير الأسعار أي ما وصفه بـ “حقيقة الأسعار”، مشيرا إلى أن ما نعيشه اليوم نتيجة بعض القرارات التاريخية وما جرى في فترات سابقة.

ونبه المتحدث إلى إمكانية تكرار نفس هذه المشاكل، من خلال قرارات حالية، لافتا في هذا الإطار، إلى أن الدعم المباشر بدوره من الممكن أن يحمل الكثير من المشاكل نتيجة عدة عوامل، مبرزا أن الأمر كان يحتاج إلى تفكير كبير وإجراءات مصاحبة.

وذكر رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث، في هذا الصدد، بمقترح لحزب التقدم والاشتراكية ضمن برنامجه والذي سماه “دخل الكرامة”، والذي قال إنه دعم مباشر لكنه بصيغة إيجابية تجنب عدد من المشاكل التي يمكن أن تقع مع الصيغة الحالية التي جاءت بها الحكومة الحالية.

محمد بنموسى: لا يجب الخلط بين رفع اليد عن المقاصة وتحرير السوق

من جهته قال محمد بنموسى الخبير الاقتصادي وعضو حزب التقدم والاشتراكية إنه لا يجب الخلط بين رفع اليد عن المقاصة وتحرير السوق، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بقرار واحد بل بقرارين.

وأوضح بنموسى أنه جرى في دجنبر 2015 تنزيل قرارين في نفس الوقت، وهما قرار رفع اليد عن المقاصة ودعم ثمن المحروقات وفي نفس الوقت قرار تحرير السوق، وبالتالي كان هناك خطرين على القدرة الشرائية وليس خطرا واحدا.

وزاد المتحدث أنه كان من الممكن للحكومة أن تقرر بتحرير السوق وتستمر في دعم الأسعار بشكل آخر، مجددا التأكيد على أن المقاصة والتحرير ليس نفس الشيء، وأنه يشكلان قرارين منفصلين أضرا بالقدرة الشرائية.

ويرى المتحدث على أن ما زاد الطين بلة هو أن القرار الذي جاء في دجنبر 2015 كان في إطار يعرف تعطلا في أجهزة مجلس المنافسة، حيث كان هناك شرط لإخراج القرار حينها وهو وجود مؤسسة تسهر على المنافسة الشريفة والحقة.

كما لفت المتحدث إلى أن الحكومة اتخذت قرار تحرير السوق ورفع اليد عن الدعم علما أن مجلس المنافسة كان عاطلا، كما كانت أيضا المصفاة المغربية لتكرير البترول “لاسامير” هي الأخرى معطلة وكانت توقفت عن الاشتغال في غشت 2015 والتي قال إنها كانت تلعب دورا في توازن القوى مع الموزعين.

وذهب بنموسى للتأكيد على أن الحكومة كانت لها مسؤوليات مباشرة، نتيجة القرارات التي اتخذت حينها في 2015، والتي لفت إلى أن الأحزاب السياسية والرأي العام لم ينتبهوا إليها وإلى خطورتها حينها إلا بعد فوات الآوان بعد ذلك، مشيرا إلى أن الأمر كان له تأثير على القدرة الشرائية للمواطن.

 محمد توفيق أمزيان

 تصوير: رضوان موسى

Top