قرار قضائي بتوسيع التغطية الصحية عملا بمبدأ الضرورة

أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط، مؤخرا، حكما مبدئيا يقضي بإرجاع الصندوق الوطني لمنظّمات الاحتياط الاجتماعي لفائدة مريض مبلغ 500.000 درهم (تعادل حوالي 50 ألف دولار) نظير نفقات علاجه بدواء مستورد من الخارج، وذلك بعدما امتنع الصندوق عن أداء المبلغ المذكور بعلة انعدام تعريفة مرجعية محينة. وتكمن أهمية الحكم القضائي الذي تنشره المفكرة القانونية في أنه يكرس مبدأ اللجوء الى القضاء للدفاع عن الحق في الصحة، حيث أقرت المحكمة حق المرضى المصابين بأمراض مزمنة في استرجاع نفقات العلاج بأدوية مستوردة رغم غياب تعريفة مرجعية، وذلك في حالة عدم جدوى العلاجات الوطنية المتوافرة، حيث استندت المحكمة على مبدأ الضرورة للحفاظ على الحق في الصحة. 
كما يعيد هذا الحكم القضائي إلى الواجهة التحديات التي تواجه تنزيل نظم الحماية الإجتماعية في المغرب وعدد من بلدان المنطقة، وخاصّة ما يتعلق باستدامة وفعالية الخدمات التي تقدّمها، واستهداف الفئات الهشة ومواجهة التعقيدات البيروقراطية نتيجة تشتت النصوص القانونية وعدم تحيينها.

طلب استرجاع نفقات العلاج بدواء جديد

تعود فصول القضية إلى تاريخ 23 يونيو 2023 حينما تقدم مدّعٍ بمقال افتتاحي أمام المحكمة الإدارية بالرباط يعرض فيه أنه أصيب بمرض تشمّع الكبد، واضطر معه للاستشفاء لحوالي سنتين بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط. وقد خضع خلال هذه المدة لجميع أصناف الأدوية المتواجدة على الصعيد الوطني من دون جدوى، إلى أن أخبره طبيبه المعالج إثر مشاركته في مؤتمر دولي في الخارج بتوصل الباحثين إلى دواء جديد فعّال يتمّ تسويقه ببريطانيا تحت الترخيص المؤقت، وأضاف أنه قام باقتنائه، وقد أودع الملف الطبي لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي قصد استرجاع نفقات العلاج بالدواء الجديد، إلا أن الجواب كان بالرفض بعلة أن الدواء المذكور غير مؤمن عليه.

صندوق الضمان الاجتماعي يتمسك بعدم وجود الدواء الجديد ضمن لائحة أدوية وزارة الصحة

أجاب الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بأن قائمة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها يتم حصرها بقرار لوزير الصحة، وأن القانون يخول الصندوق استيراد أدوية جديدة أو إدراجها ضمن قائمة الأدوية المعوّض عليها. لذا كان على المدعي توجيه دعواه ضد وزارة الصحة، باعتبارها المسؤولة عن استيراد الأدوية من الخارج وإدراجها ضمن قائمة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها. أما من حيث الموضوع، فقد أثار الصندوق أنه يلتزم بتنفيذ القرارات الصادرة عن وزير الصحة، الذي يتولى تحديد قائمة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها حسب الخدمة الطبية المقدمة، وبالاستناد إلى التسمية المتعارف عليها دوليا وإلى الفئة العلاجية للدواء مع بيان طريقة تقديمه وشكله. كما أن القانون المتعلق بالتغطية الصحية ينص على تعويض الأدوية وفق التعريفة المرجعية الوطنية، والحال أن الدواء الذي كان يستعمله المدّعي مستورد من الخارج ولا توجد له في المغرب أيّ تعريفة مرجعية للتعويض، علما أن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي سبق لها أن أجابت المعني بالأمر على تظلمه بشأن رفض استرجاع مصاريف الدواء مؤكدة أنه غير قابل للتعويض في إطار التأمين الإجباري عن المرض، وأن ضمان المساواة والإنصاف بالنسبة لجميع المؤمنين للولوج إلى العلاجات يمثل أولوية لدى الهيئات المدبرة للتامين الإجباري عن المرض، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا وفق الموارد المتاحة، وبفضل حكامة جيدة تروم حسن تدبير وترشيد النفقات والحرص على التوازن المالي الذي به يمكن ضمان ديمومة واستمرارية نظام التغطية الصحية وتحقيق استفادة الجميع من الخدمات الطبية.
موقف المحكمة

استجابت المحكمة الإدارية بالرباط لطلب المدعي وقضت بإرجاع الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي لفائدته مبلغ 500.000 درهم نظير علاجه بأحد الأدوية المستوردة من الخارج رغم أنه غير مدرج في لائحة الأدوية المقبول التعويض عنها بحسب قرار وزير الصحة، وقد اعتمدت المحكمة على المقتضيات القانونية التالية:
– المادة 9 من مدونة التغطية الصحية التي تنص على أنه:…”  يعفى المؤمن كليا أو جزئيا من الجزء الباقي على عاتقه، في حالة مرض خطير أو مرض ترتب عنه عجز يتطلب علاجا طويل الأمد، أو في حالة ما إذا كانت تكاليف العلاج باهظة الثمن، وتحدد بنص تنظيمي قائمة الأمراض التي تخول الحق في الإعفاء وكذا الشروط التي يمنح بموجبها هذا الإعفاء”.
– المادة 15 من مدونة التغطية الصحية التي تنص على أنه: “تتم تغطية مصاريف الخدمات الطبية حسب نوع وطبيعة كل خدمة: إما عن طريق التحمل المباشر من لدن الهيئة المكلفة بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض … وإما عن طريق الأداء المسبق من لدن المؤمن أو المستفيد لمصاريف الخدمات المذكورة على أن يدلي إلى الهيئة المكلفة بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بالوثائق المبررة والمعلومات التي تثبت حقيقة العلاجات المقدمة، قصد استرجاع المصاريف عن الخدمات المضمونة طبقا لهذا القانون.
– المادة 8 من المرسوم التطبيقي لمدونة التغطية الصحية  التي تنص صراحة على أنه: “تحصر قائمة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها بقرار لوزير الصحة حسب الخدمة الطبیة المقدمة. ويتمّ إعداد هذه القائمة بالاستناد إلى التسمية المتعارف علیها دولیا وإلى الفئة العلاجیة للدواء مع بیان طریقة تقديمه وشكله. ویتمّ إرجاع مصاریف أيّ مستحضر من المستحضرات الصیدلیة على أساس الثمن العمومي للدواء الجنیس للمستحضر المرجعي في حالة وجوده والذي یحمل نفس الاسم المتعارف علیه دولیا. غیر أنه یمكن إعفاء المستفید كلیا أو جزئیا من المصاریف الباقیة على عاتقه من طرف الهیئة المكلفة بالتدبير عندما تكون الأدوية المقبول إرجاع مصاریفها مخصصة لعلاج مرض خطیر  أو ترتب عنه عجز  یتطلب علاجات طويلة الأمد أو  باهظة الثمن. وتحدد بقرار  لوزیر الصحة قائمة الأدوية التي تخول الإعفاء الكلي أو الجزئي من المصاریف الباقیة على عاتق المستفید.
وقد استنتجت المحكمة من هذه المقتضيات القانونية أن المؤمن المستفيد من العلاج يعفى كليا أو جزئيا من الباقي على عاتقه في حالة ما إذا كان الأمر يتعلق بمرض خطير أو كانت تكاليف العلاج باهظة الثمن، كما أن القانون يجيز للمؤمن الأداء المسبق لمصاريف الخدمات الطبية العلاجية على أن يدل بما يثبت حقيقة تلك العلاجات، من أجل استرجاع المصاريف المتعلقة بالخدمات المضمونة.
كما استنتجت المحكمة من وقائع القضية أن عدم نجاعة الأدوية الخاصة بمرض تشمع الكبد المتوفرة بالمغرب في علاج المدعي، ولجوئه إلى استعمال دواء جديد تحت التجريب مستورد من الخارج، بناء على وصفة طبية خاصة من الطبيب المعالج، استلزمته الضرورة الملحة لإنقاذ حياة المريض، لذا لا يجوز إقصاؤه من الحقّ في استرجاع مصاريف العلاج خاصة وأن تمويل الخدمات المتعلقة بالعلاجات الصحية يقوم على مبادئ التضامن والإنصاف قصد استفادة جميع السكان من الخدمات العلاجية.

Top